حينما قررت الكتابة عن (أبى إسحاق الحوينى) أخذت عهدًا ألا أكتب سطرًا إلا مما كتبته الجماعات السلفية، أو قاله تلاميذه عنه، لأننى أعرف أنهم يعتبرونه محدث مصر، والولوغ فى لحم عالم الزمان سيكون مسمومًا. صدقونى هم فقط الذين أكلوا لحمه على كل الموائد، وولغوا فيه حتى بلغوا إلى عظامه، والمجموع النهائى لبحثى المفصل فى كل مواقع التيارات السلفية، مثل الجامية، أو المدخلية، أو السلفية الجهادية ذاتها، فى النهاية، أنه حرورى (نسبة إلى التيار الحرورى بالسعودية)، مرجئ (نسبة إلى فرقة المرجئة)، (ضال ومضل)، (قطبى فى ثوب سلفى). يقول عنه تلاميذه فى ترجمته، إن الشيخ حجازى محمد يوسف شريف، دخل المدرسةَ الابتدائية الحكومية غير الأزهرية بقريةٍ مجاوِرة (الوزارية)، تبعد حوالى 2 كم عن حوين، فأمضى فيها ست سنوات، وانتقل إلى المرحلة الإعدادية فى مدينة كفر الشيخ بمدرسة الشهيد حمدى الإعدادية. فى الصف الأول الإعدادى بدأَ كتابة الشعر، ومنها إلى المرحلة الثانوية بالقسم العلمى بمدرسةِ الشهيد رياض الثانوية. عاش الشيخ حجازى فى شقة إيجار بالمدينة، وكان شقيقه الأكبر ينفق عليه، وبعدَ إنهاء الدراسة الثانوية حدثَ جدال حول أيِّ الكليات يدخل، فتردد حتى استقر فى قسم اللغة الإسبانية بكلية الألسن بجامعة عينِ شمسٍ بالقاهرة، وكانَ يريد أن يصبح عضوًا فى مجمع اللغة الإسبانى، وسافر بالفعل إلى إسبانيا، لكنه رجع لعدم حبه البلد هناك. كان والده متزوجا بثلاث (كان أبو إسحاق من الأخيرة وكان الأوسط -الثالث- بين الأبناء الذكور الخمسة)، وكان متدينا كحال عامة القرويين. إلى هنا لم يختلف الحوينى عن أى شاب فى نفس سنه، إلا أنهم ذكروا أنه تدين فى مقتبل شبابه، وذهب إلى الأردن ليجلس إلى الشيخ الألبانى وعاد بعد حوالى 6 أشهر، ولم يذكروا كيف تتلمذ على يديه. حجازى عاد من الأردن، وألق على نفسه كنية «أبى إسحاق الحوينى»، وإسحاق هذا ليس بابنه، إنما حاول أن يتشبه بالصحابى سعد ابن أبى وقاص، الذى كانت كنيته أبا إسحاق، وهذه عادة قيادات الجماعات الإسلامية، فكلهم يتكنون بكنى وأسماء كبار الصحابة، على سبيل المثال أبو سليمان، وهى كنية خالد بن الوليد، وأما الحوينى فهى نسبة لقريته حوين. لم تكتمل إلى هذه اللحظة صناعة الشيخ حجازى، فهو يحتاج إلى الشيء الذى يتفرد به، وقد كان ذكيًا إلى حد كبير، فالمتخصصون فى الفقه وأصوله وما أكثرهم، وفى علوم التفسير والقرآن ما أبلغهم، إلا أن المتخصصين فى الحديث هم قلة، رغم أن هذا العلم هو من أسهل العلوم، وله مفاتيح معروفة، سواء فى قسميه الدراية أو الرواية، وإذا تمت مذاكرة هذه المفاتيح، تم الإلمام به بيسر وسهولة، وهذا كان سهلاً جداً على الحوينى الذى يتميز بسرعة الحفظ. أنا أعرف شابًا صغيرًا وهو رجب حسن، كان يتميز بذات الميزة، يحفظ كتب الحديث كلها بالسند والمتن، وكان يسمعنا كتاب بلوغ المرام، أو رياض الصالحين، أو صحيح مسلم بالكامل، وأعطاه هذا تفردًا كبيرًا، جعلهم فيما بعد ينصبونه أميرًا للجماعة بالمنيا. الحوينى حفظ كتب الأحاديث، وذاكر جيدًا (علم الرجال)، ومع قليل من البراعة فى الخطابة وإلقاء الدروس نجح أن يكون متفردًا، فمن حجازى أصبح أبو إسحاق، ومن كلية الألسن إلى حفظ الحديث، ومن الإسبانية تخصص بعلم الرجال. صدقونى هناك جملة شهيرة يرددها شباب السلفيين دون أن يدققوا فى مدى صحتها، وهى أن الألبانى حينما زار مصر قال: لقد زرت مصر وخرجت منها فما وجدت أعلم من أبى إسحاق الحوينى! شباب