في الخامس والعشرين من يناير 2015 أصدر محمد كمال، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين والذي لقي مصرعه على أيدي قوات الأمن، دراسة مصغرة بعنوان "فقه المقاومة الشعبية للانقلاب"، استكمل بها دراساته السابقة في تأصيله الشرعي لوجوب مناهضة النظام الحاكم، أو "الانقلاب" كما زعم، مثل دراسات "زاد الثائر" و"دليل السائر" و"كشف الشبهات"، واعتُبرت مرجعية العنف لدى جناح الشباب في الجماعة، والذي جنح إلى العنف في مواجهة السلمية التي ادعتها القيادات. حملت الدراسة الاسم المستعار للقيادي الإخواني، وهو "أبو العز ضياء الدين أسد"، زعم كاتبها أنها "دراسة حرة بعيدة عن الانتماءات والجماعات الإسلامية". واعتبر كمال أن دراسته تقدم أحكامًا عامة، مع وجوب الرجوع إلى أهل الفتوى الموثوق بهم "دون أن يحددهم"، على ألا تكون الفتوى عبر الشاشات من "قاعد عن الجهاد" أي شخص لا يشارك في فعاليات الإخوان. واستندت دراسة كمال ابتداءً على التعامل مع الرئيس المخلوع محمد مرسي بصفته "أول إمام تنعقد له بيعة صحيحة"، وهو المبدأ الذي نقض على أساسه الانتخابات الرئاسية السابقة والتالية، من خلال تطبيق شروط المفهوم التاريخي للبيعة في الإسلام على الانتخابات الرئاسية المعاصرة. واعتبر كمال أن دستور 2012 هو "عقد البيعة" بين مرسي والشعب المصري، وأن الشعب بموافقته على "الإمام" و"العقد" فإنه ملتزم بطاعة مرسي وحمايته من الانتقاص من صلاحياته، بعضها أو كلها، وإنقاذه من النظام الحالي باعتباره أسيرًا لديه، لأن "بيعة مرسي لا تزال في أعناق المصريين جميعًا" وفقًا لتعبيره. كما بنى على ذلك ضرورة تعيين نائب وحكومة موازية تعبر عن مرسي، تدير شئون البلاد، للدلالة على عدم الاعتراف بالنظام الحالي. واستندت الدراسة أيضًا على زعم مظلومية جماعة الإخوان المسلمين، وأن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لفّق التهم لمرسي وقتل الإخوان وحرقهم واستباح أموالهم. ولتبرير ذلك ساق كمال عددًا من النصوص الفقهية نقلًا عن الشيوخ المعروفين بالتشدد، مثل ابن تيمية، والتي وصف الجيش المصري والنظام الحاكم على أساسها بأنهم "جمعوا رذائل البغاة والخوارج والمحاربين"، أي المعتدين الخارجين عن الملة وعلى الإمام الشرعي والمستحقين لحد الحرابة، وبالتالي أفتى كمال بوضوح بقتالهم واستحلال أموالهم. ورأى كمال أن ممارسات النظام الحاكم بعد خلع الإخوان تتناقض مع مهام الحاكم في الإسلام، وعلى رأسها الحكم بالشريعة الإسلامية، واتهمه بمحاربة المطالبين بتحكيمها، كما وصف فصل الدين عن السياسة بأنه "أعظم بدعة في الإسلام"، وقال أن حكم البلاد لا بد أن يكون بالدين لا بالعلمنة، مؤكدًا أن تطبيق الشرعية في الحكم معلوم من الدين بالضرورة. وزعم تجريم النظام للجهاد في سبيل الله، بتجريمه عمليات الإخوان وسياساتهم، وأنه خرج على مرسي "لقمع الشريعة وكبح البرنامج الإسلامي ومظاهرة الكفار عليه" أي إعانتهم؛ مهاجمًا كل من رفض تلك العمليات بقوله أن النظام "كرّم كل من حارب الإسلام بحجة الإبداع"، وزعم أيضًا أن عهد "الإمام" مرسي حقق الأمان فيما لم يتحقق في عهد السيسي، وبالتالي لا تجوز له "الإمامة" وهو أشد خطرًا من الحاكم الظالم. وأشار كمال في هذا الصدد إلى تفريقه بين الرئيس المعزول محمد حسني مبارك وبين الرئيس السيسي، معتبرًا أن مبارك كان حاكمًا ظالمًا لكنه أعطى مساحة للعمل الإسلامي العام والخاص في عهده، أما السيسي فهو محارب لله ورسوله – في نظر كمال – بسبب مشروعه لإبادة واستئصال الجماعة. واسترسل كمال في تشبيه النظام الحالي بالكفار، لا سيما بسبب وصفه الإخوان بالخيانة والعمالة والإرهاب. وأوضح أن مراحل قتال النظام، كعدو صائل، تبدأ بالتذكير من خلال المؤتمرات والتظاهرات والفعاليات، ثم