بعد غلق التسجيل اليوم.. متى تعلن نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025؟    «التعليم العالي»: اليوم الفرصة الأخيرة لتنسيق المرحلة الثانية    قروض السلع المعمرة بفائدة 26%.. البنوك تتدخل لتخفيف أعباء الصيف    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال يوليو    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «بيت التمويل الكويتى- مصر» يطلق المدفوعات اللحظية عبر الإنترنت والموبايل البنكي    تعرف على أعلى شهادة ادخار في البنوك المصرية    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لانتهاء التسهيلات الضريبية    حقائق جديدة حول اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل يكشفها وزير البترول الأسبق    إعلام فلسطيني: قصف إسرائيلي يستهدف خان يونس وشرق غزة ومخيم النصيرات    صواريخ مصرية- إيرانية متبادلة في جامعة القاهرة! (الحلقة الأخيرة)    إن بي سي نيوز: البيت الأبيض يبحث دعوة زيلينسكي لزيارة "ألاسكا"    مصادر مطلعة: مصر تبحث «صفقة شاملة» لوقف النار في غزة    البحرين ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا برعاية أمريكية    موعد مباراة الأهلي المقبلة في الدوري بعد التعادل أمام مودرن سبورت    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    " مركز معايا ".. تفاصيل مشاهدة زيزو وحكم مباراة الأهلي ومودرن سبورت (فيديو)    أمير هشام: الأهلي ظهر بشكل عشوائي أمام مودرن.. وأخطاء ريبيرو وراء التعادل    20 صفقة تدعم كهرباء الإسماعيلية قبل بداية مشواره في الدوري الممتاز    موعد مباراة الهلال ضد آراو الودية.. القنوات الناقلة والمعلق    ننشر أسماء المصابين في حريق محلات شبرا الخيمة    طقس مصر اليوم.. ارتفاع جديد في درجات الحرارة اليوم الأحد.. والقاهرة تسجل 38 درجة    بحضور جماهيري كامل العدد.. حفلا غنائيًا ل "حمزة نمرة" بمكتبة الإسكندرية    لهذا السبب.... هشام جمال يتصدر تريند جوجل    التفاصيل الكاملة ل لقاء اشرف زكي مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية    لا تبخل على صحتك.. حظك اليوم برج الدلو 10 أغسطس    محمود العزازي يرد على تامر عبدالمنعم: «وعهد الله ما حصل» (تفاصيل)    شيخ الأزهر يلتقي الطلاب الوافدين الدارسين بمدرسة «الإمام الطيب»    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    من غير جراحة.. 5 خطوات فعالة للعلاج من سلس البول    يعاني ولا يستطيع التعبير.. كيف يمكن لك حماية حيوانك الأليف خلال ارتفاع درجات الحرارة؟    الشرطة البريطانية تعتقل أكثر من 470 مناصرا لحركة "فلسطين أكشن" (صور)    دعاء الفجر يجلب التوفيق والبركة في الرزق والعمر والعمل    مصدر طبي بالمنيا ينفي الشائعات حول إصابة سيدة دلجا بفيروس غامض    مصرع وإصابة طفلين سقطت عليهما بلكونة منزل بكفر الدوار بالبحيرة    مراد مكرم: تربيت على أن مناداة المرأة باسمها في مكان عام عيب.. والهجوم عليَ كان مقصودا    وزير العمل: غرامة تصل إلى 200 ألف جنيه للأجنبي الذي يعمل بدون تصريح بدءا من سبتمبر    خالد الجندي: أعدت شقة إيجار قديم ب3 