المدرسة السلفية الإسكندرانية يرددون جملة شبيهة أن الشيخ بن باز حينما زار مصر قال، دخلت مصر وخرجت منها فما وجدت أعلم من محمد إسماعيل المقدم! فى مدونة لله ثم للإسلام، التابعة للتيار السلفى المدخلى، بحث بعنوان «أبو إسحاق الحوينى وأصوله الحرورية»، ذكروا فيه بعضًا من سيرة الرجل، ومنها: أن تلاميذ الحوينى يذكرون أن الألبانى قال ليس لى تلاميذ، لكن الحوينى تلميذى، رغم أنه عندما قدم الشيخ الألبانى لمصر، وألقى محاضرة فى المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بعابدين، حاول الحوينى أن يقابله لكنه رحل ولم يقابله، فكيف يكون تلميذه إذن؟ يذكر تلاميذ الحوينى أنه كان قد نشر له كتاب «فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب»، وكان الشيخ الألبانى يقول: ليس لى تلاميذ (أي: على طريقته فى التخريج والنقد)، فلمّا قرأ الكتاب قال: نعم (أي: هذا تلميذه)، يقول صاحب المدونة، لم أجد مصدرًا لهذا الكلام، ولم يذكر أحد دليل على هذا الكلام، لأنه سافر إلى الشيخ الألبانى فى الأردن أوائل المحرم سنة 1407ه، وكان معه لمدة شهر تقريبًا، فكيف يكون تلميذًا نجيبًا له لشهر فقط قضاه معه، وقد قابله مرة أخرى فى موسم الحج فى الأراضى المقدسة سنة 1410ه، وكانت أوّل حجة لأبى إسحاق، وآخر حجة للشيخ الألبانى، فعلى هذا فإنه لم يلق الشيخ الألبانى إلا مرتين سجل لقاءاته وأسئلته فيهما على أشرطة كاسيت، ونشرت هذه اللقاءات باسم «مسائل أبى إسحاق الحوينيّ»، وهاتفه بضع مرات، وهذا لا يعطيه الحق أن يدعى أنه خليفة الألبانى، أو حتى تلميذه النجيب، أو يجيز له الفتيا، والكلام بعلم الحديث. هناك تسجيل على الشبكة، بسلسلة الهدى والنور، الشريط رقم 591، موقع الشيخ الألبانى، لسائل يقول للألبانى: أخبرنا بعض الإخوة فى مصر أن أبا إسحاق الحوينى يقول إن معه إجازة منكم، فهل هذا صحيح؟ وكذلك يقول بعض الإخوة إن أبا إسحاق يدعى بأنه خليفتكم فى هذا العلم - أقصد علم الحديث - مع أننا نسمع نحن فى اليمن أن الرجل الذى بعدكم فى علم الحديث، هو الشيخ مقبل بن هادى الوادعى، فما تعليقكم على هذا؟ الألبانى: هذه الدعاوى كثيرة وكثيرة جدا، وأنا لا أعتقد أن أحد الرجلين صح عنه ما تنسبوه إليهما، أما أنا فلا أقول شيئا من هذا فى أحد ما دمت حيًا، لأننى أرجو أن يكون الخلفاء من بعدى أكثر من واحد أو اثنين. الصغار والعناصر السلفية التى لا تعرف الحياة دون وجود قيم ورئيس وأمير فوق رؤوسهم، لا تعرف هذه المعلومات، لذا فقد اكتملت أسطورة الحوينى جيدًا أمامها، حتى إنهم أطلقوا على حجازى محدث العصر، بعد وفاة الألبانى. كبير الصناع فى علم الحديث هو الشيخ الألبانى، ورغم مكانته المعروفة، إلا أن الحوينى الذى يدعى أنه أخذ إجازة منه اختلف معه فى فرضية النقاب، لأن الألبانى يرى أن النقاب غير جائز، كما فى توحيد الحاكمية، حيث لا يختلف الحوينى عن سيد قطب كثيراً، وفى تكفير صدام، وحرمة الدخول لكلية الحقوق، وجواز أخذ السبايا.. إلخ من الفتاوى الحوينية الشهيرة. أبوإسحاق الحوينى ذهب وفق سيرته الذاتية المنشورة على موقعه، لمجالس الشيخ المطيعى فى بيت طلبة ماليزيا بالقرب من ميدان عبده باشا بالعباسية، فأخذ عليه شروح كلّ من: صحيح البخارى، المجموع للإمام النووى، الأشباه والنظائر للإمام السيوطى، وإحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالى، ولزم الشيخ المطيعى نحوًا من أربع سنوات حتّى توقفت دروسه، حينما تم ترحيله لبلده