"عصاية المحبة" أو "غية الرجال"، اسمان يطلقهما الرجال في صعيد مصر على واحد من أشهر الفنون الشعبية المصرية "التحطيب". وال"تحطيب" هو المبارزة بالعصا الطويلة، ويسمى حامل العصا ال"محطب". المشهد مألوف لمختلف سكان العالم العربي، إذ لطالما ظهر في الإنتاج السينمائي المصري: رجل يحمل عصاه بفخر يلوح بها في حركات استعراضية، أو رجلان يحمل كل منهم عصًا ويتواجهان في مبارزة ودية لا تحمل أي مظاهر عنف، وسط حشود مشجعة. واشتهر صعيد مصر بهذا الفن حتى أصبح جزءًا من تراثه وثقافته الشعبية، وقد استمده من قدماء المصريين الذين اتخذوا التحطيب لعبة أساسية لديهم، واعتبروها من أهم الفنون القتالية لديهم. وقد وجدت نقوش تصور نماذج لأفراد يمارسون التحطيب على جدران المعابد القديمة، أبرزها معبد الكرنك في محافظة الأقصر، جنوب مصر. وسميت اللعبة ب"التحطيب" لاستخدام قدماء المصريين سيقان نبات البردى كعصا للتمرن عليها، واستخدامها كأداة للدفاع عن النفس والجماعة. تطورت هذه الأداة الحربية فصارت وسيلة للمرح والحركة وسرعة البديهة، ثم تحولت لموروث شعبي توارثته الأجيال، وتحولها إلى تقليد جعلها تختلف قليلًا في تفاصيل تأديتها بين محافظة وأخرى، ومع مرور الوقت بدأت هذه الرياضة تنتشر في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات، وفي الموالد الدينية. ككل أنواع الرياضة والفنون، هناك أصول وخطوات لتعلم التحطيب، تختلف تفاصيلها باختلاف أعراف وعادات المحافظات المصرية. ولكن مع ذلك، إن قواعد "غية الرجال" واحدة في كل مكان. والتحطيب ينقسم إلى قسمين، إما بمُحطب واحد أو باثنين، يلتف حولهما أهالي القرية أو المحافظة في جو من الحماسة. إلقاء التحية بين اللاعبين ضروري ويشير إلى استعداد الطرفين. أما إشارة الانطلاق بالتحطيب، فهي كلمة "ساه" التي يطلقها أحد الحاضرين، وتعني أن وقت اللعب قد حان. يقوم اللاعبان بالدوران إحدهما حول الآخر 4 مرات، لمدة لا تتجاوز الدقيقتين، ثم تنطلق أصوات تقارع العصي على أنغام "المزامير"، الآلة الموسيقية الأشهر في الصعيد. قبضة اليد على العصا هي مؤشر مهارة اللاعب. بحسب لاعب التحطيب "محمد عبد السلام" حيث يقول: "على لاعب التحطيب وضع طرف العصا في باطن يده حتى يستطيع التحكم بها". ويمكن للمحترفين في اللعبة أن يتعرفوا بسهولة على مهارة خصمهم من خلال طريقة قبضته على العصا. وللتحطيب لباسه الخاص به: الجلباب الفضفاض وعمة الرأس. لا يقف العمر عائقًا أمام لاعبي التحطيب، فجميع الرجال بمختلف أعمارهم يمارسون الرقص بالعصا. ويعتبر أشهرهم عميد لعبة التحطيب في محافظة الأقصر، "عبد الغني"، الذي بلغ من العمر 68 عامًا، ويعدّ حمله للعصا "موهبة من عند الله"، وموروث حضاري وثقافي تميز به رجال الصعيد. ولم تظهر أشكال مختلفة للتحطيب، باستثناء تأديتها على ظهر الخيول العربية. وتقام اليوم في الصعيد حلقات للرقص بالعصا خلال امتطاء الخيل، وسط أجواء تنافسية بين الخيالة. لا يتعامل رجال الصعيد مع العصا باعتبارها أداة للرقص فقط، حيث يشير أستاذ الأدب الشعبي، خالد أبو الليل، إلى أن التحطيب فن اجتماعي من الدرجة الأولى، يؤدي وظائف نفسية واجتماعية. ويرى أبو الليل أن التحطيب وسيلة لتفريغ الطاقة بشكل سلمي، لا سيما أن الانتصار في اللعبة يكون معنويًا. ولا مجال للعداء والثأر في ممارسة التحطيب، إذ يؤكد عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، سميح شعلان، ذلك قائلا: "لا يمكن أن يكون طرفا اللعبة على عداء سابق أو خصومة، وإلا فقدت اللعبة أسسها". كما أنها اللعبة الوحيدة في الصعيد التي إذا توفي أحد المتبارزين أثناءها، لا يكون له "دية أو ثأر" وفق العادات المحلية.