جنيهات ونصف لصاحبها تطبيقا للقرآن الكريم    مصادر طبية بغزة: استشهاد أكثر من 50 فلسطينيًا 40 منهم من منتظري المساعدات    طلاب مدرسة الإمام الطيب: لقاء شيخ الأزهر خير دافع لنا لمواصلة التفوق.. ونصائحه ستظل نبراسا يضيء لنا الطريق    حكيمي: أستحق حصد الكرة الذهبية.. وتحقيق الإحصائيات كمدافع أصعب كثيرا    القبض على بلوجر في دمياط بتهمة التعدي على قيم المجتمع    جنايات مستأنف إرهاب تنظر مرافعة «الخلية الإعلامية».. اليوم    هل هناك مد لتسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثانية؟.. مكتب التنسيق يجيب    أندريه زكي يفتتح مبنى الكنيسة الإنجيلية بنزلة أسمنت في المنيا    سهام فودة تكتب: أسواق النميمة الرقمية.. فراغ يحرق الأرواح    ترامب يعين «تامي بروس» نائبة لممثل أمريكا في الأمم المتحدة    أمين الجامعات الخاصة: عملية القبول في الجامعات الأهلية والخاصة تتم بتنسيق مركزي    "حب من طرف واحد ".. زوجة النني الثانية توجه له رسالة لهذا السبب    منها محل كشري شهير.. تفاصيل حريق بمحيط المؤسسة فى شبرا الخيمة -صور    يسري جبر: "الباء" ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    نرمين الفقي بفستان أنيق وكارولين عزمي على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    توقف مترو الأنفاق وإصابة 4 أشخاص.. تفاصيل حريق محلات شبرا الخيمة -آخر تحديث    ما تأثير ممارسة النشاط البدني على مرضى باركنسون؟    أفضل وصفات لعلاج حرقان المعدة بعد الأكل    أفضل طرق لتخزين البطاطس وضمان بقائها طازجة لفترة أطول    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بشكاوى تداعيات ارتفاع الحرارة في بعض الفترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أركض طاويا العالم تحت إبطي
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 07 - 2016


أَكْرَهُ الشُّعَراءَ
أنا أَكْرَهُ الشُّعَراءَ كثيرًا
خصوصًا حينَ يَقْضِمونَ أظافِرَ اللَّيْلِ مِثْلَ فَتاةٍ خائبةٍ
حينَ يُعَبِّئونَ أحْلامَهُمُ المُجْهَضةَ في دَواوينَ
لا يَقْرَؤُها أحَدٌ.
الشُّعَراءَ الذينَ يَقْذِفُونَ الأعْداءَ بالمَجازِ
بَدَلاً مِنَ القَنابِلِ
وكَثيرًا ما يَرْسُمونَ غَيْمةً مُكْتَنِزةً
ثُمَّ يَطُوفُونَ عَلَي النَّدواتِ يَهْجُونَ اللهَ
الذي لمْ يَهَبْ لهُمُ المالَ اللازِمَ
لِشِراءِ مِظَلّةٍ.
أنا أكْرَهُ الشُّعَراءَ كَثيرًا..
الشُّعَراءَ الذينَ عَقِبَ كُلِّ عَلاقةِ حُبٍّ فاشِلةٍ
يَضَعونَ فاصِلةً (،) ويَسْتَكْمِلونَ الكِتابةَ.
أنا لو تَرَكَتْني حبيبتي ذاتَ مرةٍ..
سَأضَعُ نُقْطةً هَكَذا (.)
وأَمُوتُ .
أُمَشِّطُ شَعْرَ أحْلامي في مِرآةٍ جديدةٍ
حينَ أموتُ
لا تَحْمِلوني إلي القَبْرِ مُباشَرةً
أُريدُ أوَّلاً..
أنْ أُشاهِدَ زَوجَتي وهيَ تُلْقي كُتُبِي
في أوَّلِ عَرَبةِ (رُوْبابيكْيا) تَمُرُّ أسْفَلَ نافِذَتِها.
أنْ أحْضُرَ إبْرامَها لِصَفْقةٍ مُخْزِيةٍ
مَعَ صاحِبِ المَطْعَمِ الذي يَحْتَلُّ ناصيةَ شارِعِنا
حتّي تَسْتَبْدِلَ بأوْراقي
بَعْضَ أقْراصِ الطَّعْميةِ
أُريدُ أنْ أَكُونَ قَريبًا مِن قَصائدي في هذِهِ اللَّحْظاتِ المؤْلِمةِ..
