رئيس جامعة المنوفية يستقبل الأنبا بنيامين مطران المنوفية للتهنئة بعيد الأضحى المبارك    الإجازات الرسمية المقبلة في 2025.. إليك القائمة الكاملة    قفزة جديدة في سعر الفضة اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    رئيس الوزراء يستعرض الفرص الاستثمارية بقطاعي السياحة والآثار    نائب رئيس حزب المؤتمر: الاستيلاء على السفينة مادلين قرصنة دولية وجريمة ضد الإنسانية    أوكرانيا تستعد لتجنيد من بلغوا 18 عامًا    تفاصيل مطالبة الرئيس الأوكراني للغرب بالرد على روسيا بعد الهجوم العنيف على كييف    ترامب: لوس أنجلوس كادت أن تحترق "بالكامل" لولا إرسال قوات أمنية    تشكيل الإمارات الرسمي لمواجهة قيرغيزستان في تصفيات كأس العالم    ظهرت الآن.. اعرف نتيجة سنوات النقل بمحافظة القاهرة 2025    استعلام مخالفات المرور 2025.. دليلك الشامل للخطوات والأسعار برقم السيارة    السكة الحديد: قطارات إضافية لتسهيل عودة المسافرين بعد عيد الأضحى    المشروع X لكريم عبد العزيز يحصد 90 مليون جنيه خلال إجازة عيد الأضحى    محافظ الغربية: تقديم 56 ألف خدمة طبية خلال إجازة عيد الأضحى    3 شهداء ومصابون في قصف الاحتلال خيمة تؤوي نازحين بمواصي خان يونس    سوريا.. ضبط أسلحة واعتقال خارجين عن القانون بريف حمص    تنفيذ خطوط مياه شرب وصرف رئيسية وشبكات ومحطة محولات كهرباء وطرق بالعبور الجديدة    شروط جديدة لاستحقاق خدمات التأمين الصحي وعقوبة الحصول عليها بالمخالفة؟    البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية روما    بعد صدور التعديلات رسميا، تعرف على شكل النظام الانتخابي الجديد    آخر مستجدات جهود تجديد الخطاب الديني وتحسين أحوال الأئمة وتأهيلهم تنفيذًا لتوجيهات السيسي    عروض فلكلورية في احتفالات قصور الثقافة بعيد الأضحى في السويس    معجزة الأهرامات الخالدة في العدد الجديد من مجلة "مصر المحروسة"    التضامن الاجتماعي: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغا في مختلف المحافظات خلال شهر مايو    البورصة تربح 21 مليار جنيه في ختام تعاملات أولى جلساتها عقب انتهاء إجازة العيد    الحكومة تجهز فرصا استثمارية في القطاع الصحي للسنوات العشر المقبلة    "نادي حياتي".. هويسن يتحدث عن طموحاته مع ريال مدريد    المؤبد ل 8 متهمين لشروعهم في قتل شخصين بالقليوبية    مجهول يقتل شابا بالرصاص بمحطة سكة حديد جرجا في سوهاج    الزمالك يخطط لضم مدافع فاركو    محافظ الفيوم: إزالة 19 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية خلال إجازة العيد    كل أخبار العين الإماراتي فى كأس العالم للأندية على اليوم السابع    وجبات غذائية خاصة لبعثة الأهلي لمواجهة الرطوبة في ميامي    أسماء جلال تتصدر الترند في حفل زفاف أمينة خليل باليونان | صور    نوال الزغبي تحضر مفأجاة لجمهورها في باريس    ماجد الكدواني ضيف معتز التوني في برنامج فضفضت أوي..