سألني أحد الأصدقاء قائلاً: عندما ظهر المسيح لمريم المجدلية بعد القيامة قَالَ لَهَا: "لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ".(يو17:20) لماذا رفض أن تلمسه؟ وهل كان جسده ممنوعاً من اللمس؟ للإجابة على هذا السؤال أقول: 1 لأنه كان يريدها أن تذهب بسرعة لتخبر التلاميذ: عندما ندرس قصة القيامة سنجد أن المجدلية لمسته لأنه كما ذكرت من قبل لم يكن ممنوعاً من اللمس، فنقرأ: "وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ:"سَلاَمٌ لَكُمَا". فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ" (مت9:28). والكلام هنا عن مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى. إن الترجمة الحرفية لعبارة "لاَ تَلْمِسِينِي" هو: "لا تستمري فى اللمس" أو "توقفي عن اللمس" أو "لا تمسكيني". كما ترد في معظم الترجمات الأخرى، فهي ترد في الترجمة اليسوعية، والترجمة الحديثة: "فقال لها يسوع: لا تُمسكيني". وفي ترجمة كتاب الحياة: "لا تُمسكي بي"، تخيل أن هناك شخصاً له صديق حميم أو أخ أو ابن، وأصيب في حادث كبير، أو سقطت عليه عمارة، والكل توقع وفاته، وبعد يومين أو ثلاثة أخرجوه من تحت الأنقاض، فماذا يفعل معه؟ بلا شك يريد أن يسأله عما حدث بالضبط، وأين كان، وكيف قضى اليومين الماضيين ...الخ. وهكذا كانت المجدلية تريد أن تحكي معه عن كل ما حدث له بكل التفاصيل، وكذلك كانت تريد أن تحكي له عن مشاعرها ومشاعر العائلة والتلاميذ وما حدث لهم. في نفس الوقت كان التلاميذ في رعب شديد وإحباط ويأس، لذلك أراد المسيح أن يحثها على عدم الاستطراد في الحديث، فالأهم أن تتحرك بسرعة لتخبر التلاميذ المذعورين بأنه قام من بين الأموات لذلك أراد أن يقول لها: "لاَ تصرفي الوقت في حكاوي لا فائدة منها، الأهم اذهبي بسرعة واخبري التلاميذ بخبر القيامة". 2 أراد أن يدربها على أسلوب جديد فى العلاقة معه: كما ذكرت من قبل تخيل أن صديقاً لك تحت الأنقاض، والكل يظن أنه مات، وأنت تقف منتظر الجثة، وإذا بفرقة الإنقاذ تخرجه حياً بعد ثلاثة أيام، فماذا تفعل معه؟ لاشك أنك ستعبِّر عن فرحتك ومحبتك ولهفتك وسعادتك وعدم تصديقك، ونحن كشعب شرقي نجيد ونحب التعبير عن المشاعر لأننا شعب عاطفي بطبيعتنا، وهنا أراد المسيح أن يقول لها، إن وقت العلاقة الجسدية قد ولى وانتهى، وأن علاقته بهم من الآن ستتغير وستأخذ طابعاً جديداً فبدلاً من أن تعتمد على الحواس من نظر ولمس وسمع ستتحول إلى علاقة روحية (يو14: 18و 19و20 و 16: 20-28). والتي ستكون صلة الأجيال والعصور وإلى نهاية التاريخ، ستتحول علاقة العيان إلى علاقة إيمان، من اللمس إلى الإيقان بأمور لا تُرى، أو كما يقول الرسول بولس: "إِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ" (2كو16:5). 3 يعطيها رسالة اطمئنان: عندما ندرس قصة الصلب والقيامة سنجد أن التلاميذ كانوا في خوف شديد وقلق، وكذلك المريمات كن في رعب وهلع شديد، فيقول البشير مرقس عنهن: "فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ" (مر 16 : 8). ويسجل لنا لوقا ما قاله الملاكين للمريمات: "إِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ، قَالاَ لَهُنَّ: "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟" (لو 24 : 5). وبلا شك كانت المجدلية في رعب وخوف شديد، تخيل نفسك تذهب في الفجر والظلام باق لتضع بوكيه ورد على قبر صديق لك توفي من ثلاثة أيام فتفاجأ أنه أمامك؟؟؟ لذلك أراد المسيح أن يطمئنها فقال لها "لا تخافي" لكن ناقلي الأسفار المقدسة أخطأوا في نقل الكلمة الآرامية التي تُرجِمت "لا تلمسيني" فهي قريبة الشبه إلى كلمة "لا تخافي" فالفرق بينهما حرف واحد. ففي الآرامية التي كان يتحدث بها يسوع كلمة "لا تلمسيني" هي: "Me Aptou"، وكلمة "لا تخافي" هي: " Me ptoou". وعندما نراجع قصة ظهور المسيح للمجدلية بحسب البشير متى سنجد أنه لم يقل "لا تلمسيني" بل "لا تخافي" فنقرأ: "وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ:"سَلاَمٌ لَكُمَا". فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. 10فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: "لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي" (مت 28 : 10). فكأن المسيح أراد أن يقول لها بحسب البشير يوحنا: "لاَ تَخافي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ".(يو17:20).