قَصائدي التي سَتَمْتَلِئُ مَعِدَتُها الرَّقيقةُ بالزَّيتِ
ولنْ تَكُفَّ عَنِ السُّعالِ.
زَوْجَتي أيضًا سَتَسْعُلُ بِشِدّةٍ
وهي تَقْذِفُ الأقْراصَ الساخِنةَ في فَمِ أبْنائي
وتَصْرُخُ كقائدٍ مَجْنونٍ مُنْتَصِرٍ:
»كُلوا يا أطْفالُ..
أخِيرًا.. أصْبَحَ لِهُراءِ والِدِكُمْ جَدْوَي!«.
شَظايا حُلْمٍ
هَلْ تَقْبَلُ ماكينةُ تصْويرِ الأوْراقِ
أنْ أتَمَدَّدَ داخِلَها
وأطْبَعَ مِنّي عَشْراتِ النُّسَخِ؟!
قولوا لها إنَّ واحِدًا مِنّي
لا يكْفي لِصَدِّ طَعَناتِ الموسيقي
وأنّي أُريدُ أنْ يكونَ هُناكَ
نُسَخًا احْتياطيّةً مِنّي
كَيْ أسْتَخْدِمَها عِنْدَ الحاجةِ.
كأنْ أسْتعيرَ مِنْ إحْداها خَدًّا
بدَلًا مِنْ ذلِكَ الذي صَفَعَتْهُ امْرأةٌ جَميلةٌ
اِسْتَوْقَفْتُها في الشّارِعِ ذاتَ مَرّةٍ
لِأُعَبِّرَ لها عنِ امْتِناني لِجَمالِها،
أوْ أنْ أسْتَعيرَ مِنْها قَدَمَينِ
أُضيفُهما إلي قَدَمَيَّ اللَّتَينِ
لا تُمَكِّنانِني مِن اللِّحاقِ بأحْلامي السَّريعةِ،
أو أنْ أبقَي في العمَلِ
برائحةِ عَرَقي المُقَزِّزةِ
وملابِسي التي اتَّسَخَتْ بالهُمومِ
وأطْلُبُ مِن نُسْخةٍ نظيفةٍ منّي
أنْ تذْهَبَ لتَحْتسِيَ العَصيرَ مَعَ حبيبتي
في كازينو يَطُلُّ علي النِّفاقِ مُباشَرةً.
قِطٌّ وفأرٌ
لَمْ أذْهَبْ إلي صَحْراءَ قَطُّ..
إلا وَحَمَلْتُ في جَيْبِي غَيْمةً
وبالمِثْلِ: لَمْ أَمُرَّ مِن شارِعٍ
تَشابَكَتْ فيهِ يَدانا مِنْ قَبْلُ..
وَلَمْ أسْتَمِعْ إلي أُغْنِيَةٍ..
سَقَطْنا مُنْتَشِيَيْنِ مِنْ فَوقِ سُلَّمِها المُوسِيْقِيِّ، ذاتَ رَقْصةٍ..
إلا وَكُنْتُ أُخَبِّئُ خَلْفَ ظَهْري مِطْرَقةً
لأُهَشِّمَ بِها رأْسَ الماضي
لَوْ حاوَلَ أنْ يَمُدَّ يَدَيهِ الغَليظَتَينِ
مُعْتَصِرًا قلْبِي حتَّي المَوتِ!
أنا والشَّجَرةُ
إنَّنا مُتَشابِهانِ جِدًّا
ولنْ يُلاحِظَ أحَدٌ فَرْقًا بَيْنَنا
فتعالَيْ نَتَبادَلِ الأدْوارَ أيتُها الشَّجَرةُ
أنتِ تَذْهَبينَ إلي بَيتي
وتتَظاهَرينَ بأنَّكِ أنا..
وأنا أقِفُ مَكانَكِ في العَراءِ
وأتظاهَرُ بأنَّني أنتِ..
