سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 يصل لأعلى مستوى وعيار 21 الآن بالمصنعية    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    "الاحتلال "يهاجم أسطول الصمود وكولومبيا تطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية ومظاهرات حاشدة بعدة عواصم عالمية..وحماس: نحيي شجاعة النشطاء    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    «رحلة إسقاط الكبار مستمرة».. المغرب يضم البرازيل إلى قائمة ضحاياه    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    مصرع أمين شرطة وإصابة آخر فى حادث تصادم بالنوبارية    الداخلية: القبض على مدرس اُتهم بالاعتداء على طالب ابتدائي في الهرم    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    اللجنه العامة توافق على اعتراض رئيس الجمهورية على مواد الإجراءات الجنائية    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    نقل الفنان السوري زيناتي قدسية إلى المستشفى بعد أزمة صحية مفاجئة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    مدير مستشفى معهد ناصر: نستقبل نحو 2 مليون مريض مصري سنويا في مختلف التخصصات الطبية    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    جوارديولا: لدينا نقطة وسنحصل عليها    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    انقطاع مؤقت للاتصالات قرب المتحف المصري الكبير.. فجر الخميس    هيئة مستقلة للمحتوى الرقمي ورقابة بضمانات.. 4 خبراء يضعون روشتة للتعامل مع «البلوجرز» (خاص)    ارتفاع أسعار الذهب في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 2-10-2025    ستاندرد آند بورز: إغلاق الحكومة الأمريكية يفاقم عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    الإسكان عن أزمة قرية بحر أبو المير بالفيوم: تحركنا لدراسة الوضع ميدانيا    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    فياريال ضد يوفنتوس.. الغواصات الصفراء تخطف تعادلا قاتلا بدوري الأبطال    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    أولى هجمات أكتوبر.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم: أمطار رعدية تضرب منطقتين    إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص على طريق شبرا - بنها    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    التجربة المصرية في الاستزراع السمكي محور برنامج تدريبي دولي بالإسماعيلية    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس الدولة يقرر إعادة توزيع اختصاصات دوائر محكمة القضاء الإداري    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أركض طاويا العالم تحت إبطي
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 07 - 2016


أَكْرَهُ الشُّعَراءَ
أنا أَكْرَهُ الشُّعَراءَ كثيرًا
خصوصًا حينَ يَقْضِمونَ أظافِرَ اللَّيْلِ مِثْلَ فَتاةٍ خائبةٍ
حينَ يُعَبِّئونَ أحْلامَهُمُ المُجْهَضةَ في دَواوينَ
لا يَقْرَؤُها أحَدٌ.
الشُّعَراءَ الذينَ يَقْذِفُونَ الأعْداءَ بالمَجازِ
بَدَلاً مِنَ القَنابِلِ
وكَثيرًا ما يَرْسُمونَ غَيْمةً مُكْتَنِزةً
ثُمَّ يَطُوفُونَ عَلَي النَّدواتِ يَهْجُونَ اللهَ
الذي لمْ يَهَبْ لهُمُ المالَ اللازِمَ
لِشِراءِ مِظَلّةٍ.
أنا أكْرَهُ الشُّعَراءَ كَثيرًا..
الشُّعَراءَ الذينَ عَقِبَ كُلِّ عَلاقةِ حُبٍّ فاشِلةٍ
يَضَعونَ فاصِلةً (،) ويَسْتَكْمِلونَ الكِتابةَ.
أنا لو تَرَكَتْني حبيبتي ذاتَ مرةٍ..
سَأضَعُ نُقْطةً هَكَذا (.)
وأَمُوتُ .
أُمَشِّطُ شَعْرَ أحْلامي في مِرآةٍ جديدةٍ
حينَ أموتُ
لا تَحْمِلوني إلي القَبْرِ مُباشَرةً
أُريدُ أوَّلاً..
أنْ أُشاهِدَ زَوجَتي وهيَ تُلْقي كُتُبِي
في أوَّلِ عَرَبةِ (رُوْبابيكْيا) تَمُرُّ أسْفَلَ نافِذَتِها.