التهديد، ثم الضرب ممثلًا في مناوشات خفيفة مع قوات الأمن، ثم القتل. فيما وضع المعارضين لنظام مرسي، كجبهة الإنقاذ الوطني وحركة "تمرد"، من البغاة أي الظالمين المفسدين، وتجب المبادرة بقتالهم، وهو ما نهى عنه في فتوى لاحقة بنفس الدراسة حتى لا تفقد الجماعة التعاطف. ثم بدأ كمال في توضيح مفصل لشكل مقاومة النظام، التي أكد أنها "لا تعني الحرب الشاملة المفتوحة على كل الجبهات، وإنما تكون بما يقتضيه الموقف تأسيسًا على فقه الموازنات، وبين السلمية والمواجهة الشاملة محطات كثيرة يمكن أن يتم استنزافهم فيها". وحرص كمال على الرد على الاتهامات الموجهة للإخوان من الحركات الإسلامية الأكثر تطرفًا، بسبب انتهاجها الطريق السياسي الديمقراطي بشكل أكبر من القتال المسلح، ورأى أن سلوك الديمقراطية ما هو إلى "إعذار" لإثبات جدية النوايا في التغيير السلمي. وحاول أن يبدو وسطيًا بين مؤيدي العنف ومؤيدي المقاومة السلمية، حيث رأى أن البديل عن العمل السلمي لا يكون فقط من خلال المقاومة المسلحة، بل يمكن انتهاج وسائل أخرى "تطيل نفس المقاومة وتربك المجرمين". وابتكر مصطلح "السلمية المبدعة" كتعبير عن عمليات نوعية تحمل قدرًا من العنف والسلم معًا، حتى لا يعتقد العدو أن المسلمين مسالمين على طول الخط. ومن ذلك: تهديد وتوعد الأعداء لتخويفهم، واتخاذ موقف التحدي أمامهم، والقيام بعمليات سرية تستهدف الحط من رموزه كما فعل المسلمون الأوائل بالأصنام، والاشتباك الخفيف معه. وأعطى مثالًا لذلك في واقعنا الحالي بتعليق اللافتات والملصقات في أماكن محظورة على المعارضة، واختراق الشبكات الإلكترونية الخاصة بمؤيدي النظام؛ مؤكدًا أنه يجب "تطويل النفس" وتجنب الصدام المسلح لأقصى درجة ممكنة، وأوضح أن "السلمية والمظلومية تُكسب الدعوة أنصارًا أكثر". وفي الوقت نفسه تحدث عن فضل القتال المسلح، أو "جهاد الدفع" الذي يتضمن "دفع الصائل"، وقدّم "تأصيل الروح الجهادية" داخل الفرد على تربيته عسكريًا وإيمانيًا، وأكد خطأ تأجيل الجهاد حتى اكتمال إعداد الفرد؛ معتبرًا أن "إقامة الجهاد هي عين الإعداد". ورأى أن التربية الروحية تكون قبل وأثناء وبعد العمل الحركي. ثم تحدث عن جهاد "المنافقين المحاربين للإسلام" من وجهة نظره، كواجب تجاه المنافقين في مجالات السياسة والتشريع والقضاء والإعلام، وأن يسبق ذلك "جهاد البيان" بتوضيح نفاقهم للعامة، وتوضيح "المجاهدين" لأنفسهم أمام الناس ودفاعهم عن علمائهم. وتحدث في ذلك عن وجوب مكافحة الإسلام "للإعلام المنحرف والاقتصاد الربوي الجائر والحكم بغير ما انزل الله"، كما تناول بعدها مفهوم "الجهاد الإعلامي" الناطق بلسان الجماعة. بل ورأى من الواجب شرعًا فضح العدو المنافق - في نظره -، سواء في ممارساته بالحياة العامة أو حياته الشخصية، من خلال الفضائيات وشبكة الإنترنت، واستشهد بحديث ملفق للنبي يدعو إلى "هتك الفاجر" حتى يحذره الناس. ورأى كمال أن شعار المصحف الذي يحرسه سيفان، والذي ابتكره سيد قطب لجماعة الإخوان، يعبر عن حركة جهادية مرنة وواعية "تقف بالمواجهة المناسبة وبالتحدي والتصدي لأية محاولة تستهدف ضرب الإسلام واستئصال وجوده الحركي، ومن ثم التحكم بمقدراته ومصيره". وبرّر تخريب الإخوان للمنشآت بأنه لأجل "تخليص المسلمين وتحريرهم من الظلم والقهر والاستعباد"، مع نهيه عنه قدر المستطاع حتى لا تفقد الجماعة شعبيتها. وفي ضوابط المقاومة، أشار كمال إلى أن الجماعات الإسلامية لا يجب أن تنسى خصوصيتها، وعليها أن تُلازم بين الخطاب السياسي المهتم بمصلحة الجماهير والخطاب الديني لإعلاء القوة الإيمانية، وأن تحافظ على الطابع الإسلامي للثورات التي تساهم في إشعالها، وأن تنتهج أساليب مبدعة في المقاومة للفت أنظار العالم، ولا تبيح لنفسها كل ما هو جائز بل