جيراني سَيَقْذِفونَكِ بالنَّميمةِ
كما تعَوَّدوا أنْ يقْذفوني
ومِثْلي.. لنْ يَتَساقَطَ مِنْكِ
إلا ثمارٌ طيّبةٌ
وأطفالي الجَوْعَي لنْ يقْطِفوا
مِنْكِ ثَمَرةً واحِدةً
فقَدْ عَلَّمْتُهم ألا يَحْصُدوا حُلْمًا
لَمْ يَتَبَلَّلْ بِعَرَقِهِمْ.
تَعالَيْ نَتَبادَلِ الأدْوارَ أيتُها الشجرةُ
وأَعِدُكِ ألا أوقِظَ عَصافيرَكِ
لو نامَتْ علي صدْري
وأنْ أُمَشِّطَ شَعْرَ الرِّيحِ
وأُرَبِّتُ علي حَنْجَرَتِها المُمْتَلِئةِ بالصُّراخِ
وأنْ أسْتُرَ أيَّ عاشِقَينِ يَخْتَلِسانِ قُبْلةً
مِن وَراءِ ظَهْرِ الخَوفِ
وألا أتَخَفَّي أبَدًا
مِن حَرّانَ مُنْهَكٍ.
تَعالَيْ نَتَبادَلِ الأدْوارَ أيتُها الشجرةُ
لأتعَلَّمَ مِنْكِ أنْ أُحِبَّ جُذوري
التي تُثَبِّتُني في الأرضِ بقُوّةٍ
أُحِبُّها -حتّي- وهي تَمْنَعُنِي الفِرارَ
مِن وَجْهِ حطّابٍ يُكَشِّرُ عَنْ فأْسٍ نَهِمٍ.
قَصيدةٌ لَعوبٌ
رُبَّما لا أكونُ وَسيمًا
لكِنَّ قَصيدتي جَميلةٌ وشابّةٌ
وتُحِبُّ أنْ أُزَيِّنَ وَجْنَتَيْها دائمًا بالمَجازِ
وأنْ أملاًَ دولابَها
بالكَثيرِ مِن التأْويلاتِ الرّائعةِ
لِكَيْ ترْتَديَ لكُلِّ قارِئٍ تأْوِيلاً مُخْتَلِفًا
الأمْرُ الذي يُلْهِجُ شِفاهَ النُّقّادِ بالإثارةِ
ويَجْعَلُ الجَميعَ يَلْهَثونَ خَلْفَها
وهي تَتَمَشَّي بغَنَجٍ في أنْحاءِ الوَرقةِ
بدونَ أنْ تَلْتَفِتَ إلي القُرّاءِ المُنْهَكينَ
الذينَ يتَساقَطونَ في الهامِشِ تِباعًا
غَيْرَ قادِرينَ علي اسْتِرْدادِ أنْفاسِهِمْ
التي أَطْبَقَتْ علَيها صَفَحاتُ الدِّيوانِ.
الرَّقْصُ علي موسيقي تُحَطِّمُ ضُلوعي
بَعْدَ أنْ هَجَرَتْني حبيبتي
تَفَكَّكَ جَسَدي إلي قِطَعٍ مُتَناثِرةٍ
قَدَمايَ ذَهَبَتا إلي تِلْكَ الشَّوارِعِ
التي كُنّا نتَسَكَّعُ فيها معًا
وأُذُنايَ عَلِقَتا في الأُغْنِيَةِ
التي اعْتَدْنا أنْ نَرْقُصَ علي إيقاعِها مَساءً
وأصابِعي تَرَكَتْني بِدَوْرِها وذَهَبَتْ
لتَتْبَعَ آثارَ أصابِعِها علي الجُدْرانِ والنَّوافِذِ
وأنْفي كُلَّما شَمَّ عِطْرًا يُشْبِهُ عِطْرَها
هَرْوَلَ وَراءَ المَرْأةِ التي يَفوحُ مِنْها هذا العِطْرُ.