أنْ أحْضُرَ إبْرامَها لِصَفْقةٍ مُخْزِيةٍ
مَعَ صاحِبِ المَطْعَمِ الذي يَحْتَلُّ ناصيةَ شارِعِنا
حتّي تَسْتَبْدِلَ بأوْراقي
بَعْضَ أقْراصِ الطَّعْميةِ
أُريدُ أنْ أَكُونَ قَريبًا مِن قَصائدي في هذِهِ اللَّحْظاتِ المؤْلِمةِ..
قَصائدي التي سَتَمْتَلِئُ مَعِدَتُها الرَّقيقةُ بالزَّيتِ
ولنْ تَكُفَّ عَنِ السُّعالِ.
زَوْجَتي أيضًا سَتَسْعُلُ بِشِدّةٍ
وهي تَقْذِفُ الأقْراصَ الساخِنةَ في فَمِ أبْنائي
وتَصْرُخُ كقائدٍ مَجْنونٍ مُنْتَصِرٍ:
»كُلوا يا أطْفالُ..
أخِيرًا.. أصْبَحَ لِهُراءِ والِدِكُمْ جَدْوَي!«.
شَظايا حُلْمٍ
هَلْ تَقْبَلُ ماكينةُ تصْويرِ الأوْراقِ
أنْ أتَمَدَّدَ داخِلَها
وأطْبَعَ مِنّي عَشْراتِ النُّسَخِ؟!
قولوا لها إنَّ واحِدًا مِنّي
لا يكْفي لِصَدِّ طَعَناتِ الموسيقي
وأنّي أُريدُ أنْ يكونَ هُناكَ
نُسَخًا احْتياطيّةً مِنّي
كَيْ أسْتَخْدِمَها عِنْدَ الحاجةِ.
كأنْ أسْتعيرَ مِنْ إحْداها خَدًّا
بدَلًا مِنْ ذلِكَ الذي صَفَعَتْهُ امْرأةٌ جَميلةٌ
اِسْتَوْقَفْتُها في الشّارِعِ ذاتَ مَرّةٍ
لِأُعَبِّرَ لها عنِ امْتِناني لِجَمالِها،
أوْ أنْ أسْتَعيرَ مِنْها قَدَمَينِ
أُضيفُهما إلي قَدَمَيَّ اللَّتَينِ
لا تُمَكِّنانِني مِن اللِّحاقِ بأحْلامي السَّريعةِ،
أو أنْ أبقَي في العمَلِ
برائحةِ عَرَقي المُقَزِّزةِ
وملابِسي التي اتَّسَخَتْ بالهُمومِ
وأطْلُبُ مِن نُسْخةٍ نظيفةٍ منّي
أنْ تذْهَبَ لتَحْتسِيَ العَصيرَ مَعَ حبيبتي
في كازينو يَطُلُّ علي النِّفاقِ مُباشَرةً.
قِطٌّ وفأرٌ
لَمْ أذْهَبْ إلي صَحْراءَ قَطُّ..
إلا وَحَمَلْتُ في جَيْبِي غَيْمةً
وبالمِثْلِ: لَمْ أَمُرَّ مِن شارِعٍ
تَشابَكَتْ فيهِ يَدانا مِنْ قَبْلُ..
وَلَمْ أسْتَمِعْ إلي أُغْنِيَةٍ..
سَقَطْنا مُنْتَشِيَيْنِ مِنْ فَوقِ سُلَّمِها المُوسِيْقِيِّ، ذاتَ رَقْصةٍ..
إلا وَكُنْتُ أُخَبِّئُ خَلْفَ ظَهْري مِطْرَقةً
لأُهَشِّمَ بِها رأْسَ الماضي
لَوْ حاوَلَ أنْ يَمُدَّ يَدَيهِ الغَليظَتَينِ
مُعْتَصِرًا قلْبِي حتَّي المَوتِ!
أنا والشَّجَرةُ
إنَّنا مُتَشابِهانِ جِدًّا
ولنْ يُلاحِظَ أحَدٌ فَرْقًا بَيْنَنا
فتعالَيْ نَتَبادَلِ الأدْوارَ أيتُها الشَّجَرةُ
أنتِ تَذْهَبينَ إلي بَيتي
وتتَظاهَرينَ بأنَّكِ أنا..
