يحمل كل منهم عصاه بفخر وفتونة، ويذهب في صباح كل يوم جمعة إلى مدينة المنيا، غير عابئ بالمسافات البعيدة ولا التكاليف الباهظة، رغم تخطيه الستينيات أو السبعينيات من عمره؛ ليمارس لعبة التحطيب التي ملكت عليه نفسه حتى بات ينتظر وقت فراغه ليمارسها. يمارس أهالي الصعيد بالمنيا لعبة التحطيب أو «غية الرجل» كما يسمونها، على الأرض دون ركوب الخيل، قبل صلاة الجمعة على كورنيش النيل وبالتحديد أمام مسجد «سيدي أحمد الفولي»، أمام أكبر جمع من الناس، حيث يلتقي الرجال كل منهم بالعصا وجلبابه البسيط، ويبدأون يومهم بالسلام والتعارف فيما بينهم. وقبل انطلاق اللعبة يفترش الحاضرون الأرض بمفارش مصنوعة من البلاستيك، ويختارون اثنين لبدء اللعبة على دقات الطبلة الموحدة، وغالبًا ما يكون اللعب نوعًا من التدريب حتى يتعلم الحاضرون الحركات المختلفة، دون الوصول إلى القوة المفرطة التي لا تكون إلَّا في الأفراح والمسابقات الرسمية. ويستعرض كل مشارك في اللعبة حركاته المختلفة بالعصا أمام منافسه؛ لإثبات أنه الأقوى من خلال حركات يقدمها بشكل سريع، وإذا لم يتفاداها الخصم يصبح مهزومًا، وسط حرص كل منهما على سلامة الآخر. تهدف لعبة التحطيب في الأصل إلى لمّ الشمل بين أبناء القرى المختلفة قبل أن تكون منافسة، وتمثل «قوة الصعيد» والدفاع عن النفس، كما تعد أحب الألعاب الشعبية للأبناء، وتنظم لها مسابقات على مستوى المحافظة أو مستوى محافظات الصعيد. التحطيب تراث يتعلمه أبناء الصعيد منذ طفولتهم على يد الآباء والأجداد، الذين يسعون لتوريثه جيلًا بعد جيل، حتى صار يمثل لهم قيمة وتراثًا شعبيًّا يجب الحفاظ عليه، ف«مسكة العصا» لها أصول وقواعد، تعتمد أحيانًا على الذكاء والحصافة، والدوران حول الخصم بحساب دقيق من حيث الوقت والمسافة، وعدد اللفات أثناء الدوران، وحتى أصوات تقارع العصي ربما ثمثل إيقاعًا منغومًا يتناسق مع صوت الطبلة أو المزمار دون نشاز. ويعد التحطيب من الألعاب التاريخية، حيث كان القدماء المصريين يمارسون ألعابًا مشابهة، باستخدام سيقان أوراق البردي، ويتعلمون بها الحركات المختلفة، إلى أن تحولت فيما بعد العصا إلى وسيلة للدفاع عن النفس في العشرينيات من القرن الماضي، وظهر ما يسمى ب«الفتوة» الذي يدافع عن كل منطقة. وفي الخمسينيات من القرن الماضي بعد ثورة 1952، بدأ عدد كبير من أبناء الصعيد، في تطوير استخدام العصا، وتحويلها إلى لعبة لها قواعد وأصول لا يمكن تخطيها، وانتشرت بين للكبار كنوع من الأصالة والعراقة، حيث تمارس على الأرض في حالة المسابقات، ولكن يمارسها البعض أثناء ركوبهم الخيل أثناء الأفراح كنوع من التفاخر والدعابة وليس للفوز.