غدا    «هنو» يتفقد قصر ثقافة الفيوم للوقوف على مراحل تنفيذ مشروع التطوير ورفع الكفاءة    امتحانات الثانوية العامة 2025.. استمرار قبول الاعتذارات للخميس المقبل    ضبط المتهم بإصابة شاب وتلميذ بطلقات نارية في حفل زفاف بقنا    الحكومة تستعد للإعلان عن القضاء على مرض الجذام    الحكومة تجهز فرصًا استثمارية في القطاع الصحي للسنوات العشر المقبلة    مستشفى القلب بجامعة أسيوط يستقبل 1856 حالة خلال شهر    «الإفتاء» توضح حكم الزواج من ذوي الهمم وأصحاب القصور الذهني    وزير المالية ل الجمارك: العمل على راحة الحجاج.. وأولوية خاصة لكبار السن والحالات المرضية    المأذونين عبر تليفزيون اليوم السابع: زواج شاب "داون" من فتاة يجوز شرعاً    الحكومة اليابانية تطرح 200 ألف طن إضافية من مخزون الأرز لكبح جماح الأسعار    الأطباء: نتابع واقعة عيادة قوص ونناشد تحري الدقة في تناول المعلومات    شيكابالا لإدارة الزمالك: لن أعتزل والفريق سيعانى فى غيابى (فيديو)    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    "بطريقة طريفة".. لاعبو الأهلي يرحبون بزيزو (فيديو)    إمام عاشور: الأهلي غيّرني    وزيرة إسبانية تدين اختطاف السفينة مادلين : يتطلب رد أوروبى حازم    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    "خسارة للأهلي".. نتائج مباريات الإثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب: القرآن في مصر "4".. متى تدخل مصر عصر التغني بالقرآن؟
نشر في البوابة يوم 09 - 06 - 2016

تعجب البعض من الدعوة إلى ضرورة وجود تفسير تاريخى اجتماعى للقرآن الكريم، ربما لأنهم لم يتعودوا من الأساس على الاقتراب من كتاب الله الأعظم إلا بشروط موضوعة سلفًا.
تعجب البعض من الدعوة إلى ضرورة وجود تفسير تاريخى اجتماعى للقرآن الكريم، ربما لأنهم لم يتعودوا من الأساس على الاقتراب من كتاب الله الأعظم إلا بشروط موضوعة سلفًا.
الغريب أن من يمكن اعتبارهم كهنة القرآن يتجرأون عليه، ويحولونه إلى كتاب كيمياء عندما يريدون، وكتاب فيزياء عندما يرغبون، وكتاب سياسة عندما يحتاجون، وكتاب جغرافيا عندما يقررون، وكتاب تاريخ عندما يتآمرون.
وإذا فكر أحد من خارج دائرتهم أن يدخل مدخلًا مختلفًا للتعامل مع النص المقدس، يخرجون عليه بالتكفير والإقصاء والإبعاد، والنماذج كثيرة ومتكررة فى تاريخنا الإسلامى كله.
سأعود بكم مرة أخرى إلى عدد الهلال التاريخى – صدر فى ديسمبر 1970 – وإلى افتتاحية العدد التى كتبها رجاء النقاش، لأنها ستفتح لى معكم بابًا جديدًا.
كان يتحدث عن العقبات الشكلية التى تحول دون إقامة علاقة أكثر عمقًا بين القرآن والأجيال الجديدة، ثم انتقل إلى ما اعتبره عقبات أخرى أعقد وأبعد.
يقول والكلام نصًا: «ما زالت المؤسسات الدينية عندنا ترفض إلى أبعد الحدود الاعتراف بوسائل التأثير العصرية، مثل السينما والمسرح والموسيقى والرسم والإذاعة والتليفزيون، وإذا نظرنا إلى رجال الدين فى الغرب وجدنا أنهم توسعوا فى الاستفادة من هذه الوسائل إلى أبعد الحدود، فقد امتلأت الكنائس الغربية باللوحات الفنية الرائعة، بل إن هناك مدرسة دينية فذة فى الفنون التشكيلية، وهناك آلاف اللوحات والتماثيل الرائعة فى الغرب مستمدة كلها من المسيحية، كما توسعت فى استخدام الموسيقى، وبذلك أصبحت الكنيسة مكانًا مشرقًا بجوه الروحى، حيث يساعد الفن بوسائله المختلفة على تعميق هذا الجو بصورة رائعة».
يرصد النقاش أن السينما والمسرح أتيح لهما أن يعتمدا على الكثير من الإنجيل والعهد القديم بصورة واسعة رحبة، بل لقد ظهر فى السينما الغربية فيلم طويل هو فيلم الإنجيل، ومهما قيل عن هذا الفيلم وعن أخطائه، فالمحاولة جريئة، وهى محاولة لم تلق أى اعتراض من السلطات الدينية فى الغرب.