وأنا أقِفُ مَكانَكِ في العَراءِ
وأتظاهَرُ بأنَّني أنتِ..
جيراني سَيَقْذِفونَكِ بالنَّميمةِ
كما تعَوَّدوا أنْ يقْذفوني
ومِثْلي.. لنْ يَتَساقَطَ مِنْكِ
إلا ثمارٌ طيّبةٌ
وأطفالي الجَوْعَي لنْ يقْطِفوا
مِنْكِ ثَمَرةً واحِدةً
فقَدْ عَلَّمْتُهم ألا يَحْصُدوا حُلْمًا
لَمْ يَتَبَلَّلْ بِعَرَقِهِمْ.
تَعالَيْ نَتَبادَلِ الأدْوارَ أيتُها الشجرةُ
وأَعِدُكِ ألا أوقِظَ عَصافيرَكِ
لو نامَتْ علي صدْري
وأنْ أُمَشِّطَ شَعْرَ الرِّيحِ
وأُرَبِّتُ علي حَنْجَرَتِها المُمْتَلِئةِ بالصُّراخِ
وأنْ أسْتُرَ أيَّ عاشِقَينِ يَخْتَلِسانِ قُبْلةً
مِن وَراءِ ظَهْرِ الخَوفِ
وألا أتَخَفَّي أبَدًا
مِن حَرّانَ مُنْهَكٍ.
تَعالَيْ نَتَبادَلِ الأدْوارَ أيتُها الشجرةُ
لأتعَلَّمَ مِنْكِ أنْ أُحِبَّ جُذوري
التي تُثَبِّتُني في الأرضِ بقُوّةٍ
أُحِبُّها -حتّي- وهي تَمْنَعُنِي الفِرارَ
مِن وَجْهِ حطّابٍ يُكَشِّرُ عَنْ فأْسٍ نَهِمٍ.
قَصيدةٌ لَعوبٌ
رُبَّما لا أكونُ وَسيمًا
لكِنَّ قَصيدتي جَميلةٌ وشابّةٌ
وتُحِبُّ أنْ أُزَيِّنَ وَجْنَتَيْها دائمًا بالمَجازِ
وأنْ أملاًَ دولابَها
بالكَثيرِ مِن التأْويلاتِ الرّائعةِ
لِكَيْ ترْتَديَ لكُلِّ قارِئٍ تأْوِيلاً مُخْتَلِفًا
الأمْرُ الذي يُلْهِجُ شِفاهَ النُّقّادِ بالإثارةِ
ويَجْعَلُ الجَميعَ يَلْهَثونَ خَلْفَها
وهي تَتَمَشَّي بغَنَجٍ في أنْحاءِ الوَرقةِ
بدونَ أنْ تَلْتَفِتَ إلي القُرّاءِ المُنْهَكينَ
الذينَ يتَساقَطونَ في الهامِشِ تِباعًا
غَيْرَ قادِرينَ علي اسْتِرْدادِ أنْفاسِهِمْ
التي أَطْبَقَتْ علَيها صَفَحاتُ الدِّيوانِ.
الرَّقْصُ علي موسيقي تُحَطِّمُ ضُلوعي
بَعْدَ أنْ هَجَرَتْني حبيبتي
تَفَكَّكَ جَسَدي إلي قِطَعٍ مُتَناثِرةٍ
قَدَمايَ ذَهَبَتا إلي تِلْكَ الشَّوارِعِ
التي كُنّا نتَسَكَّعُ فيها معًا
وأُذُنايَ عَلِقَتا في الأُغْنِيَةِ
التي اعْتَدْنا أنْ نَرْقُصَ علي إيقاعِها مَساءً
وأصابِعي تَرَكَتْني بِدَوْرِها وذَهَبَتْ
لتَتْبَعَ آثارَ أصابِعِها علي الجُدْرانِ والنَّوافِذِ
وأنْفي كُلَّما شَمَّ عِطْرًا يُشْبِهُ عِطْرَها
هَرْوَلَ وَراءَ المَرْأةِ التي يَفوحُ مِنْها هذا العِطْرُ.
