انتشر مقطع فيديو لقيط يعرض خلال ثلاثة دقائق وثلاثين ثانية فقط لمطرب أوبرالى يغنى بعض آيات من القرآن الكريم تحديدا الآية الثالثة عشر من سورة الحرجات " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم، إن الله عليم خبير" . خلف هذا المطرب تقف اوركسترا كاملة، ومايسترو يقود العمل بتركيز شديد، وبعد أن ينتهى من الغناء يقابل تصفيقا هائلا من الموجودين الذين يتجاوز عددهم المئات، ولا يخرج من المسرح إلا بعد أن يقدم له أحدهم بوكيه ورد. فهذا المقطع لقيط لأنه لا أحد على وجه القطع يستطيع أن يقول لنا شيئا عن اسم هذه الفرقة، ولا عن اسم هذا المطرب، ولا متى كانت هذه الحفلة من الأساس. المعلومة الوحيدة التى حصلت عليها وأنا أفتش عن أصل هذا المقطع كانت منشورة فى مدونة منسوبة لسمير الجنيد، ولا تسألنى كثيرا عنه لأن سيرته الذاتية الموجودة على مدونته لا توجد فيها أى معلومات عنه، ثم أن الجنيد نفسه ليس موضوعنا. يقول عما جرى ظهر مقطع فيديو يعرض فرقة أوبرا إندونيسية تقوم بأداء مقطوعة موسيقية بدأت ب ?بسم الله الرحمن الرحيم? وتليه مباشرة آيات من القرآن الكريم من سورة الحجرات إبتداءً من الآية الثالثة عشر منه، وكان أول ظهور لهذا المقطع عبر قناة يوتيوب بإسم Almasdar KSA وبعد وصول عدد مشاهدات الفيديو إلى أكثر من 68 ألف مشاهدة تم حذف الفيديو دون معرفة الأسباب التي دعت لذلك. ولكن ما أن بدأت قنوات أخرى بنشر المقطع حتى شن متدينون من إندونيسيا وخارجها هجوم على المؤدين لهذه المقطوعة مستندين لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنه" وقد حكم الألباني رحمه الله على هذا الحديث بالضعف وذلك في ضعيف الجامع تحت رقم 1067. ولكن قابل ظهور الفيديو وإنتشاره عدم معرفة موقع وتاريخ هذا الحدث أو اسم الفرقة المؤدية لهذه المقطوعة، وقد توقع عدد من المعلقين على الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الإندونيسية بأن المشائخ والمتدينيين سيكون لهم ردة فعل حول ظهور هذا الفيديو، ولكن لم يقابل هذا الأمر إلا الصمت. كان يمكن أن يعبر هذا الخبر كما يعبر غيره، خاصة أن المواقع الإليكترونية تعاملت معه كمجرد إفيه، عرضت المقطع دون أن تعلق، واكتفى البعض بمتابعة الموضوع على أنه علامة من علامات الساعة، وأن الرسول بشر بما جرى، ليس بالحديث الذى ضعفه الألبناى فقط، ولكن بحديث يقول نصا " إن من علامات الساعة أن يتخذ القرآن مزامير أحدهم ( ليس بأقرئهم ولا أفضلهم) ليغنيهم غناء"... ثم هناك حديث آخر مسنود إلى الإمام الترمذى رضى الله عنه يقول الرسول فيه " اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق، فإنه سيجئ بعدى أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم". لا يمكن أن يكون هذا حديثا صحيحا على الإطلاق، فلغته عنصرية ومضمونه لا يمكن أن يكون معبرا عن رسول يدعو إلى المساواة ولا يحتقر الآخرين. ما حدث فى أندونسيا ? رغم أننا لا نعرف على وجه التحديد متى جرى ? لا يمكن أن نعتبره علامة من علامات الساعة، فربما يكون الغناء بآيات القرآن الكريم من بين أسرار هذا الكتاب المعجز، خاصة أنك عندما تستمع إلى القرآن وهو مغنى عبر مطرب أوبرالى لن تنزعجك على الإطلاق، ولن تزعجك الآلات الموسيقية المصاحبة له، فما جرى أن أداء المطرب يقترب كثيرا من أداء مشاهير المقرئين المصريين، ولم يزد فقط إلا الموسيقى، بل إنه يؤدى آيات القرآن الكريم بطريقة أكثر خشوعا من كثيرين ممن يقرأون القرآن فى دول بعينها يتعاملون مع القرآن بلا روح على الإطلاق. نعرف محاولات كثيرة لملحنين ومطربين مصريين حاولوا أن يغنوا القرآن الكريم، وهذا ملف كبير جدا، لكن لم يجرؤ أحد أن يفعلها، أم كلثوم اكتفت بقراءة بعض الآيات فى فيلم سلامة، قراءة يمكن أن تنافس بحلاوتها وطلاوتها محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد، واكتفت بذلك رغم أنها كانت تحلم بغناء القرآن، على الحجار طلب الإذن من الأزهر لتسجيل القرآن الكريم بصوته، لكنه تسجيل أيضا ينافس به مشايخ التلاوة، أى أنه سيمنح القرآن صوته فقط، مبتعدا عن مساحة تلحين آياته وغناءها، لقد تراجعوا جميعا عن تحقيق حلمهم لأنهم يعرفون أن المؤسسة الدينية الرسمية والشعبية ستقلب الدنيا، كما أن منهم من امتنع عن غناء القرآن بقناعة شخصية داخلية منه أن ما سيقدم عليه حرام تماما. وهنا السؤال: وهل غناء وتلحين القرآن بالطريقة التى ادت بها الفرقة الإندونسية حرام؟ ( يمكن أن تستمع لمقطع الفيديو عبر اليوتيويب)، ما أطمئن إليه أنه لا حرام ولا يوجد ما يغضب الله فيما جرى، فبعد أن استمع الموجودون فى قاعة المسرح لأداء المطرب الأندونسيى لآيات القرآن صفقوا بشدة، دليل على أنهم استمتعوا بالغناء وبالسماع إلى آيات القرآن مغناة... وأعتقد أن الله لا يمكن ان يحركم شيئا يسعد البشر. ما الذى يمكن أن يحدث لو أن فرقة القاهرة السيمفونى قدمت حفلا يغنى خلاله مطرب آيات من القرآن ووراءه الأوركسترا بكامل آلاتها الموسيقية؟ لن يحدث شئ على الإطلاق، لن ينهدم الدين، ولن ينتقص أحد من القرآن كتاب الله المقدس شئ، لا يوجد دليل واحد على أن هناك طريقة واحدة لأداء القرآن... اتركوا كتاب الله يفسح لنا عن أسراره، واتركوا الناس يسعدون بكتاب ربهم على طريقتهم الخاصة.