فى الغرب، كما يرى النقاش، كتب تصدر للأطفال الصغار فيها الكثير من الرسومات والصور التى توضح قصص الإنجيل وتضيئها وتبسطها لهؤلاء الأطفال وهى كتب رائعة وعظيمة ومؤثرة.
الواقع كان عندنا مؤلمًا ولا يزال بالطبع، يقول عنه النقاش – والكلام لا يزال صالحًا بالطبع: عندنا نجد فاصلا قاسيًا بين المسرح والسينما وبين القرآن وقصصه، بل إننا نجد حربًا على أى اقتراب بين القرآن والموسيقى أو فن التصوير والرسم.
وحتى تتأكد الفكرة يقول: هنا فى مصر نتردد فى أى جهد من هذا النوع يجعل القرآن قريبًا من الإنسان والقلب الإنسانى، ويجعل القرآن واضحًا كل الوضوح فى ضوء العصر الحديث، وما يمتلئ به هذا العصر من أفكار وفنون جديدة.
يصل النقاش إلى مراده النهائى، يقول: «الحقيقة أن هذا الموقف يجب أن يتغير، ومثل هذه القيود يجب أن تزول، ولا بد من عقد اجتماعات واسعة بين رجال الدين ورجال الفن والثقافة، حتى يتم الوصول إلى حل لا يتعارض مع المبادئ الدينية، بل يخدمها ويساعدها على أن تمد جذروها فى أعمق أعماق الضمير والوجدان».
طرح النقاش ما طرحه على استحياء شديد، يقدم قدمًا ويؤخر أخرى، لم يكن يعرف أن رجال الدين لا يملكون الكلمة الأخيرة، ولكن التطور التكنولوجى سيكون عاملًا مساعدًا، لعبور كل الحواجز، وليته كان حيًا ليرى هذا المشهد الذى تجاوز الكثير من أحلامه.
مقطع فيديو لقيط يعرض خلال ثلاث دقائق وثلاثين ثانية فقط لمطرب أوبرالى يغنى بعض آيات من القرآن الكريم، تحديدًا الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» .
خلف هذا المطرب تقف أوركسترا كاملة، ومايسترو يقود العمل بتركيز شديد، وبعد أن ينتهى من الغناء يقابل تصفيقًا هائلًا من الموجودين الذين يتجاوز عددهم المئات، ولا يخرج من المسرح إلا بعد أن يقدم له أحدهم بوكيه ورد.
المقطع لقيط؛ لأنه لا أحد على وجه القطع يستطيع أن يقول لنا شيئا عن اسم هذه الفرقة، ولا عن اسم هذا المطرب، ولا متى كانت هذه الحفلة من الأساس.
المعلومة الوحيدة التى حصلت عليها وأنا أفتش عن أصل هذا المقطع كانت منشورة فى مدونة منسوبة لسمير الجنيد، ولا تسألنى كثيرا عنه لأن سيرته الذاتية الموجودة على مدونته لا توجد فيها أى معلومات عنه، ثم إن الجنيد نفسه ليس موضوعنا.
يقول عما جرى: ظهر مقطع فيديو يعرض فرقة أوبرا إندونيسية تقوم بأداء مقطوعة موسيقية بدأت ب «بسم الله الرحمن الرحيم»، وتليه مباشرة آيات من القرآن الكريم من سورة الحجرات، ابتداءً من الآية الثالثة عشرة منه، وكان أول ظهور لهذا المقطع عبر قناة يوتيوب باسم Almasdar KSA، وبعد وصول عدد مشاهدات الفيديو إلى أكثر من 68 ألف مشاهدة تم حذف الفيديو دون معرفة الأسباب التى دعت لذلك.
ولكن ما إن بدأت قنوات أخرى بنشر المقطع حتى شن متدينون من إندونيسيا وخارجها هجوما على المؤدين لهذه المقطوعة، مستندين لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فإنه سيجيء أقوام من بعدى يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنه»، وقد حكم الألبانى رحمه الله على هذا الحديث بالضعف، وذلك فى ضعيف الجامع تحت رقم 1067.