بَعْدَ أنْ هَجَرَتْني حبيبتي
تَفَكَّكَ جَسَدي إلي قِطَعٍ مُتَناثِرةٍ
حتي جاءتْ تِلْكَ المرأةُ التي قابَلْتُها بَعْدَها
وأقْنَعَتْني أنها بَطَلةُ العالَمِ في لُعْبةِ (البَزِلِ)
وَضَعْتْ أجْزائي المُفَكَّكةَ علي الطّاوِلَةِ
وقالتْ: لا تَخَفْ
أعْرِفُ كَيفَ أُعيدُ تَجْميعَكَ ثانِيةً
ثِقْ بِي
لكِنَّها وَضَعَتْ عَقْلي في بَطْني
وعَيْنيَّ في ظَهْرِي
واستَغْنَتْ عَنِ القَدَمَينِ وَوَضَعَتْ مَكانَهُما رِئَتَيَّ المُتهالِكتَينِ
لِأَلْهَثَ كُلَّما حاوَلْتُ أنْ أمْشِيَ إلي الماضي.
فَوْضَي تُرَتِّبُ نَفْسَها
كَما تَعْطُسُ المَرْأةُ
حِينَ تَشِمُّ رائحةَ تَوابِلَ نفّاذةً في مَطْبَخِها..
عَطَسَتِ الأماكِنُ حِينَ شَمَّتْ رائحةَ حَنيني،
وأنا أتأمَّلُها بَعْدَ غَيبةٍ طَويلةٍ.
الذِّكْرَياتُ عِنْدَ الشُّعَراءِ
كالمادّةِ عِنْدَ الفيزيائيّين
لا يُمْكِنُ أنْ تَفْنَي
رَغْمَ أنَّها كَثيرًا ما تتَحَوَّلُ
إلي صُورةٍ أُخْري.
فكَما يتَحَوَّلُ الماءُ إلي بُخارٍ..
تتَحَوَّلُ الذِّكْرَياتُ إلي أُغْنِيَاتٍ حَزينةٍ
تَشْدو بها الأماكِنُ لَيلاً
حينَ تَتَيَقَّنُ أنْ لا أحَدَ يَسْمَعُها.
كما أنَّ هُناكَ أُناسًا صالِحينَ
يُكافِئُهُمُ اللهُ بِدُخولِ الجَنّةِ،
وأُناسًا سَيِّئينَ
يُعاقِبُهُمُ اللهُ بِدُخولِ النّارِ..
هُناكَ أماكِنُ صالِحةٌ
يُكافِئُها اللهُ بِجَعْلِها حدائقَ،
وأماكِنُ سيِّئةٌ
يُعاقِبُها اللهُ بِجَعْلِها مَراحيضَ.
الأماكِنُ الضيقةُ عادةً ما تَكونُ عَصَبِيّةً
وذاتَ صَبْرٍ نافِدٍ،
والصَّهْدُ الذي يَلْفَحُني داخِلَها
لَيسَ إلا زَفيرَها الخارِجَ مِن أنْفٍ
حَوَّلَهُ الغَضَبُ إلي جَمْرةٍ حَمْراءَ.
أقولُ لِحَبيبَتي كَلِمةَ (أُحِبُّكِ)
وأنا نائمٌ علي صَدْرِها،
فلا مَكانَ أوْسَعَ
مِنْ صَدْرِ امْرأةٍ تُحِبُّني.
موسيقي ميتةٌ فوقَ جيتارٍ مُهَشَّمٍ
أنا شاعِرٌ فَقيرٌ جدًّا
حينَ يَجُوعُ أطْفالي..
أدُسُّ في حُلُوقِهِمْ قَصائدَ طازَجةً
وحينَ تَخافُ زَوْجتي مِنَ المُسْتَقْبَلِ..
