بعد ليلة المناظرة التليفزيونية أو المواجهة الشرسة بين «كلينتون» و»ترامب» واصل كلا المرشحين جولاتهما الانتخابية في محاولة منهما لضمان الحصول على الأصوات المترددة التي لم تحسم أمرها بعد. مناظرة الاثنين التي تابعها نحو 84 مليونا من المشاهدين حتى وإن أظهرت تفوق المرشحة الديمقراطية «هيلاري كلينتون» في أدائها المتمكن وتعاملها الهادئ مع القضايا المطروحة فإن لا أحد يمكن أن يستنتج منها أن «نهاية» المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» قد أتت أو انها في الطريق. خاصة أن «ترامب» كعادته منذ دخوله المعركة الانتخابية استخدام نفس أسلوبه الشعبوي في التقليل من شأن ما قالته «هيلاري» باعتباره «كلام السياسيين» المكرر والكاذب في أغلب الأوقات. ف«ترامب» يعرف جيدا كيف يوظف ويستثمر ويستغل ويبتز غضب الأمريكيين تجاه «واشنطن» و«القائمين بأمرها» وهم (كما يقول «ترامب» ويعيد القول) «الرافضون لأى تغيير يخدم المواطن العادي» وقد كرره أيضا في المناظرة الأولى. إن أغلب استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الماضية تظهر أن «التغيير» هو المطلب الأساسي والرئيسي للناخب الأمريكي. و»ترامب» يعزف هذه النغمة ويعرف كيف يتعامل مع هذا «الوتر الحساس» وهو دائما يضع «كلينتون» في اطار «ابنة المؤسسة السياسية» و»نعم لها تاريخ وخبرة .. ولكن لها تاريخ وخبرة في ارتكاب أخطاء جسيمة». «كلينتون» بدت في هذه المناظرة التليفزيونية الأولى بجانب كونها الأكثر ادراكا وفهما للقضايا الحيوية المطروحة (وبالذات قضايا العالم)، انها أيضا الأكثر تحكما وهدوءا في اظهار غضبها وردود أفعالها. لقد قاطعها «ترامب» 58 مرة خلال فترة المناظرة التي امتدت ل 90 دقيقة. المرشح الجمهوري في اليوم التالي للمناظرة توعد بأنه «سيقوم بتوجيه ضربة أكثر قسوة» في المرة القادمة. وذكر أيضا بأنه كان في إمكانه احراج «هيلاري» بالحديث عن قضايا أخلاقية بخصوص زوجها الرئيس السابق وعلاقاته النسائية الا أنه آثر الصمت احتراما لوجود ابنتهما «تشيلسي». «دونالد ترامب»مع أعوانه والمتحدثين باسمه انتقدوا الاعلامي «ليستر هولت» الذي أدار المناظرة على أساس أنه سأل «ترامب» عن اقراره الضريبي وعن تشكيكه في أمريكية «أوباما» الرئيس الحالي والقول بأنه لم يولد في أمريكا. كما أن «ترامب» صباح اليوم التالي وفي حديث مع شبكة «فوكس نيوز» تحدث عن خلل في ميكروفونه تسبب في عدم سماع صوته خلال المناظرة. «دونالد ترامب» كعادته ومثلما ذكر أغلب المعلقين كان جيدا في أدائه وفي اظهار معرفته وخبرته في ال 30الدقيقة الأولي من المناظرة الا أن سرعان ما «استنفد وقوده» (كما قيل) وبدأ في اطلاق التعليقات الطائشة.. وقاطع كلام «هيلاري» وأظهر ملامح الضجر والسخرية على وجهه. وأيضا أظهر جهله في الملفات الخارجية وتحديدا التجارة الدولية ( مع الصين والمكسيك مثلا) والحلف الأطلسي والسلاح النووي والحروب الالكترونية والعلاقات الدولية وأيضا التصدي ل«داعش» وأزمات الشرق الأوسط. والتعامل