السودان. ما سبق أيضًا ليس دليلاً على أن الحوينى بحضوره لدروس المطيعى أصبح هو خليفته المحتمل بمصر، لأنها ليست دراسة أكاديمية، ولا توجد مقولة واحدة يثنى فيها المطيعى على الحوينى ويكلفه أن يكون عالماً فى الحديث. يقول تلاميذه أيضًا إن الشيخ تتلمذ على دروس الشيخ سيد سابق، وهذه ليست فضيلة أيضًا لأن المئات حضروا دروس الشيخ سيد سابق بالمعادى. يستكملون المديح له فيقولون، إنه أخذ على بعض شيوخ الأعمدة فى الجامع الأزهر، فى أصول الفقه واللغة والقراءات، ولكن ليس كثيرًا.. وأخذ بعض قراءة ورش على خاله (بعض قراءة ورش!!). بمثل هذه الكلمات الكاذبة التى رددها أتباع حجازى بكفر الشيخ، اكتملت صناعته كعالم بارع فى علم الحديث، الذى لا يستطيع أن يتخصص أو يفهم فيه أحد من البسطاء، وبمجموعة من الكتب البسيطة ضحك الحوينى على البسطاء.. لاحظوا بعض العناوين (تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد - الثمر الدانى فى الذب عن الألبانى – النافلة فى الأحاديث الضعيفة والباطلة - تسلية الكظيم بتخريج أحاديث تفسير القرآن العظيم - نهى الصحبة عن النزول بالركبة).. وغيرها من عشرات الكتب التى باعها وتكسب من ورائها. أنا أعرف اثنين سأحتفظ بذكر اسميهما (ن. ش) من المنيا، كان سلفيًا متخصصًا فى الحديث أيضًا، لما سألته كيف يعمل بمكتبات سلفية بالسعودية، ويقوم بتخريج الأحاديث، وتصنيفها كضعيف، وحسن، وحسن لغيره، وصحيح، قال: الآن الأمور بسيطة، كله بالكمبيوتر، وهناك برامج إلكترونية تقوم بتلك العملية بسهولة. الثانى هو (ع. ح) من الفيوم، كان يؤلف كتابًا فى تحريم الدجاج الأبيض، ولما استفسرت منه، علمت أنه يقوم بتجميع وتخريج الأحاديث ببرامج إلكترونية. المهم اكتملت صناعة الحوينى، وبلغ الرجل مرتبة عظيمة، جعلت حوالى 6000 يتظاهرون أمام محكمة كفر الشيخ يطالبون بالإفراج عنه بعد القضية التى رفعها ضده، الشيخ على جمعة. عشرات بل قل مئات من الفتاوى أطلقها الحوينى، استمات فيها للدفاع عن العمليات الانتحارية، وتحريم شم النسيم وشراء البيض وبيع الفسيخ، دافع فيها عن إرضاع الكبير، وحرم فيها رواتب العاملين بمصلحة الضرائب، وقال عنها حرام فى حرام، وحتى الموكيت قال إنه حرام على الحائط، والاقتراض من البنوك «مصيبة سودا»، وقيادة المرأة المسلمة للسيارة أقل درجاتها الكراهة، وحل فيها مشكلة الفقر بالغزوات وأخذ السبايا، اقرأوا ماذا يقول: «هو إحنا الفقر اللى إحنا فيه إلا بسبب ترك الجهاد، مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة أو اتنين أو تلاتة، مش كان هيسلم ناس كتير فى الأرض واللى يرفض هذه الدعوة، ويحول بيننا وبين دعوة الناس مش كنا نقاتلهم وناخدهم أسرى، ونأخذ أموالهم وأولادهم ونساءهم، وكل دى عبارة عن فلوس». الآن الحوينى فى قطر، يحاضر فى مسجدها الكبير، بحجة العلاج سافر إلى الدوحة، وأفردت له الجزيرة حلقات أسبوعية على هوائها، بعد أن أغلقت قناته الحكمة، التى أقامها من أموال المتبرعين، ولا يزال هناك يمارس دوره، ويستكمل تمثيل دور كبير صناع علم الحديث بمصر. الحوينى يقول «الصحفيون مشكلة لا يتحركون بمبدأ على الإطلاق معندهمش مبادئ، اوع تاخد قيمة من واحد صحفى لأنه معندوش مبدأ على الإطلاق»، لكن إن اعتبرتنى صحفًيا فكل ما كتبته ليس كلامى، وكل ما نقلته عنك هو من المقربين من تلاميذك، الذين قالوا عنك أيضًا إن القاهرة لا يوجد بها عشرة علماء يعتد بهم غيرك، وهما جهال لا يعرفون أنك (بياع كلام).