تعتمد فقه الموازنات. كمال زعم كذلك أن "العدو المنافق" يرفض العمل الجهادي لأنه يقدم الصورة الإيجابية الفاعلة للإسلام، في حين يريد العدو "إسلامًا سلبيًا" لا يعتمد على الحركة. وانتقد في هذا السياق ممارسات بعض السلفيين الذين ينشغلون بالحديث عن "عدو غير موجود"، مثل مهاجمة زائري قبور الأولياء والحديث عن الشرك بالأصنام والندم على سقوط الدولة العثمانية. ومع تركيزه على موقف الإخوان من المقاومة ضد النظام الحالي، أشار كمال إلى أن العمل النوعي لا يعد تغيرًا في منهج الجماعة، بل إن الواقع تغير "فوجب أن تتغير الممارسات في حدود دائرة الشرع، كما أن السلمية ليست من ثوابت الإسلام وليست من ثوابت الجماعة". وأضاف أن مشروعية الجهاد الإسلامي "دائمة ومستمرة ومستمدة من سنة النبي"، وأن "النزعة الجهادية استقرت كعقيدة في صلب منهجية حسن البنا، والمحاضن التربوية لحركة الإخوان المسلمين، حتى غدت شعارات يرددونها صباح مساء وفي كل مناسبة وحين". ووصف كمال النبي محمد بأنه "نبي المرحمة والملحمة"، وهو ما يُذكّر بالتعبير الداعشي عن النبي بأنه "الضحوك القتّال"، واعتبر أن الجماعة تسير على نهج النبي في التفريق بين وقت الرحمة ووقت الحرب. وأوضح أن القوة تتدرج لدى الإخوان من قوة العقيدة والإيمان، إلى قوة الوحدة والارتباط، ثم قوة الساعد والسلاح، وأن الجماعة لا تقبل بالثورات كحركات للتغيير العنيف، ما لو تستوفِ هذه الأركان أولًا. ونقل عن رسالة البنا في المؤتمر الخامس للجماعة، أن القوة "شعار الإسلام"، كما نقل ما يناقض حديثه السابق عن وجوب الجهاد دون إعداد، وهو قول البنا أن "الإخوان يستخدمون القوة حيث لا يُجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم استكملوا عدة الإيمان والوحدة"، كما ذكر البنا في رسالته أن الإخوان سيكونون "شرفاء صرحاء ينذرون أولًا" عند استخدام القوة، وهو المنهج الذي اتبعته جبهة محمد كمال في الجماعة فيما اعتمدت الجبهة الأخرى على إخفاء النية للعنف. وأباح محمد كمال، مجيبًا عن استفسار أحد أعضاء الجماعة، أن يأخذ أهل المقتول حقهم بيدهم، إذا تأكدوا من القاتل زمن أن القضاء لا ينصفهم، كما يمكن لهم أخذ هذا الحق بأيديهم دون انتظار حكم قضائي من الأساس، واستعان بأقوال فقهاء قدامى توجب قتل من يؤذي الناس دون انتظار رأي القاضي، لأنه في اغلب الأحوال تغيب الأدلة على هذا الأذى. وأباح أيضًا قطع الطريق وتعطيل المصالح إذا كان السبيل الوحيد لتوصيل الرسالة المطلوبة إلى الناس، فيما حرّم دفع فواتير الخدمات حتى لا يمد النظام بالمال. كذلك أجاب عن تساؤل حول مشروعية إتلاف آليات الجيش والشرطة، قائلًا أنها ملك للشعب ولا يمكن إتلافها، لكن حين تستخدم في قتل المتظاهرين فإن إتلافها ممكن. ونصح أحد الإخوان بعدم إتلاف المنشآت العامة، رغم أن إتلافها يضر بمصالح السلطة الحاكمة، حتى لا تفقد الجماعة التعاطف. وأباح قتل الضابط عند اقتحام بيت أحد الإخوان، باعتبار ذلك ترويعًا للآمنين. وأشاد كمال بدور العمليات الصادرة عن شباب غير محسوب على الحركة الإسلامية، لما قد تُحدثه من آثار كبرى تضر العدو ولا يمكن معاقبة الحركة عليها في الوقت نفسه، كما يصعب تعقب المسئولين عنها. وعلى الحركة حينذاك أن تدعم منفذي العمليات سرًا أو علانية. ورغم تحريمه لخطف أبناء الضباط أو نسائهم، أو الاعتداء عليهم، إلا أنه أجاز تهديدهم بذلك تخويفًا لهم. كما وجّه كمال في دراسته جرعة كبيرة من الكراهية تجاه المسيحيين، فابتكر إلى جوار مصطلح "الصهيونية العالمية" مصطلح "الصليبية العالمية"، واعتبر أنهما المسئولان عن إعداد حكام الدول الإسلامية لمحاربة الإسلام. واتهم الكنائس المصرية بالحشد الطائفي وتخزين السلاح ودعم وتدريب الميليشيات المسلحة لمحاربة "الثائرين"، كما ادعى.