فى الماضى كانت الثالثة صباحا يشار اليها فى المنافسات الانتخابية الأمريكية باعتبارها تمثل لحظة حاسمة يتلقى فيها الرئيس ومكالمة هاتفية عن تطور خطير يحتاج خبرة وثباتا انفعالياً وقرارات حكيمة، حتى إن حملة هيلارى كلينتون الخاسرة عام 2008 انتجت إعلانا شهيراً يثير المخاوف من منافسها فى ذلك الوقت باراك أوباما بأنه غير مؤهل للرد على تلك المكالمة. المدهش ان مشكلة ترامب الذى أشرف كثيرا على مسابقات ملكات الجمال هى أنه لايبدو رئاسيا فى سلوكه بالنسبة لكثير من الناخبين ، وبدلا من محاولة تغيير ذلك الانطباع ، نجده يضيع أياماً حرجة فى معركة ساذجة تؤكد أن الرجل لا يعرف مايفعل على أفضل تقدير. وهذه ليست المرة الأولى التى يضر فيها ترامب نفسه بهذه الطريقة، فمنذ شهرين أمضى أسبوعا كاملاً فى معركة خاسرة مع أسرة جندى أمريكى مسلم لقى مصرعه فى العراق وحصل على أعلى الأوسمة . لكن ترامب لايتعلم من أخطائه لأنه ببساطة لايعترف بها وصار يتحدث من كلمات مكتوبة على (تيليبرومتر) لكى لا يخرج عن النص، وهو ما ساعد فى تحسن صورته وبدأ يقترب من هيلارى فى استطلاعات الرأى العام حتى اصبحا شبه متساويين. لكن ترامب عاد لترامب وسقط فى الشرك الذى أعدته له هيلارى فى مناظرتهما الأولى الأسبوع الماضي، عندما أشارت لإهانته لملكة الجمال السابقة (إليشا ماشادو) بالحديث عن زيادة وزنها وذلك فى لعبة ذكية للغاية. فتأييد المرأة لهيلارى يمثل عنصر دعم كبير لها وتتفوق على ترامب بنحو عشرين فى المائة، كما أن ماشادو من أصول لاتينية (هيسبانيك) وهى ايضا كتلة تصويتية مهمة للغاية لفوزها بالبيت الأبيض. لكن بدلا من الخروج من الحفرة استمر فى الحفر، وجاءت تلك التغريدات دليلا على أنه لايستمع حتى لأقرب مستشاريه، ثم ظهر فجأة فيلم «بورنو» قديم يظهر فيه ترامب فى مشهد قصير وهو يصب الشمبانيا فى مفارقة تحمل الكثير من علامات الاستفهام وترامب الآن يتحدث عن العلاقات الجنسية للرئيس الأسبق بيل كلينتون معتقدا أن ذلك سيهز تأييد المرأة لهيلارى لأنها هاجمت كل سيدة اتهمت زوجها. وقد كان لذلك تأثير بالفعل فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى خاصة بين الفتيات، لكن مشكلة ترامب أنه هو نفسه لم يكن راهبا أو قديسا، فهو حالياً فى الزواج الثالث ما يزيد من أهمية اخطاء ترامب هو أنها تأتى بعد أداء كارثى فى المناظرة الأولي، حيث تفوقت هيلارى بشكل كاسح وأظهرتها استطلاعات الرأى العام بأنها الفائزة بما يفوق الضعف وصار يتعين على ترامب أن يعمل على اصلاح ما أفسدته المناظرة وليس تكريس النظرة السلبية له خاصة أن نحو ستين فى المائة يرونه لايملك المؤهلات أو المواصفات الشخصية للرئاسة . وكما لو كانت كل هذه المشاكل لا تكفي، فإذا بصحيفة نيويورك تايمز تنشر بيانات ترامب الضرائبية لعام 1995 والتى تشير إلى أن خسائره وصلت إلى 916 مليون دولار أى ما يقرب من مليار دولار، يمكن قانونيا ألا تجعله يدفع أى ضرائب فيدرالية