أُخَبِّئُها في هامِشِ أحَدِ النُّصوصِ الرَّديئةِ،
لأنَّي أعْلَمُ أنَّ أعْيُنَ الشَّياطينِ مَلُولةٌ بطَبْعِها
ولا تَمُرُّ إلا عَلَي المُتونِ.
بَدَلاً مِن الجُبْنِ والخُبْزِ، وحَليبِ الأطْفالِ المُعَقَّمِ..
اشْتَرَيْتُ دِيوانَ شِعْرٍ، ورُزْمةَ أوْراقٍ
»أنتَ أبٌ سَيِّئٌ جِدًّا!«
هَكَذا صَرَخَتْ زَوْجَتي، وهْيَ تأْكُلُ الدّيوانَ بِغَيْظٍ،
لَكِنَّها تَرَكَتْني ألْعَقُ الجُمَلَ التي عَلِقَتْ بِشَفَتَيْها
حتّي آخِرِ حَرْفٍ في كَلِمةِ »أُحِبُّك«!
وَرْدةٌ خَرَجَتْ مِن فُوّهةِ بُنْدقيّةٍ
أسْتَيقِظُ في السادِسةِ كالمُعْتادِ
أمْسَحُ دُموعَ نافِذتي
التي هَجَرَتْها العصافيرُ
أتَمَضْمَضُ جَيِّدًا كي أُزيلَ
اسْمَ حَبيبَتي العالِقَ بلِساني
وأُنَظِّفَ فِراشي مِن رائحةِ الوَحْدةِ.
أنا بخَيرٍ يا أصْدِقائي
لا تَقْلَقوا
ما زِلْتُ أكْتُبُ كُلَّ أُسْبوعٍ قَصيدةً أوِ اثْنَتَينِ
وأحْتَسي القَهْوةَ المُرّةَ
وأعْدو بالمِقَشّةِ وَراءِ المَوْتَي
الذينَ يتَساقَطونَ مِنْ نَشْرةِ التّاسِعةِ.
أنا بِخَيرٍ يا أصْدقائي
وسعيدٌ جدًّا،
فعامِلُ النظافةِ المزَيَّفُ شَكَرَني كثيرًا
في التقْريرِ الذي قدَّمَهُ
إلي الجهةِ الأمْنِيّةِ التي يعْمَلُ بها
وشَرَحَ كَيفَ أُعَبِّئُ أحْلامي
داخِلَ كِيسٍ بِلاسْتيكيٍّ أَسْوَدَ
وكَيفَ أُسَلِّمُ إليه الكِيسَ كُلَّ صَباحٍ
دُونَ أنْ أَعْبِسَ في وَجْهِهِ.
أنا بِخَيرٍ يا أصْدقائي
صحيحٌ أني لا أسْتجيبُ لاتِّصالاتِكُمْ
ولا أفْتَحُ البابَ لأحَدٍ مِنْكُمْ
لكني بخَيرٍ
لا تَقْلَقوا
ما زِلْتُ أُمارِسُ طُقوسي اليَوْمِيّةَ
وأتَحَرَّكُ في شَقَّتي التي تُشْبِهُ المَشْرَحةَ
كأيِّ جُثّةٍ مُهَذَّبةٍ.
يا بائعَ الأقْفالِ
يا بائعَ الأقْفالِ.. دُلَّني علَي قُفْلٍ قَويٍّ
أُغْلِقُ بِهِ ذلِكَ البابَ في ذاكِرَتي،
البابَ الذي تَجْتازُهُ حَبيبتي القَديمةُ كُلَّ مَساءٍ
لِمُجَرَّدِ أنْ تَقُومَ بِطِلاءِ حَنْجَرَتي
بالأُغْنِياتِ الحَزينةِ!
يا بائعَ الأقْفالِ.. لا تَدَعْني أتَعَثَّرُ كُلَّ صَباحٍ في ضَحِكةٍ
تَتْرُكُها حَبيبتي عَمْدًا علي السِّجّادةِ
ولا تَدَعْني أشْتَرِي كُلَّ يَومٍ فِنْجانًا جَديدًا
لأنّي لا أسْتَطيعُ أنْ أغْسِلَ أحْمَرَ شِفاهِها
الذي تلَطَّخَ بِهِ فِنْجانُ قَهْوَتي
وهيَ تَرْشُفُ آخِرَ قَطْرةٍ فيهِ
يا بائعَ الأقْفالِ!