توقع عدد من المعلقين على الخبر الذى نشرته إحدى الصحف الإندونيسية بأن المشايخ والمتدينين سيكون لهم ردة فعل حول ظهور هذا الفيديو، ولكن لم يقابل هذا الأمر إلا الصمت.
موقع «سى إن إن» العربى اهتم بما جرى، بحث خلفه، تحدث الموقع مع إسماعيل العطاس الذى قدمه على أنه كاتب وصحفى إندونيسى يرأس تحرير موقع «خبر» الإلكترونى.
قال لهم الغطاس إن إندونيسيا تعترف بسبع ديانات، يشكل المسلمون فيها 88 بالمائة، لكن الفكر المتسامح والليبرالى هو الغالب بينهم، وقد قامت مجموعة من المسيحيين بأداء ذلك العمل عن جهل منها بتحريم بعض المسلمين للموسيقى، واعتبار اقترانها بالآيات القرآنية يصل إلى حد إهانة الإسلام.
كشف الغطاس عن بعض تفاصيل ما جرى، فطبقًا لما قاله، غناء القرآن بهذه الصورة لم يكن لأغراض النشر، بل كان لأسباب شخصية، واتهم من وضعوا التسجيل على موقع يوتيوب بمحاولة الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين.
لم يكن لهذا الفيديو وقع يذكر فى البلاد الإسلامية خارج إندونيسيا، ومع هذا قال الغطاس إن الفيديو لم يكن له فى إندونيسيا الوقع الذى اكتسبه فى العالم العربى، بسبب تسامح الإندونيسيين، فلم ثتر أى مشكلة حوله، معللا ذلك بأنه فى الدول التى ينشغل فيها الناس بأعمالهم وإنتاجهم لا يهتم أحد بمثل هذه القضايا.
ويضيف الغطاس أن الواقعة جرت فى دار للأوبرا المسيحية التى تقرأ الإنجيل والتسابيح الخاصة بهم عن طريق الموسيقى، فقاموا بمبادرة عن حسن نية بترتيل القرآن، واختاروا آية تدل على التسامح بين الشعوب والعقائد المختلفة ظنا منهم أن ذلك يؤدى إلى التقارب بين الأديان، دون أن يكون القصد الإساءة إلى القرآن العظيم.
لم تكتف «سى إن إن» بتعليق الكاتب الإندونيسى، الذى يبدو أنه حاول الاعتذار عما جرى، فتحدث مع داعية سعودى هو خالد الشايع، وقدمه على أنه متخصص فى السنة النبوية، قال لهم الشايع: تلاوة القرآن الكريم بألحان الموسيقى والمعازف محرمة ومرفوضة بإجماع المسلمين، لما فيها من الاستخفاف بآيات القرآن، وتعريض كلام الله الكريم للسخرية والامتهان.
لم يتوقف الشايع عند هذا بل قال لا فض فوه: العلماء صرحوا بأن تلاوة القرآن على أنغام الموسيقى نوع من الكفر لما فيه من اتخاذ آيات الله هزوًا، كما أن تلحين القرآن بالموسيقى والمعازف نوع من الإلحاد فى آيات الله.
لم يأت الشايع بآية واحدة من آى القرآن تؤكد كلامه، أطلق الاتهامات بالكفر والإلحاد، ومضى دون أن يعرف أن ما قاله هو اللغو بعينه.
الغريب أن بعض المواقع الإلكترونية تعاملت مع هذا الفيديو كمجرد إفيه، عرضت المقطع دون أن تعلق، واكتفى البعض بمتابعة الموضوع على أنه علامة من علامات الساعة، وأن الرسول بشر بما جرى، ليس بالحديث الذى ضعفه الألبانى فقط، ولكن بحديث يقول نصا «إن من علامات الساعة أن يتخذ القرآن مزامير أحدهم (ليس بأقرئهم ولا أفضلهم) ليغنيهم غناء»... ثم هناك حديث آخر مسنود إلى الإمام الترمذى رضى الله عنه يقول الرسول فيه «اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق، فإنه سيجىء بعدى أقوام يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم».
