فرحة عارمة، انتابت الأوساط الثقافية في مصر عقب خروج الشاعر فتحي عبدالسميع من غرفة العمليات والتي خضع لها بسبب مشاكل في عضلة القلب، فتحي عبدالسميع الذي قال أَمشي كأيِّ لِصٍّ تقليدي/ يَنشلُ جَدْيَا مِن حظيرةٍ/ أو دَرَّاجةً مِن شارع/ حَسَّاسٌ ونَبِيه/ لو ضَبَطوه متلبِّسًا/ تُمطِرُ الصفعاتُ على قَفَاه تقودُهُ" من نص قاطع الطريق الذي صار شاعرًا يصف "عبدالسميع نفسه بمنتهى المصدقية، فهو رجل المفارقات اللص الشاعر ومريض القلب المصاب بحب الحياة والانطلاق، ذهب لمسرحية في فترة مسائية قبل إجرائه عملية بساعات قليلة في ساعات مبكرة من الصباح، إنه فتحي عبدالسميع صانع المفارقات شعرًا وحياة. تعددت آراء النقاد حول تجاربه الشعرية، فيقول عنه الناقد عبدالله صبري أنه يهتم في كل أعماله بالإنسان وهمومه وأفراحه وأتراحه، لذلك تتسم نصوصه وأفكاره بالتحيز للإنسانية في معانيها المطلقة النبيلة، ويحرص الشاعر في أطروحاته إلى ضرورة أن يتسق سلوك الشاعر مع إبداعه بينما يقول أشرف ناجي: إن شخصيته تمثل جزءًا كبيرًا من مأساته الجنوبية، ومنطلقًا للقصائد التي كتبها بمشاعر مختلطة بين الغربة والعزلة والرفض والوحدة، لذا فإن الحديث عن شخصية فتحي عبدالسميع تبدو الأكثر صعوبة بالضرورة، هناك كثيرون يقولون إنهم لم يقابلوا فتحي عبدالسمع، لكنهم عرفوه من خلال أشعاره وإبداعاته الراقية وأحبوه كثيرًا ويتمنون لقاءه. صدر له ثمانية عشر ديوانًا وهم "الخيط في يدي- تقطيبة المحارب- خازنة الماء- فراشة في الدخان- تمثال رملي- الموتى يقفزون من الماء- وآخرها أحد عشر ظلاً لحجر"، كما صدر له في مجال علم الاجتماع كتاب "القربان البديل طقوس المصالحات الثأرية في جنوب الصعيد"، وفى النقد الأدبي كتاب "الجميلة والمقدس" والذي صدر عن دار الهلال، وفى مجال السيرة الذاتية له كتاب "الشاعر والطفل والحجر"، بالإضافة إلى عدد كبير من الأبحاث التي نشرت له في عدة كتب، منها المكان وتجليات الموروث الشعبي في شعر العامية، الوعي الشفهي والوعي الكتابي. وحصل "عبدالسميع" مطلع هذا العام على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية. وتنشر "البوابة نيوز" قصيدتين من ديوانه "أحد عشر ظلاً لحجر" الذي صدر له مؤخرًا عن الهيئة المصرية للكتاب وهما قصيدتي "قاطع الطريق الذي صار شاعرًا" و"تعوذ بالرحمن من سكان الرماد" قاطع الطريق الذي صار شاعرًا أَمشي كأيِّ لِصٍّ تقليدي يَنشلُ جَدْيَا مِن حظيرةٍ أو دَرَّاجةً مِن شارع. حَسَّاسٌ ونَبِيه لو ضَبَطوه متلبِّسًا تُمطِرُ الصفعاتُ على قَفَاه تقودُهُ الركَلاتُ في موكبٍ إلى إلهٍ غَضْبَان. كلُّ مَن يَرَاني يَشُكُّ في أمري النَّاسُ حَسَّاسونَ جِدًا حينَ يَتعلَّقُ الأمرُ بأشيائِهم أحداقُ اللصوصِ جارحة وتُجَاوِبُها على الدوامِ نَغزةٌ خفيفةٌ في الجيوب. السرقةُ بالإكراهِ كانت هدفَ العائلةِ وهيَ تُجَهِّزُني للمستقبلِ أَحمِلُ بندقيةً آلية وأَزْرُقُ في قطارٍ أو ميكروباص أَشُقُّ الجيوبَ بالمطواةِ وألهو بأعينِ المَذعورين. النَّاسُ يُقَدِّسونَ القَفَا ما دامَ منصوبًا على أكتافِهم. لِهذَا نَقطَعُ الطُّرُق نلعَبُ بالمطواةِ في الحقائبِ والجيوب ونُخرْبِشُ الأرواحَ ثَمَّةَ معبوداتٌ كثيرةٌ لم تكُنْ لها نِصْفُ هَيْبَتِنا حينَ تَنامُ البنادِقُ فوقَ سواعدِنا ونَمشي في أتوبيسٍ أو كوكبٍ يَرتجِف. أنا الولدُ الذي فَشلَ في قَطْعِ الطريق وصار نَشَّالا أصابَني مَسٌّ فَصِرتُ أَمشي مُلَثَّمًا بعتمةٍ صغيرة يَدِي بريئةٌ مِن كلِّ إكراه وروحي شغوفةٌ بالسرقة نِمْتُ كثيرًا فوقَ ظلامٍ يُشبِهُ الظلامَ في قاعةِ السينِمَا تَهَشَّمَ فجأةً وأصابَني مَسٌ يدٌ صَفَعَتني وفَكّتْ عمامتي حرَّكْتُ بندقيتي ولم أجِدْ هَدَفًا رأيتُ نِسمةً بيضاءَ تَزْرُقُ في شجرة نِسمةٌ ويدُها ثقيلة؟! نِسمةٌ وتُعَلِّمُ في القَفَا؟! تَحرَّكَ غُصْنٌ وطارتِ النسمةُ فارتجفتُ وَجدتُ هَدَفًا ولم أجِد بندقيتي. لوحٌ زُجَاجي سَقَطَ مِن شرفةٍ عاليةٍ فوقَ رأسي تمامًا أنا الشظايا التي وَقَعتُ عليها أنا الطريقُ الذي قَطَعتُه دونَ أنْ أدري الطريقُ الذي أَجهَلُ الآنَ كيف أَقطعُه؟ أَثَرُ الصفعةِ يَكْبُرُ في قَفَاي بَيْضةٌ مسلوقةٌ في منتصفِ العُنُق ها هِيَ تَتَشَقَّقُ ويَطلُعُ ذيلٌ مِنها جسدي كلُّهُ يَتَشَقَّقُ ذيولٌ تَتَأَرْجَحُ طُرُقٌ تَتَّسِعُ في لحْمِي وعِظامي ومَا مِن طريقٍ يُمكِنُ قَطْعُه. عَيْنَايَ تُحيطانِ بي مِثلَ صفوفٍ مِنَ العَسَاكرِ مُرتابٌ مٌريب أُذُني تُحَلِّقُ هنا وهناك تَحُطُّ على غصنٍ وتَلْتَفُّ بنفسِهَا مِثلَ ثمرةٍ نَيئةٍ وفي نفْسِ اللحظةِ تَصيحُ على حافةِ بئرٍ لِتَخْتَبِرَ مَسيرةَ الصَّدَى في الأعماق أَسمعُ صوتَ الشَّاشِ وهو يَلْتَفُّ عمامة. أسمَعُ الجفنَ النائمَ وهو يقوم أسمَعُ صوتَ الدماءِ في عروقٍ لم تُولَدْ بعدُ. مِسكينٌ يَتبعُني كي يَضْبِطَني مُتَلَبِّسا ويُشَارِك في صفْعي. يرتابُ في عُنُقِ العالَمِ وهِيَ ترتاحُ فوقَ كتِفي يُحرِّكُه الفضولُ لِيَعرِفَ ما يُمْكِنُ أنْ يُسرَق حينَ أَمشي في جَبَّانةٍ أو أطوفُ مُبْتَهِلا حوْلَ أكوامِ القمامة. أُطارِدُ جُثَّةً تَجري في ملايينِ القبور. أَصطادُ حفرةً مطموسةً وأَفْرِدُها فوقَ طاوِلَتي أَشُقّها بمطواتي وأُحَرِّرُ الزرازير. تُرْعِبُني العَتْمَةُ حينَ تَذوبُ في العِظامِ ولا يَعرفُها أحد تُرعِبُني نَجَاسَةُ المَوْتَى وهِيَ تَدْفَعُ النَّاسَ مِثلَ القرابين في موكِبٍ لا نَرَاه. أَلْتَفُّ بعتمةٍ صغيرةٍ فَتَلْتَفُّ الدنيا كلُّهَا بالنور أَجِدُ نفْسِي حينَ أَجِدُ عَتْمَتي أنَا الزبَّالُ الذي يَلُمُّ النَّجَاسةَ في جِرَابِه أنَا الِّلصُّ الذي يُغافِلُ العالَمَ السُّفْلِي لِيَحمِلَ أرواحَ الأشياءِ ويعيدَها إلى النور. تعوذ بالرحمن من سُكَّان الرماد إلى شِبْشِبٍ أعرفُه جيدا نَغَارُ مِن عِشْقِهَا للخَبِيزِ تُحِبُّ أبَي. لأنَّهُ يَجمَعُ الدَّقِيقَ وتُحِبُّنِي لأنَّنِي أَجمَعُ الوقود. كلامُهَا المَهْووسُ لا يَنتهِي عن حلاوةِ أَسنانِنا وهِيَ تَقضُمُ عن فرحةِ المَوْتَى حِينَ يُرَفْرِفُ خُبزُهَا فوْقَ شواهِدِ القبور