بَعْدَ أنْ هَجَرَتْني حبيبتي
تَفَكَّكَ جَسَدي إلي قِطَعٍ مُتَناثِرةٍ
حتي جاءتْ تِلْكَ المرأةُ التي قابَلْتُها بَعْدَها
وأقْنَعَتْني أنها بَطَلةُ العالَمِ في لُعْبةِ (البَزِلِ)
وَضَعْتْ أجْزائي المُفَكَّكةَ علي الطّاوِلَةِ
وقالتْ: لا تَخَفْ
أعْرِفُ كَيفَ أُعيدُ تَجْميعَكَ ثانِيةً
ثِقْ بِي
لكِنَّها وَضَعَتْ عَقْلي في بَطْني
وعَيْنيَّ في ظَهْرِي
واستَغْنَتْ عَنِ القَدَمَينِ وَوَضَعَتْ مَكانَهُما رِئَتَيَّ المُتهالِكتَينِ
لِأَلْهَثَ كُلَّما حاوَلْتُ أنْ أمْشِيَ إلي الماضي.
فَوْضَي تُرَتِّبُ نَفْسَها
كَما تَعْطُسُ المَرْأةُ
حِينَ تَشِمُّ رائحةَ تَوابِلَ نفّاذةً في مَطْبَخِها..
عَطَسَتِ الأماكِنُ حِينَ شَمَّتْ رائحةَ حَنيني،
وأنا أتأمَّلُها بَعْدَ غَيبةٍ طَويلةٍ.
الذِّكْرَياتُ عِنْدَ الشُّعَراءِ
كالمادّةِ عِنْدَ الفيزيائيّين
لا يُمْكِنُ أنْ تَفْنَي
رَغْمَ أنَّها كَثيرًا ما تتَحَوَّلُ
إلي صُورةٍ أُخْري.
فكَما يتَحَوَّلُ الماءُ إلي بُخارٍ..
تتَحَوَّلُ الذِّكْرَياتُ إلي أُغْنِيَاتٍ حَزينةٍ
تَشْدو بها الأماكِنُ لَيلاً
حينَ تَتَيَقَّنُ أنْ لا أحَدَ يَسْمَعُها.
كما أنَّ هُناكَ أُناسًا صالِحينَ
يُكافِئُهُمُ اللهُ بِدُخولِ الجَنّةِ،
وأُناسًا سَيِّئينَ
يُعاقِبُهُمُ اللهُ بِدُخولِ النّارِ..
هُناكَ أماكِنُ صالِحةٌ
يُكافِئُها اللهُ بِجَعْلِها حدائقَ،
وأماكِنُ سيِّئةٌ
يُعاقِبُها اللهُ بِجَعْلِها مَراحيضَ.
الأماكِنُ الضيقةُ عادةً ما تَكونُ عَصَبِيّةً
وذاتَ صَبْرٍ نافِدٍ،
والصَّهْدُ الذي يَلْفَحُني داخِلَها
لَيسَ إلا زَفيرَها الخارِجَ مِن أنْفٍ
حَوَّلَهُ الغَضَبُ إلي جَمْرةٍ حَمْراءَ.
أقولُ لِحَبيبَتي كَلِمةَ (أُحِبُّكِ)
وأنا نائمٌ علي صَدْرِها،
فلا مَكانَ أوْسَعَ
مِنْ صَدْرِ امْرأةٍ تُحِبُّني.
موسيقي ميتةٌ فوقَ جيتارٍ مُهَشَّمٍ
أنا شاعِرٌ فَقيرٌ جدًّا
حينَ يَجُوعُ أطْفالي..
أدُسُّ في حُلُوقِهِمْ قَصائدَ طازَجةً
وحينَ تَخافُ زَوْجتي مِنَ المُسْتَقْبَلِ..
أُخَبِّئُها في هامِشِ أحَدِ النُّصوصِ الرَّديئةِ،
لأنَّي أعْلَمُ أنَّ أعْيُنَ الشَّياطينِ مَلُولةٌ بطَبْعِها
ولا تَمُرُّ إلا عَلَي المُتونِ.
بَدَلاً مِن الجُبْنِ والخُبْزِ، وحَليبِ الأطْفالِ المُعَقَّمِ..
اشْتَرَيْتُ دِيوانَ شِعْرٍ، ورُزْمةَ أوْراقٍ
»أنتَ أبٌ سَيِّئٌ جِدًّا!«
هَكَذا صَرَخَتْ زَوْجَتي، وهْيَ تأْكُلُ الدّيوانَ بِغَيْظٍ،
لَكِنَّها تَرَكَتْني ألْعَقُ الجُمَلَ التي عَلِقَتْ بِشَفَتَيْها
حتّي آخِرِ حَرْفٍ في كَلِمةِ »أُحِبُّك«!
وَرْدةٌ خَرَجَتْ مِن فُوّهةِ بُنْدقيّةٍ
أسْتَيقِظُ في السادِسةِ كالمُعْتادِ
أمْسَحُ دُموعَ نافِذتي
التي هَجَرَتْها العصافيرُ
أتَمَضْمَضُ جَيِّدًا كي أُزيلَ
اسْمَ حَبيبَتي العالِقَ بلِساني
وأُنَظِّفَ فِراشي مِن رائحةِ الوَحْدةِ.
أنا بخَيرٍ يا أصْدِقائي
لا تَقْلَقوا
ما زِلْتُ أكْتُبُ كُلَّ أُسْبوعٍ قَصيدةً أوِ اثْنَتَينِ
وأحْتَسي القَهْوةَ المُرّةَ
وأعْدو بالمِقَشّةِ وَراءِ المَوْتَي
الذينَ يتَساقَطونَ مِنْ نَشْرةِ التّاسِعةِ.
أنا بِخَيرٍ يا أصْدقائي
وسعيدٌ جدًّا،
فعامِلُ النظافةِ المزَيَّفُ شَكَرَني كثيرًا
في التقْريرِ الذي قدَّمَهُ
إلي الجهةِ الأمْنِيّةِ التي يعْمَلُ بها
وشَرَحَ كَيفَ أُعَبِّئُ أحْلامي
داخِلَ كِيسٍ بِلاسْتيكيٍّ أَسْوَدَ
وكَيفَ أُسَلِّمُ إليه الكِيسَ كُلَّ صَباحٍ
دُونَ أنْ أَعْبِسَ في وَجْهِهِ.
أنا بِخَيرٍ يا أصْدقائي
صحيحٌ أني لا أسْتجيبُ لاتِّصالاتِكُمْ
ولا أفْتَحُ البابَ لأحَدٍ مِنْكُمْ
لكني بخَيرٍ
لا تَقْلَقوا
ما زِلْتُ أُمارِسُ طُقوسي اليَوْمِيّةَ
وأتَحَرَّكُ في شَقَّتي التي تُشْبِهُ المَشْرَحةَ
كأيِّ جُثّةٍ مُهَذَّبةٍ.
يا بائعَ الأقْفالِ
يا بائعَ الأقْفالِ.. دُلَّني علَي قُفْلٍ قَويٍّ
أُغْلِقُ بِهِ ذلِكَ البابَ في ذاكِرَتي،
البابَ الذي تَجْتازُهُ حَبيبتي القَديمةُ كُلَّ مَساءٍ
لِمُجَرَّدِ أنْ تَقُومَ بِطِلاءِ حَنْجَرَتي
بالأُغْنِياتِ الحَزينةِ!
يا بائعَ الأقْفالِ.. لا تَدَعْني أتَعَثَّرُ كُلَّ صَباحٍ في ضَحِكةٍ
تَتْرُكُها حَبيبتي عَمْدًا علي السِّجّادةِ
ولا تَدَعْني أشْتَرِي كُلَّ يَومٍ فِنْجانًا جَديدًا
لأنّي لا أسْتَطيعُ أنْ أغْسِلَ أحْمَرَ شِفاهِها
الذي تلَطَّخَ بِهِ فِنْجانُ قَهْوَتي
وهيَ تَرْشُفُ آخِرَ قَطْرةٍ فيهِ
يا بائعَ الأقْفالِ!
