"شخصان يتبارزان على أنغام الربابة والمزمار"، مشهد متكرر يوميًا، خلال فعاليات مولد أبو الحجاج الأقصري، للعبة "التحطيب"، أو الرقص بالعصا، هذه اللعبة الشعبية المعروفة في أنحاء مصر، إلا أنها تنتشر بكثرة في محافظات الصعيد، حيث يولع بها أبناء الجنوب، ويبحث عنها الهواة والمحترفون في الموالد أو الأفراح، ويذهبون وراءها في أي مكان لإشباع رغبتهم في ممارستها. ويعد "التحطيب" من أهم ملامح الاحتفال بمولد أبو الحجاج، حيث تواصلت احتفالات مواطني محافظة الأقصر السنوية بالمولد، والذي يختتم فعالياته ليلة اليوم الأحد، والتي يشهدها الآلاف من أبناء الأقصروالمحافظات المجاورة لها. وأقيمت بساحة ميدان أبو الحجاج وسط مدينة الأقصر خلال اليومين الماضيين، حلقات دائرية متفرقة بالمدينة لممارسة لعبة التحطيب بين الرجال احتفالا بالمولد في تقليد سنوي يعد واحدًا من أهم مظاهر الاحتفال بمولد سيدي أبو الحجاج الأقصري. ويكون المشاركون في التحطيب دائرة كبيرة، يتسابق فيها هواة ومحترفي التحطيب من مختلف الأعمار، على أنغام الربابة والمزمار البلدي، ويقوم كل لاعب في مواجهة آخر في مبارزة بالعصا، وحولهما دائرة من المشجعين يتابعون حركاتهما بدقة، وينتظرون اللحظة التي يستطيع أحدهما إسقاط العصا من يد الآخر، حتى يعلنوا فوزه، والاحتفاء به. وقال على عثمان، أحد لاعبي العصا في ميدان أبوالحجاج، إن التحطيب لعبة رائجة في الموالد، في الصعيد بشكل خاص، حيث يعد من التراث الذي يتوارثه الأجيال على مر العصور، ويحرص العشرات من كبار السن والشباب على ممارسة اللعبة بالميدان، واستعراض المهارات. وتعود لعبة التحطيب إلى عصر الفراعنة، وهي من الألعاب التي تشجع على الفروسية والمهارة في القتال، فهي ليست كما يظن البعض، تقتصر على مجرد الإمساك بالعصا والوقوف أمام الخصم لمبارزته، بل لها قواعدها وأصولها الصارمة، التي لا بد من تعلمها جيدًا قبل حمل العصا. وقال محمود الدسوقي، الباحث في التراث الصعيدي، إن لعبة العصا (التحطيب) لعبة قديمة يرجع تاريخها إلى الفراعنة والدليل على ذلك وجودها في النقوش على جدران المعابد، فقد اكتشف علماء الآثار صورًا كثيرة تعبر عن أشخاص يتبارزون بالعصي كرياضة، لكن العصا التي استخدمها قدماء المصريين كانت مصنوعة من نبات البردي المعجون حتى لا تكون مؤذية، إلا أن مثيلتها التي استخدمت في مراحل أخرى متأخرة من التاريخ وحتى الآن أكثر صلابة.