يا بائعَ الأقْفالِ!
يا بائعَ الأقْفالِ!
الموتُ بجُرْعةٍ زائدةٍ مِنَ الأحْلامِ
حَبيبتي القديمةُ سَرَقَتْ قَلْبي
ووَضَعَتْ مَكانَهُ صَحْراءَ
وسَرَقَتْ حَنْجَرَتي
ووَضَعَتْ مَكانَها ذئبًا
لذَلِكَ.. كُلُّ اللاتي
نِمْنَ علي صَدْري بَعْدَها
شَعُرْنَ بالعَطَشِ
واسْتَيقَظْنَ مُرْتَجِفاتٍ
حينَ سَمِعْنَ عُوائي لَيلاً.
أَرْكُضُ طاويًا العالَمَ تحْتَ إِبْطِي
1
الشُّعَراءُ أيضًا يذْهَبونَ إلي الحَرْبِ
يَدُسُّ أحَدُهُمْ في يَدِ الشاعِرِ بُنْدُقِيّةً
بَدَلاً مِن القَلَمِ
والمُشْكِلةُ: أنَّ البُنْدُقِيّةَ لا تَعْرِفُ كَيفَ تَكْتُبُ
فقطْ.. كُلُّ الذي يَرْبِطُها بالقَصيدةِ
أنَّ كِلْتَيهما تُوَجَّهُ إلي القَلْبِ.
2
وعِنْدَما يَشْتَدُّ الوَطيسُ
يَنْسَي الشّاعِرُ أنه شاعرٌ
فلا يَلْتَفِتُ إلي أنَّ ابْتِسامةَ جُنْدِيٍّ جَريحٍ
لَمَحَ زَوْجَتَهُ تُلَوِّحُ لَهُ قَبْلَ أنْ يَموتَ
قدْ تَصْلُحُ مَدْخَلاً مُدْهِشًا لِقَصيدةٍ جَديدةٍ
وأنَّ عَينَيِ الفَرَسِ الذي يَمْتَطيهِ عَدُوُّهُ
تُشْبِهانِ كَثيرًا تِلْكَ القَصائدَ التي خَبَّأَها
في حَنْجَرةِ حَبيبتِهِ القديمةِ
وأنَّ الأرْضَ التي يقِفونَ فَوقَها
مُجَرَّدُ وَرَقةٍ بَيضاءَ في الأصْلِ
كُلُّ الذي حَدَثَ أنَّ شاعرًا سيِّئًا
قد سَكَبَ عليها قِنّينةُ حِبْرٍ أحْمَرَ.
3
تَعَلَّمْتُ مِنْ قَصيدةِ ما بَعْدَ الحداثةِ
أنْ أُرَكِّزَ علي الفِكْرةِ الرئيسةِ
دونَ أنْ أعْبَأَ بالأفْكارِ الفَرْعيّةِ
التي تَجْذِبُ قَصيدَتَي عَكْسَ تيّارِ التكْثيفِ
لذلك حينَ أصَوِّبُ بُنْدُقِيّتي إلي أحَدِ أعْدائي
أفْعَلُها بِدِقّةٍ بالِغةٍ
ولا أهْتَمُّ كَثيرًا بعائلتِهِ الحزينةِ التي
تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ
بِمُجَرَّدِ أنْ تَدْخُلَ الرَّصاصةُ فيهِ.
قصيدةٌ عنِ البَحْر
كَتَبْتُ بالأمْسِ قَصيدةً عنِ البَحْرِ
رُبَّما يُفَسِّرُ هذا سِرَّ تِلْكَ السَّفينةِ
التي وَجَدَها أحَدُهم عالِقةً فَوْقَ ياقةِ قميصي.
حتّي زَوجتي.. حينَ أرَدْتُ أنْ أُقَبِّلَها هذا الصباحَ..