لا يمكن أن يكون هذا حديثًا صحيحًا على الإطلاق، فلغته عنصرية، ومضمونه لا يمكن أن يكون معبرا عن رسول يدعو إلى المساواة ولا يحتقر الآخرين.
ما حدث فى إندونيسيا لا يمكن أن نعتبره علامة من علامات الساعة، فربما يكون الغناء بآيات القرآن الكريم من بين أسرار هذا الكتاب المعجز، خاصة أنك عندما تستمع إلى القرآن وهو مغنى عبر مطرب أوبرالى لن تنزعج على الإطلاق، ولن تزعجك الآلات الموسيقية المصاحبة له، فما جرى أن أداء المطرب يقترب كثيرا من أداء مشاهير المقرئين المصريين، ولم يزد فقط إلا الموسيقى، بل إنه يؤدى آيات القرآن الكريم بطريقة أكثر خشوعا من كثيرين ممن يقرأون القرآن فى دول بعينها، يتعاملون مع القرآن بلا روح على الإطلاق.
لم تكن هناك صيغة محددة لإدخال الموسيقى إلى عالم القرآن، لكن هذا المقطع الذى اختفى تقريبا الآن، وضعنا وجها لوجه أمام تلحين القرآن (وهذا حديث يطول بعد ذلك)، فعلها ولم يحدث شىء، لم تخرج مظاهرات ضد ما جرى، ولم تهتز قداسة القرآن الكريم أبدا.
هل تريدون أن تعرفوا ما هو أكثر من ذلك؟.
هناك محاولات كثيرة لملحنين ومطربين مصريين حاولوا أن يغنوا القرآن الكريم، وهذا ملف كبير جدا، لكن لم يجرؤ أحد أن يفعلها.
أم كلثوم اكتفت بقراءة بعض الآيات فى فيلم سلامة، قراءة يمكن أن تنافس بحلاوتها وطلاوتها محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد، واكتفت بذلك رغم أنها كانت تحلم بغناء القرآن.
على الحجار طلب الإذن من الأزهر لتسجيل القرآن الكريم بصوته، لكنه تسجيل أيضًا ينافس به مشايخ التلاوة، أى أنه سيمنح القرآن صوته فقط، مبتعدا عن مساحة تلحين آياته وغنائها، لم يرد الأزهر على الحجار، لكن يعرف المقربون منه، أنه انتهى بالفعل من تسجيل القرآن بصوته، ويسمعه أصدقاؤه، لكن هذا التسجيل لن يظهر للنور.
لدى عديد من المطربين المصريين رغبة فى أن يغنوا القرآن، لكنهم يمتنعون عن ذلك، لأن هناك قيدًا عنيفًا يحيطون به أنفسهم بفعل فتاوى المشايخ، وهو أن ما يفكرون فيه مجرد تفكير حرام شرعًا، رغم أنه لا يوجد ولو دليل واحد على أن غناء القرآن بخلفية موسيقية يمكن أن يكون حرامًا، أو أن يقف بصاحبه على أبواب جهنم.
دع هذه الصورة جانبا، وتأمل معى مشهد غناء القرآن وتلحينه من جديد، وهنا سؤال أعتقد أنه مهم: هل غناء وتلحين القرآن بالطريقة التى أدت بها الفرقة الإندونيسية حرام؟ (يمكن أن تستمع لمقطع الفيديو عبر اليوتيوب).
ما أطمئن إليه أنه لا حرام ولا يوجد ما يغضب الله فيما جرى، فبعد أن استمع الموجودون فى قاعة المسرح لأداء المطرب الإندونيسى لآيات القرآن صفقوا بشدة، وهذا دليل على أنهم استمتعوا بالغناء وبالسماع إلى آيات القرآن مغناة.. وأعتقد أن الله لا يمكن أن يحرم شيئًا يسعد البشر.
ما الذى يمكن أن يحدث لو أن فرقة «القاهرة السيمفونى» قدمت حفلا يغنى خلاله مطرب آيات من القرآن، ووراءه الأوركسترا بكامل آلاتها الموسيقية؟.