مع»التغيير المناخي». إن الشاشة المنقسمة كانت أبرز ملمح في المناظرة الرئاسية الأولي لعام 2016اذ أتيح للمشاهد أن يشاهد بجانب كلام مرشح ما .. رد فعل المرشح الآخر وانعكاسه على تعبيرات وجهه وحركات جسده. ومن ضمن الانتقادات التي وجهت لمن أدار المناظرة من جانب أنصار «ترامب» عن أن «ليستر هولت» لم يتوجه بأسئلة ل «هيلاري» عن كذبها ل«اف بي أى» بخصوص رسائلها الالكترونية ولا عن مسئولياتها فيما حدث في «بنغازي»ولم يسألها أيضا عن «مؤسسة كلينتون» وما أثير حولها من اتهامات لاستغلال نفوذ وتحقيق مصالح خلال فترة توليها لمنصب وزيرة الخارجية. «دونالد ترامب» طوال حملته الانتخابية حرص دائما على التشكيك في مهنية ونزاهة الصحافة ووسائل الاعلام بشكل عام. علي أساس انها دائما «ليبرالية» ولا تقف مع الصوت الأمريكي الوطني والحقيقي وبالتالي تعادي «ترامب» وتشوه صورته وتاريخه. والأمر الهام ان موقفه هذا من الاعلام والصحافة يحظي بشعبية كبيرة ويعكس بشدة موقف مؤيديه وأنصاره. وكشفت المناظرة الأولي (وهناك مناظرتان في الطريق يومي 9 و 19 أكتوبر القادم) عن أن كلينتون كانت قد استعدت لهذه المواجهة وسلحت نفسها بمعلومات تساعدها وتساند وجهات نظرها في هذه المواجهة. كما أنها أثبتت للمشاهدين والمتابعين للمناظرة «أنها مؤهلة لرئاسة البلاد» وأن «ترامب» له تاريخه بأخطائه أيضا سواء في تعاملاته مع المرأة وغير البيض ومع من عملوا معه في مشروعاته الاستثمارية. وما لفت الاهتمام ان «هيلاري» لم تفقد أعصابها حتى بعد أن وصفها «ترامب» بأنها لا تملك مظهرا أو عزيمة رئيس يمكن أن يتولي قيادة البلاد! إن «هيلاري» مهما يكن أداؤها في المناظرة الأولى تعرف جيدا أن هناك 40 يوما في العد التنازلي وصولا ليوم الانتخابات وأن الفارق بينها وبين «ترامب» في استطلاعات الرأي فارق ضئيل وآخذ في التضاؤل في بعض الولايات المتأرجحة. وأن المرأة البيضاء المتعلمة بأصواتها الحاسمة حتى لوكانت لا تقبل مواقف «ترامب» بشكل عام الا أنها لم تعلن بعد انحيازها ل«هيلاري». كما أن «هيلاري» تعرف تردد «جيل الألفية»في التصويت لها فهؤلاء شابات وشبانا من وقفوا «قلبا وقالبا» مع «أوباما « في عام 2008 والى حد ما في عام 2012وأيدوا «بيرني ساندرز»في الانتخابات التمهيدية هذا العام مازال يساورهم الشك والتردد تجاه «هيلاري» وما قد تأتي به من تغيير مطلوب ومنتظر . مثلما لم يكن السباق الانتخابي الأمريكي خلال الشهور الماضية مثل أى سباق آخر من قبل هكذا كانت المناظرة الأولى بين ترامب وكلينتون مختلفة ومتميزة وتحمل كثيرا من المصادمات لا يعرف تبعاتها أحد. وبالطبع لا يمكن القفز الى استنتاجات بعينها وحسم أمر السباق من الآن. فليس كل ما نراه نتمناه وليس كل ما نتمناه نراه. إن السباق ساخن والتنافس محتدم. والمشهد السياسي بشكل عام ملبد بالغيوم بالانقسامات الحادة والتراشقات السامة. إنها معركة انتخابية شرسة يتابعها باهتمام وقلق وخوف المواطن الأمريكي وغالبا العالم كله. بنفس الخوف والقلق!!