«منحاز».. «فاسد يسعى إلى تزوير الانتخابات».. «يطرح مزاعم خاطئة تماما وأكاذيب«.. هذا هو الإعلام الأمريكى من وجهة نظر دونالد ترامب المرشح الجمهورى لخوض السباق إلى البيت الأبيض. ويرد الإعلام باتهام ترامب بأنه «أسوأ مرشح لحزب كبير فى التاريخ المعاصر»، و«شعبوى خطير»، «يفتقد للهدوء، والمعرفة، والثبات، والصدق»، و«ينتقد الحلفاء» للمرة الأولى منذ الحرب العالمية، و«صديق بوتين»، و«خطر على الديمقراطية»... وقائمة من الانتقادات لا تنتهى. «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«يو إس إيه توداي»، و«فورين بوليسي».. وغيرها من كبريات الصحف الأمريكية، تخلت عن حيادها فى الانتخابات الحالية، وأعلنت دعمها للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون على الرغم من اعتراف «واشنطن بوست» بأن الأمريكيين لا يثقون فى السيدة كلينتون ولا يحبونها، وأن لها الكثير من الأخطاء والهفوات ونقاط الضعف. الوقت يضيق، والصراع بين ترامب ومنافسته يتسع، والإعلام فى مرمى النيران، لكن الحقيقة أن وسائل الإعلام نفسها التى صنعت الظاهرة «الترامبية» فى 2015، هى التى سعت فى الوقت نفسه إلى القضاء عليها ومحاصرتها قبيل يوم الحسم فى الثلاثاء الثامن من نوفمبر. وكما ذكرت مجلة «أتلاتنك» الأمريكية، فقد كتب الإعلام الأمريكى حوالى 29,019 مقالا عن ترامب خلال ال13 شهرا الماضية، مقابل 18,640 مقالا عن هيلاري، وفى الوقت نفسه حقق المرشح الجمهورى مليارى دولار مكاسب من ظهوره الإعلامي، مقابل 746 مليون دولار للمرشحة الديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك، فإن تغطية الإعلام الأمريكى لانتخابات 2016 كانت استثنائية بكل ما تحمله الكلمة، فعلى الرغم من الحديث عن الحيادية والنزاهة والموضوعية والحرية، وغيرها من أبجديات العمل الإعلامى والصحفي، فإن هناك بعض الأسباب التى تطرح تساؤلات حول ما يسمى ب«المهنية» فى التناول، منها قيام بعض وسائل الإعلام ومالكيها ووسائل التواصل الاجتماعى ومؤسسيها بإعلان تأييدهم لمرشح بعينه سواء كان هيلارى أو ترامب، وهو ما لم يحدث من قبل طوال تاريخ انتخابات الرئاسة الأمريكية. وهذا التأييد ليس بسبب دعم لحزب معين، بل هو دعم للشخص، فصحيفة «نيويورك تايمز»، الأكثر انتشارا فى الولاياتالمتحدة بعد «وول ستريت جورنال»، أعلنت دعم مجلس تحريرها لهيلارى بوصفها «واحدة من أكثر مرشحى الرئاسة المؤهلين على نطاق واسع وكبير فى التاريخ الحديث»، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تعلن الصحيفة دعمها لوزيرة الخارجية السابقة فى مواجهة قطب العقارات ترامب، بل دعمتها أيضا لنيل ترشيح الحزب الديمقراطى أمام بيرنى ساندرز، فى سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، بينما أعلنت صحيفة «يو إس إيه توداي» وقوفها على الحياد، إلا أنها شنت هجوما على ترامب، حيث وصفته بأنه «غير مؤهل» للرئاسة، والأغرب أنها دعت الأمريكيين إلى الاحتكام إلى ضمائرهم خلال التصويت! فى الوقت نفسه، أعلنت مجموعة «بريتبارت نيوز» الأمريكية وصحف أخرى صغيرة دعمها لترامب الذى اعتبرته «مرشح التغيير» بعد 8 سنوات عجاف من حكم الرئيس الأمريكى باراك أوباما تراجع فيها وقوة أمريكا والسياسة الخارجية، كما أشادت بوعود الملياردير الأمريكى بالوقوف أمام النخب السياسية التى لا ترى سوى مصالحها فقط. وأيضا، وعلى الرغم من أن الفضائح تلاحق هيلاري، فإن هذه الفضائح لا تنشر أو تبث فى وسائل الإعلام الرئيسية فى الوقت الحالي، لكن فضائح ترامب تحتل الواجهة دائما. هيلارى تطاردها فضيحة استخدام بريدها الشخصى فى المراسلات الرسمية خلال توليها منصب رأس الدبلوماسية الأمريكية، ونشر موقع «ويكيليكس» هذه المراسلات، وكيف تعاملت حملتها الانتخابية مع عدد مع القضايا، وفضح كيف تآمرت رئيسة الحزب الديمقراطى السابقة ديبى واسرمان شولتز من أجل عرقلة حملة ساندرز الانتخابية لدفع هيلاري، ومحاولة إظهاره كملحد لتقويض تأييده فى الولايات المتدينة، وهو ما دفع شولتز إلى الاستقالة من منصبها بعد نشر الرسائل. «ويكيليكس هيلاري» كشف أيضا عن أن أعضاء بحملة المرشحة الديمقراطية عملوا بشكل مباشر مع صحفيين بوسائل الإعلام الرئيسية منها نيويورك تايمز ولوس أنجلوس تايمز وسى إن إن وبوسطن جلوب، والتى تحولت إلى أذرع دعائية وليست وسائل للتغطية الإخبارية والتحليل السياسى المتوازن. ووصل الأمر، كما كشفت ويكيليكس إلى درجة أن المحرر السياسى لموقع «بوليتيكو» أرسل مقالا عبر الإيميل لحملة هيلارى لاعتماده قبل نشره. وانضمت محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعى إلى هذه الحرب الإعلامية، فقد اتهم ترامب كلا من جوجل وفيسبوك بحجب تعليقاته واستطلاعات الرأى التى يتقدم فيها من أجل إظهار تفوق كلينتون، وعلى الرغم من رفض مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج حذف تعليقات ترامب حول منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة باعتبارها عنصرية، فإن أحد المؤسسين للموقع الشهير، وهو داستن موسكوفيتز، أعلن دعمه العلنى لهيلاري. المسألة فى هذه الماكينة الإعلامية الضخمة لا تتعلق بالمال وإنما بالمصالح، وتتعلق أيضا برفض النخبة الأمريكية لشعبوية ترامب مقابل سكوتهم على فضائح هيلاري. فالسيدة الأولى السابقة تملك بحكم عدد سنوات عملها فى المجالين العام والسياسى شبكة معقدة من العلاقات التى تمكنت من بنائها على مدى 40عاما. الإعلام الأمريكى فى المقابل لعب دورا مزدوجا فى إبراز ترامب كنموذج فى البداية، ثم فى محاولة إظهاره كمرشح مثير للجدل ويمينى متطرف، وأخيرا ارتدى ثوب التحيز ضد ترامب لتنتهى أسطورة الإعلام الحر الذى يعرض وجهة النظر الأخرى، وتتحول هيلارى إلى سيدة البيت الأبيض، ويتم إعلان فوزها قبل الانتخابات، بينما يتم تأكيد سقوط ترامب وحملته فى «دوامة الموت». ترى هل لو فعلت وسائل الإعلام فى أى دولة أخرى غير الولاياتالمتحدة نفس ما يفعله الإعلام الأمريكى الآن مع هيلارى وترامب، ماذا سيكون موقف الإعلام الأمريكي؟!