على مدى 18 سنة. أهمية ذلك أن ترامب يرفض حتى الآن اتباع التقليد الذى سار عليه كل المرشحين منذ اربعة عقود بالكشف عن أوراقهم الضريبية وهو ما استغلته كلينتون فى أثناء المناظرة وأشارت إلى احتمال ألا يكون دفع أى ضرائب فإذا به يرد بحماقة: هذا يجعلنى ذكيا. والآن بعد تسريب ملفه الضريبى القديم سيزداد الضغط عليه للكشف عن بقية أوراقه بما قد يضر كثيرا بحملته الانتخابية. كل هذه المؤشرات تدل على أنه لو أجريت الانتخابات اليوم فإنه يمكن الجزم بأن هيلارى ستكون الفائزة . فآخر استطلاعات الرأى العام تشير إلى استفادتها من المناظرة الأولى وهو تتفوق الآن بنحو ثلاثة فى المائة على المستوى القومى صحيح أن الانتخابات تتم على مستوى الولايات طبقا لحجم كل ولاية فى المجمع الانتخابي، لكن الواقع هو أن التفوق على تحسن أداء هيلارى فى الولايات المتأرجحة التى تحسم النتيجة مثل فلوريدا وبنسلفانيا وفيرجينيا ونورث كارولينا وكولورادو، وإن كان الفارق ليس كبيرا فى أى منها ويقترب من هامش الخطأ . لكن لدى هيلارى مشكلة بسيطة: فالانتخابات لن تجرى اليوم وعليها أن تخوض معركة لايمكن التنبؤ بمسارها خلال الأسابيع المتبقية، تشمل مناظرتين اخريين مع ترامب ، ولايدرى أحد أى ترامب سيظهر فيهما فقد أثبتت مناظراته السابقة مع منافسيه فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى أنه قادر على تغيير أسلوبه من النقيض إلى النقيض ولديه حضور جيد أمام الشاشة والأهم أن الجمهور يتعامل معه بمعايير مختلفة تتسامح مع الكثير من أخطائه التى ربما تقتل طموحات أى سياسى تقليدى آخر. وإذا كان تفوق هيلارى الحاسم فى المناظرة الأولى لم يؤد الى تفوق حاسم فى الاستطلاعات، فهذا مؤشر خطر بالنسبة لها لأن أى خطأ منها أو تحسن فى أداء ترامب قد يقلب المعادلة القائمة وربما كانت أهم نقاط الضعف لدى كلينتون أن النظرة السلبية لها كبيرة، وهناك أغلبية واضحة بين الناخبين لاتزال تراها غير أمينة أو صادقة حتى من بين من سيصوتون لصالحها .فالانتخابات هذه المرة تتجه لمن سيراه الناخبون الأقل سوءا ، ويحكمها العنصر الأهم: الخوف . فنحو 57 لكن تظل أرقام الاستطلاعات تميل لصالح هيلارى بشكل عام وأيضا فى بعض التفصيلات المهمة. نحن إذن أمام خريطة انتخابية شديدة التعقيد، وسنرى كيف تنعكس على الحملتين المتنافستين للرئاسة خلال الأسابيع المقبلة، حيث ستسعى كل منهما للتركيز على مشاعر الخوف من المرشح الآخر بإعلانات سلبية، مع توجيه رسائل محددة لكل جماعة عرقية أو مرحلة عمرية بما يناسبها. وبصرف النظر عن النتيجة ، فلاشك أن هذه انتخابات تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، بين أول امرأة تترشح عن حزب كبير للرئاسة، ومرشح غير تقليدى من عالم البيزنس لم يشغل من قبل أى منصب حكومى او منتخب. لكن ماذا يعنى ذلك بالنسبة لنا؟ وماهو الفارق فى حالة فوز أى منهما بالرئاسة؟ هذا يحتاج إلى مقال آخر. لمزيد من مقالات محمد السطوحى