بعد انتهاء مهمتها في ريو تنقل الشعلة الأوليمبية إلى طوكيو التي تم اختيارها لتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية في 2020، للمرة الثانية بعد استضافة العاصمة اليابانية للأوليمبياد للمرة الأولى عام 1964. وتبلغ تكلفة استضافة الأوليمبياد نحو 2 مليار دولار أمريكى، بحسب تصريحات رئيس اللجنة الأوليمبية اليابانية، مشيرا إلى أن تقليد انتقال الشعلة من دولة إلى أخرى صار أمرا معروفا. ولكن التاريخ السرى لشعلة النار «مظلم» ومثير للقلق وهو ما وجهت النظر إليه مجلة «نيوزويك» الأمريكية في تقرير يحمل عنوان «كيف اخترع هتلر فكرة الشعلة الأوليمبية» حيث قالت إنها كانت إحدى طرق الدعاية للنازى رغم أن العالم الآن ينظر للشعلة على أنها رمز للديمقراطية التي تسافر عبر دول العالم في كل دورة معلنة حالة رائعة من التنافس الشريف والروح الرياضية بينها في زمن يعج بالكراهية، حيث إن الشعلة الأوليمبية، إلى جانب الحلقات الخمس هما الرمزان الأكثر تميزا حيث يمثلان القيم الإيجابية بعلاقة الإنسان مع النار وذلك وفقا للأسطورة القديمة عن بروميثيوس الذي سرق السلطة لإطلاق النار من زيوس، فالنار هي رمز للحياة والعقلانية والحرية وكذلك الابتكار. ووفقا لتقرير المجلة الذي نشر على موقعها الإلكترونى «الديلى بيست» للكاتبة سوزان بتشراش المؤرخة ومؤلفة كتاب «أوليمبياد النازي: برلين 1936»، فإنه لم يكن لدورة الألعاب الأوليمبية الحديثة دائما شعلة، فالشعلة الأوليمبية لم تكن موجودة أثناء أول ألعاب أوليمبية حديثة في 1896 في أثينا، ولم يتم إدخال فكرة الشعلة الأوليمبية لأول مرة إلا في ألعاب أمستردام في 1928، ولم يتم إشعالها بل قاموا بإشعالها فقط في أمستردام، ولكن الفكرة الرئيسية، أن الشعلة الأوليمبية أحد أهم وأبرز مراسم الدورات الأوليمبية كانت فكرة الزعيم النازى أدولف هتلر والتي تبناها لأول مرة في 1936 في دورة الألعاب التي استضافتها برلين. وبحس ديفيد واليتشينسكى رئيس الجمعية الدولية لمؤرخى الأوليمبياد والذي كتب كثيرا عن المباريات لعدة عقود أكد أن هتلر أرسى فكرة الشعلة الأوليمبية لعدة أسباب وقتها كان يخطط هتلر لفكرة الهولوكوست أو المحرقة والتي كانت تعتمد على إبادة اليهود بحرقهم بالنار وهو ما كان يفكر فيه عندما أشعل الشعل الأوليمبية لأول مرة في دورة برلين 1936 خاصة بعد استكمال خطته الشاملة لإبادة اليهود والمعروفة بالحل النهائى أو حل أخير، والتي كانت بدايتها في إبريل 1933 أي بعد فترة قصيرة من صعود النازيين للحكم في ألمانيا، حيث تبنى هتلر معتقدات الطبيب الألمانى ألفريد بلويتز عندما نشرها في 1907 حول تحسين النسل البشرى عن طريق تغييرات اجتماعية بهدف خلق مجتمع أكثر ذكاء وإنتاجية لأجل الحد من المعاناة الإنسانية، وكتابه الذي كان تحت عنوان «الرخصة للقضاء على الأحياء الذين لا يستحقون الحياة»، وبالتالى فقد كان هتلر يضع الشعلة كرمز لما سوف يقوم به لاحقا في اليهود. وأضاف واليتشينسكى أيضا أنه من أهم أسباب اعتماد هتلر فكرة الشعلة الأوليمبية هي رمز لأبهة الآريين وأنهم الورثة المباشرون والحقيقيون للحضارة اليونانية القديمة، مشيرا إلى أن فكرة التتابع نفسها أي أن