من عاصمة المال بالوجه القبلي أتى يحمل أفكاره وطموحاته لصناعة إمبراطورية اقتصادية، ربما هي الأكبر في تاريخ مصر. لم يكن أنسي ساويرس المولود في أغسطس عام 1930 سليل عائلة أرستقراطية توارثت المجد والثروة، وإنما هو أحد مستثمري ذكائه ومهاراته في عصر غلبه الانسحاق تحت وطأة اللانمو واللاطموح. تعليمه كان جيدًا ومميزًا؛ لذا فقد كانت أهدافه من البدء واضحة ومشروعة؛ أن ينشئ إمبراطورية اقتصادية ضخمة تخلّد اسمه بين أسماء رواد الأعمال السابقين: طلعت حرب، أحمد عبود، ومحمد فرغلي. أن تكون قبطيًّا في مجتمع غالبية سكانه مسلمون يصنع تحديًا قويًّا للنجاح، ربما يتوافر في كثير من نبغاء وعباقرة الأقباط في مصر؛ وهو ما كان دافعًا أساسيًّا في رسم صعود أنسي ساويرس. في زمن الاشتراكية الأولى بدأ ساويرس أولى خطواته شابًّا يافعًا يسعى إلى العمل في مجال المقاولات والأعمال الحرة، ومع الهجمة الإعلامية الشرسة تجاه الرأسمالية، التي صاحبتها قرارات تأميم وتوجيه مباشر للاقتصاد، اختار ليبيا مكانًا للاستثمار.. كانت رؤيته أنه دائمًا هناك فرصة للعمل، وأن فشل الآخرين دليل على حتمية النجاح. في العام 2009 اختير أنسي ساويرس وأبناؤه ضمن قائمة “,”فوربس“,” العالمية للمليارديرات، وفي السنوات التالية دخلت أسماء أبنائه (نجيب، ناصف، سميح) ضمن نفس القائمة؛ ليتم تصنيف العائلة كأغنى عائلة مصرية. تقوم فلسفة الرجل على اعتبار التعليم عنصرًا أساسيًّا لأي تنمية اقتصادية؛ لذا فإنه يعلن كل عام عن منح دراسية يوفرها للنابغين من أبناء مصر في كبرى الجامعات العالمية. في أغسطس الماضي أجرت مجلة “,”فينشرز“,” -المعنية بالأعمال والاستثمار- حوارًا مع أنسي ساويرس، قدم خلاله خمسة دروس لرجال الأعمال للنجاح تحت أي ظرف. أول تلك الدروس كان ضرورة «الاستثمار في المستقبل».. إن أنسي دائمًا يبحث عن الأحدث من أفكار ونظم لتحويلها إلى ذهب ومال، وربما كان ذلك دافعًا له أن يبعث أبناءه الثلاثة للتعليم في أفضل جامعات أوروبا، حتى إننا نجد أن المهندس نجيب، الابن الأكبر لأنسي، سافر إلى زيورخ للدراسة في إحدى جامعاتها، بينما ذهب ناصف، الابن الأوسط، إلى شيكاغو ليتعلم. كذلك فإن الاستثمار في المستقبل دفع الأب -منذ تخرَّج أبناؤه- إلى تقسيم إدارة شركاته بين أبنائه، وهو ما يتضح في إسناد الإشراف على “,”أوراسكوم تيليكوم للاتصالات“,” للابن الأكبر، و“,”أوراسكوم للإنشاءات“,” للابن الأوسط، و“,”أوراسكوم للسياحة“,” للابن الأصغر. ثاني الدروس التي يقدمها ساويرس لرجال الأعمال هو «ضرورة اقتناص الفرصة». إنه يرى أن الفرصة إذا توفرت أمام أي مستثمر فعليه أن يلهث وراءها؛ وربما ذلك ما دفعه للسفر للعمل في ليبيا بعد أن استحال الاستثمار في مصر خلال الحقبة الناصرية. كذلك فإنه يستدعي الفرصة من أي مكان لينفذها بأرض لم تنفذ فيها، ولا شك أن أبرز مثال على ذلك أن ظهور الهاتف المحمول في العالم كان فرصة جيدة لكثير من المستثمرين الأذكياء، الذين سارعوا إلى الاستثمار في ذلك المجال الذي كان مسار تخوف من بعض رجال الأعمال التقليديين. لقد سارعت أوراسكوم في تنفيذ أول شبكة محمول في مصر، ولم تكتف بذلك، بل دخلت بذات المشروع إلى الجزائر وتونس وباكستان والعراق. ثالث الدروس التي يقدمها أنسي ساويرس هو «ضرورة القتال من أجل النجاح». إنه يبحث دائمًا عن أفضل المديرين التنفيذيين في أي مجال يرغب في الاستثمار فيه، ويستعين به مهما كانت التكلفة؛ معتبرًا ذلك هو نجاح المشروع. رابع دروس الرجل هو «ضرورة استثمار العلاقات استثمارًا جيدًا». إن كل شخصية جديدة تضاف إلى أصدقائه يستفيد منها بشكل مشروع في عمله، ربما بنصيحة، أو معلومة، أو توجيه، أو استشارة. أما الدرس الأخير الذي يذكره أنسي لمجلة “,” فينشرز“,” فهو «ضرورة استهدف الأسواق الجديدة». إن الأسواق الناجحة أسوأ مكان للاستثمار الجديد؛ لأنها متخمة بالمستثمرين، ولا تحقق نموًّا كبيرًا. أما الأسواق المرشحة للصعود، فهي الأهم والأفضل. تلك كانت دروس الرجل، الذي يعتبره معظم رجال الأعمال في مصر المعلم الأول، والذي تقدر ثروته بنحو ثلاثة مليارات دولار، بينما تتجاوز استثمارات شركاته 20 مليار دولار.