لن يحدث شىء على الإطلاق، لن ينهدم الدين، ولن ينتقص أحد من القرآن كتاب الله المقدس شيئا، لا يوجد دليل واحد على أن هناك طريقة واحدة لأداء القرآن.. اتركوا كتاب الله يفصح لنا عن أسراره، واتركوا الناس يسعدون بكتاب ربهم على طريقتهم الخاصة.
أعرف أن هذه الفكرة تدخل الآن فى باب الخرافة، لكن أشياء كثيرة كنا نعتقد أنها لا يمكن أن تتحقق أبدا، إن كل المشايخ الذين احترفوا قراءة القرآن فى مصر لهم باع طويل فى دراسة الموسيقى وإتقانها، وتربطهم علاقات وثيقة جدا بالمطربين والمطربات، ولم ينكر أحد عليهم شيئا، ولن تكون مفاجأة لك عندما تسمع الشيخ السيد النقشبندى وهو يغنى مقطعًا لأم كلثوم.
ثم ما الذى يجعلنا نستشهد بغناء مقطع عابر، والشيخ النقشبندى رائد فى الغناء الدينى.
من بين ما يروى عن هذا الرجل الذى منحه الله الصوت الأجمل على الإطلاق، أن السادات قرر أن يلحن له أغانى دينية، رفض تماما، بل رفض أن ينتقل من مدينة طنطا إلى الإقامة فى القاهرة، وقتها قال للرئيس السادات: لن أستبدل جوار السيد البدوى بأى جوار.
لم ييأس السادات، كان يدعم هذا المشروع بقوة، وعندما دخل النقشبندى الاستديو مع وجدى الحكيم ليستمع إلى أغنية مولاى، قبل أن يسجلها، أنصت قليلا، وبعد أن سمع اللحن صرخ وقال للحكيم: بليغ حمدى ده مش بنى آدم، ده عفريت.
تخيل أن الشيخ النقشبندى نفسه كما غنى «مولاى».. وكما غنى «أقول أمتى»، أقدم على غناء بعض آيات من القرآن الكريم، هل كان سيعترض أحد؟
بالطبع كان سيعترض كثيرون، لكن التجربة كانت ستبقى، وكنا سنستقبلها استقبالا رائعا، كما استقبلنا كل ما أنتجه.
من حقك أن تعترض طريقى، وتسأل: ما الذى يستفيده المسلمون إذا ما قام مطربون بغناء آياته؟
لاحظ أننى هنا أتمنى أن يقوم مطرب أو أكثر بغنائه كله وليس بعض آياته؟
لكن دعنى أجيبك عن السؤال.
القرآن فى النهاية لا يزال يحتفظ بكثير من أسراره، ومن بين هذه الأسرار أنه يستقبل كل يوم متلقين مختلفين، لهم أذواق وثقافات محتلفة، وأعتقد أن طريقة تلقى القرآن التقليدية عبر مشايخ يؤدونه بأداء موحد، أصبحت قديمة، يحتاج القرآن إلى طرق مختلفة يقدم بها للناس، وأعتقد أن القرآن المغنّى يمكن أن يجذب إليه قطاعات عريضة من الشباب الذين لا يقتربون من القرآن على الإطلاق.
هل تريد أن تسمع ما هو أكثر، إننى أعتقد أن كثيرين من المقرئين المشاهير وغير المشاهير، لو عرض عليهم أن يقوموا بأداء القرآن غناء، فلن يترددوا أبدا، بل سيكونون سباقين إلى ذلك أكثر من غيرهم، يمنعهم بالطبع ما يعرفونه أنه راسخ لدى المشايخ وكهنة القرآن من تحريم لهذا الأداء.
لقد اقترح رجاء النقاش منذ 46 عامًا أن تدخل الموسيقى إلى عالم القرآن، دون أن يحدد الشكل الذى يريده أو يرغبه أو يتمناه، وأنا الآن أحدد بعضًا من ملامح هذا الشكل ببساطة، وأعرف أنه لن تتم الاستجابة له بسهولة، فلم نبلغ درجة من النضج تجعلنا نقفز على الحواجز بعد، لكن من قال إنه ليس من حقنا أن نحاول، على الأقل نحاول طرح الأفكار حتى ولو لم يسمعها أحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.