يا بائعَ الأقْفالِ!
يا بائعَ الأقْفالِ!
الموتُ بجُرْعةٍ زائدةٍ مِنَ الأحْلامِ
حَبيبتي القديمةُ سَرَقَتْ قَلْبي
ووَضَعَتْ مَكانَهُ صَحْراءَ
وسَرَقَتْ حَنْجَرَتي
ووَضَعَتْ مَكانَها ذئبًا
لذَلِكَ.. كُلُّ اللاتي
نِمْنَ علي صَدْري بَعْدَها
شَعُرْنَ بالعَطَشِ
واسْتَيقَظْنَ مُرْتَجِفاتٍ
حينَ سَمِعْنَ عُوائي لَيلاً.
أَرْكُضُ طاويًا العالَمَ تحْتَ إِبْطِي
1
الشُّعَراءُ أيضًا يذْهَبونَ إلي الحَرْبِ
يَدُسُّ أحَدُهُمْ في يَدِ الشاعِرِ بُنْدُقِيّةً
بَدَلاً مِن القَلَمِ
والمُشْكِلةُ: أنَّ البُنْدُقِيّةَ لا تَعْرِفُ كَيفَ تَكْتُبُ
فقطْ.. كُلُّ الذي يَرْبِطُها بالقَصيدةِ
أنَّ كِلْتَيهما تُوَجَّهُ إلي القَلْبِ.
2
وعِنْدَما يَشْتَدُّ الوَطيسُ
يَنْسَي الشّاعِرُ أنه شاعرٌ
فلا يَلْتَفِتُ إلي أنَّ ابْتِسامةَ جُنْدِيٍّ جَريحٍ
لَمَحَ زَوْجَتَهُ تُلَوِّحُ لَهُ قَبْلَ أنْ يَموتَ
قدْ تَصْلُحُ مَدْخَلاً مُدْهِشًا لِقَصيدةٍ جَديدةٍ
وأنَّ عَينَيِ الفَرَسِ الذي يَمْتَطيهِ عَدُوُّهُ
تُشْبِهانِ كَثيرًا تِلْكَ القَصائدَ التي خَبَّأَها
في حَنْجَرةِ حَبيبتِهِ القديمةِ
وأنَّ الأرْضَ التي يقِفونَ فَوقَها
مُجَرَّدُ وَرَقةٍ بَيضاءَ في الأصْلِ
كُلُّ الذي حَدَثَ أنَّ شاعرًا سيِّئًا
قد سَكَبَ عليها قِنّينةُ حِبْرٍ أحْمَرَ.
3
تَعَلَّمْتُ مِنْ قَصيدةِ ما بَعْدَ الحداثةِ
أنْ أُرَكِّزَ علي الفِكْرةِ الرئيسةِ
دونَ أنْ أعْبَأَ بالأفْكارِ الفَرْعيّةِ
التي تَجْذِبُ قَصيدَتَي عَكْسَ تيّارِ التكْثيفِ
لذلك حينَ أصَوِّبُ بُنْدُقِيّتي إلي أحَدِ أعْدائي
أفْعَلُها بِدِقّةٍ بالِغةٍ
ولا أهْتَمُّ كَثيرًا بعائلتِهِ الحزينةِ التي
تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ
بِمُجَرَّدِ أنْ تَدْخُلَ الرَّصاصةُ فيهِ.
قصيدةٌ عنِ البَحْر
كَتَبْتُ بالأمْسِ قَصيدةً عنِ البَحْرِ
رُبَّما يُفَسِّرُ هذا سِرَّ تِلْكَ السَّفينةِ
التي وَجَدَها أحَدُهم عالِقةً فَوْقَ ياقةِ قميصي.
حتّي زَوجتي.. حينَ أرَدْتُ أنْ أُقَبِّلَها هذا الصباحَ..