فُوجِئْتُ بِها تتَراجَعُ مَذْعُورةً
مؤكِّدةً أنَّها شاهَدَتْ قُرْصانًا بعَينٍ واحِدةٍ
يُطِلُّ مِنْ إحْدَي فَتْحَتَيْ أنْفي،
ويُشْهِرُ في وَجْهِها بُنْدُقيّةً سَريعةَ الطَّلْقاتِ!
لكنَّ الذي جَعَلني لا أتَرَدَّدُ في تَمْزيقِ القَصيدةِ..
هو ذَلِكَ العَجوزُ الذي تَحَرَّشَ بِطالِبةٍ أمامي
وبَدلاً مِن أنْ أتَفَوَّهَ بِكَلِماتٍ أنْهَرُهُ بِها..
وجَدْتُ مَوجةً عاتيةً تَخْرُجُ مِنْ فَمي،
جارِفةً العَجُوزَ أمامَها حتَّي آخِرِ الشّارِعِ!
حَقيقةٌ عارِيةٌ
قَصيْدَتي لَيْسَ لها قَبْضةٌ
لِذَلِكَ.. لا تَسْتَطيعُ أنْ تُهَشِّمَ أسْنانَ بَعْضِ النُّقّادِ
الذينَ لا يَقْرَؤونَها، إلا لاسْتِعْراضِ عَضَلاتِهِمْ
أمامَ لُغَتِها البَسيطةِ والمُباشِرةِ
أنا، حينَ أُريدُ أنْ أقولَ إنّي مُتْعَبٌ..
أَقولُها هَكذا بِبَساطةٍ: »أنا مُتْعَبٌ«.
وهذا لا يَروقُ للنُّقّادِ هؤلاءِ
فبَعْضُهُمْ يُريدُني أنْ أقولَ:
»أنا أذوبُ في فِنْجانِ الحياةِ
كقِطْعةِ سُكَّر«
والبَعْضُ الآخَرُ يُريدُني أنْ أُعَبِّرَ عَنْ تَعَبي
بطَريقةٍ حَداثيّةٍ مُخْتَلفةٍ،
كَأَنْ أَقولَ مَثَلاً:
»اليَوْمَ ماتَتْ في قلْبي غَزالةٌ«
وأنا شاعِرٌ بَسيطٌ جِدًّا..
لا يَعْرِفُ العَلاقةَ التي تَرْبِطُ
بَينَ التَّعَبِ وغَزالةٍ مَيِّتةٍ!
ولا يعْرِفُ كَيفَ لا ينْتَبِهُ النُّقّادُ
أنَّ شاعِرًا بَسيطًا مِثْلي
يَحْلُمُ بأنْ يَخْلَعَ المَجازَ في أحْيانٍ كَثيرةٍ،
لِيَنامَ عارِيًا علَي فَخْذِ النَّصِّ
يَنامُ بِلا قِطْعةِ مَجازٍ واحِدةٍ
ورَغْمَ ذَلِكَ يَبْدُو جَسَدُهُ فاتِنًا لِكُلِّ المَارّةِ!
شِتاءٌ
صَحيحٌ.. أنّني أسْبَحُ في الجَوِّ
لَكِنّني لَسْتُ ذلِكَ العُصْفورَ الذي تَرَوْنَهُ،
أنا البالُونُ الذي بِجِوارِهِ
البالونُ المُنْتَفِخُ بالقَصائدِ
وليسَ بالهواءِ
البالونُ الذي يُمْكِنُ أنْ يَنْفَجِرَ في أيِّ لَحْظةٍ
بِطَلْقةٍ مُحْكَمةٍ مِن قَلَمِ ناقِدٍ مُحْتَرِفٍ..
أنا لا أخْشَي علي نفْسي الانْفِجارَ
فَقَطْ، لَمْ أطْلُبْ مِن القُرّاءِ
الذينَ يتَجَوَّلونَ أسْفلي
أنْ يَرْتدوا ملابِسَ ثقيلةً
لأنْ الأخْطاءَ التي سَتَسْقطُ فَوْقَ رؤوسِهِمْ
سَتَكونُ غَزيرةً جدًّا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.