تتنقل الشعلة من دولة إلى أخرى أثناء استضافتها لدورة الألعاب الأوليمبية كانت فكرة هتلر، خاصة أن فكرة التتابع لم تحدث في أثينا ولا في غيرها من المدن اليونانية القديمة، أيضا كان هتلر يريد من الشعلة عملية الترويج للنازيين ولقوتهم الخارقة رغم أن الدورة الأوليمبية في أغسطس 1936 والتي افتتحها هتلر كانت مخيبة لآماله العريضة في استعراض قوة ومهارة الألمان والتي اجتمع فيها 3963 لاعبا ولاعبة من 49 دولة، تنافسوا على ميداليات 129 مسابقة في 19 لعبة، إلا أن ألمانيا لم تكن نجمة الدورة وهو ما أغضب هتلر كثيرا ولم يحقق ما كان يرغب فيه من إبراز قدرة الآريين وأنهم متفوقون على أجناس البشر المختلفة. وبحسب التقرير فإن العقل المدبر لفكرة التتابع للشعلة الأوليمبية والتي زرعها في عقل هتلر هو كارل ديم مسئول الرياضة الألمانية ومؤسس الجامعة الألمانية الرياضية كولونيا، التي تأسست في برلين في عام 1920 باسم كلية التربية الرياضية الألمانية، وكان المنظم الرئيسى لدورة الألعاب الأوليمبية في برلين عام 1936، والتي أصبحت تعرف على نطاق واسع بدورة ألعاب النازية، الذي تولى هذه الفرصة ليوحى بالتقليد العريق لتتابع الشعلة ومراسم الشعلة في نفس هتلر. وابتكر كارل ديم فكرة تتابع الشعلة لدورة الألعاب الأوليمبية أيضا بتوجيه من جوزيف جوبلز وهو وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر وأحد أبرز أفراد حكومته وكان ذا قدرات هائلة في عمل «غسيل المخ» وكان معروفا بذلك وصنع إعلاما بشكل ماهر جدا وكان له دور كبير في ترويج الفكر النازى لدى الشعب الألمانى بطريقة ذكية، وهو يعد بحق مهندس الدعاية النازية والذي صور هتلر للشعب الألمانى والعالم على أنه المنقذ والبطل، وكان من ضمن فنون الدعاية السياسية هي بث الفكرة في عقل كارل ديم مسئول الرياضة الألمانية آنذاك لتتابع الشعلة، فجوبلز يعد بحق مؤسس مدرسة إعلامية مستقلة بذاتها، ربما تبعها الكثير من رواد الدعاية من بعده في العالم أجمع. اللافت أنه كان هناك العديد من الاحتجاجات ضد فكرة تتابع الشعلة الأوليمبية ففى ملبورن عام 1956 في أستراليا، احتج طلاب الطب في الجامعات الأسترالية على التتابع أثناء استضافة مدينة ملبورن الدورة في ذلك العام، وفى عام 2008 كانت هناك محاولات عديدة لوقف الشعلة الأوليمبية احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين أثناء الدورة الأوليمبية التي أقيمت في بكين في ذلك العام، وفى لندن عام 2012 كان هناك العديد من المظاهرات المحلية أثناء استضافة إنجلترا الدورة الأوليمبية وقد تمكن بالفعل أحد المتظاهرين من الوصول للشعلة ولكن تم احتجازه، حتى قبيل عشرة أيام من بداية دورة الألعاب ريو في البرازيل، تمكن المواطنون من مدينة أنجرا دوس ريس، وهى مدينة صغيرة بالقرب من ريو دى جانيرو، بإخماد الشعلة الأوليمبية أثناء الاحتجاجات حول استضافة بلادهم للدورة وخاصة في ظل الوضع السيئ الذي كانت تعيشه البلاد في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية والصحية، واحتجاجا على إنفاق المال في المدينة على استضافة الأوليمبياد، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي سيطرت على البرازيل.