فُوجِئْتُ بِها تتَراجَعُ مَذْعُورةً
مؤكِّدةً أنَّها شاهَدَتْ قُرْصانًا بعَينٍ واحِدةٍ
يُطِلُّ مِنْ إحْدَي فَتْحَتَيْ أنْفي،
ويُشْهِرُ في وَجْهِها بُنْدُقيّةً سَريعةَ الطَّلْقاتِ!
لكنَّ الذي جَعَلني لا أتَرَدَّدُ في تَمْزيقِ القَصيدةِ..
هو ذَلِكَ العَجوزُ الذي تَحَرَّشَ بِطالِبةٍ أمامي
وبَدلاً مِن أنْ أتَفَوَّهَ بِكَلِماتٍ أنْهَرُهُ بِها..
وجَدْتُ مَوجةً عاتيةً تَخْرُجُ مِنْ فَمي،
جارِفةً العَجُوزَ أمامَها حتَّي آخِرِ الشّارِعِ!
حَقيقةٌ عارِيةٌ
قَصيْدَتي لَيْسَ لها قَبْضةٌ
لِذَلِكَ.. لا تَسْتَطيعُ أنْ تُهَشِّمَ أسْنانَ بَعْضِ النُّقّادِ
الذينَ لا يَقْرَؤونَها، إلا لاسْتِعْراضِ عَضَلاتِهِمْ
أمامَ لُغَتِها البَسيطةِ والمُباشِرةِ
أنا، حينَ أُريدُ أنْ أقولَ إنّي مُتْعَبٌ..
أَقولُها هَكذا بِبَساطةٍ: »أنا مُتْعَبٌ«.
وهذا لا يَروقُ للنُّقّادِ هؤلاءِ
فبَعْضُهُمْ يُريدُني أنْ أقولَ:
»أنا أذوبُ في فِنْجانِ الحياةِ
كقِطْعةِ سُكَّر«
والبَعْضُ الآخَرُ يُريدُني أنْ أُعَبِّرَ عَنْ تَعَبي
بطَريقةٍ حَداثيّةٍ مُخْتَلفةٍ،
كَأَنْ أَقولَ مَثَلاً:
»اليَوْمَ ماتَتْ في قلْبي غَزالةٌ«
وأنا شاعِرٌ بَسيطٌ جِدًّا..
لا يَعْرِفُ العَلاقةَ التي تَرْبِطُ
بَينَ التَّعَبِ وغَزالةٍ مَيِّتةٍ!
ولا يعْرِفُ كَيفَ لا ينْتَبِهُ النُّقّادُ
أنَّ شاعِرًا بَسيطًا مِثْلي
يَحْلُمُ بأنْ يَخْلَعَ المَجازَ في أحْيانٍ كَثيرةٍ،
لِيَنامَ عارِيًا علَي فَخْذِ النَّصِّ
يَنامُ بِلا قِطْعةِ مَجازٍ واحِدةٍ
ورَغْمَ ذَلِكَ يَبْدُو جَسَدُهُ فاتِنًا لِكُلِّ المَارّةِ!
شِتاءٌ
صَحيحٌ.. أنّني أسْبَحُ في الجَوِّ
لَكِنّني لَسْتُ ذلِكَ العُصْفورَ الذي تَرَوْنَهُ،
أنا البالُونُ الذي بِجِوارِهِ
البالونُ المُنْتَفِخُ بالقَصائدِ
وليسَ بالهواءِ
البالونُ الذي يُمْكِنُ أنْ يَنْفَجِرَ في أيِّ لَحْظةٍ
بِطَلْقةٍ مُحْكَمةٍ مِن قَلَمِ ناقِدٍ مُحْتَرِفٍ..
أنا لا أخْشَي علي نفْسي الانْفِجارَ
فَقَطْ، لَمْ أطْلُبْ مِن القُرّاءِ
الذينَ يتَجَوَّلونَ أسْفلي
أنْ يَرْتدوا ملابِسَ ثقيلةً
لأنْ الأخْطاءَ التي سَتَسْقطُ فَوْقَ رؤوسِهِمْ
سَتَكونُ غَزيرةً جدًّا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.