سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ظاهرة التسول استفحلت في المجتمع المصري.. خبير أمني: القانون غير رادع ويجب تعديله.. أستاذ علم اجتماع: الظروف الاقتصادية وارتفاع نسب الطلاق سبب رئيسي لانتشارها
انتشرت خلال السنوات الماضية ظاهرة التسول في المجتمع المصري، واتخذ البعض من الظاهرة وظيفة ومصدر رزق يومي. الأمر الذي جعل الكثير من المجتمع المصري لا يتعاطف مع من يتسول في الشارع، فاختلط الحابل بالنابل، فالظروف الاقتصادية السيئة وعاصفة الانحطاط الأخلاقي حول الظاهرة من وصية دينية إلى لعبة إنسانية، تنتج طبقة مشردة وبيئة خصبة لنمو أوكار المخدرات والظواهر الأخلاقية المنحدرة. فهناك من يستعطف الآخرين بمرضه أو مرض أحد أبنائه ومن يستخدمون براءة الأطفال، ويضربون بها بعرض الحائط لتحوليهم إلى سلعة بخيسة الثمن، يمكن الإتجار بها لتحريك مشاعر الآخرين. "البوابة نيوز" عاشت الأزمة مع المتسولين، وحاولت معرفة أسبابها مع علماء علم الاجتماع ورجال القانون. أكدت أم أحمد، سيدة منتقبة تبلغ من العمر 50 سنة، وتجلس أمام جامعة عين شمس لتبيع المناديل، أنها تنتظر مساعدات المارة وخصوصًا الطلاب بالجامعة، الذين يتعاطفون معها، قائلة: "أنا أرملة ولدي خمس أطفال منهم طفل مريض وهي التي تصرف عليهم وكان زوجي لا يعمل ولا يوجد مصدر دخل أو معاش، وأقاربي لا يساعدونني، وأطفالي جميعهم صغار أكبرهم في المرحلة الابتدائية ولا يستطيع أي منهم أن يساعدها لذلك تلجأ إلى التسول لحاجاتها لذلك" . بينما قال عم عبد الرحيم محمد 70 سنة: "كنت أعمل أعمال حرة، فأقوم ببيع الترمس والتجول في شوارع القاهرة، وزوجت جميع أبنائي من هذه المهنة، إلا أن أصابني الله بكسر في الحوض مرتين متتاليتين، وأصبح وضعي الصحي مترديا وأبنائي الأربعة لم يستطيعوا تحمل مسئوليتي فلم يكن أمامي حل سوى التوجه إلى الشارع لمحاولة البحث عن أي مصدر رزق، لأتمكن من المعيشة، فكان الحل أن أجلس لبيع مناديل على سلم مترو شبرا الخيمة يوميًا من الصباح وحتى العشاء، وذلك نظرًا لحالتي الصحية السيئة". وطالب عم محمد، بمعاش أو تأمين صحي حتى لا يجلس لبيع المناديل في الشارع، ولكنه أصبح مضطرا لهذا لافتًا إلى أنه يقوم بتغيير أماكن تواجده لبيع المناديل نتيجة لتعرضه لكثير من المضايقات، وتواجد بعض الأشخاص الذين يعتبرون أية منطقة ملكية لهم هم ومن يعملون معهم، قائلاً: "إذا وافقت على ذلك سوف أدفع معظم ما أكسبه من أموال لهؤلاء الأشخاص، الذين يعتبرون بيع المناديل تجارة ويستغلون في ذلك أطفال ونساء ترتدى النقاب" وقال محمد، طفل عمره 10 سنوات: "لا أعلم شيئا عن سبب تواجدي بالشارع، ولا أدري لماذا أعمل بالشارع يوميًا سوى أن والدتي تقوم بتوجهي، بأن أذهب للمارة أمام جامعة القاهرة وخاصة البنات لأنهم يتعاطفون مع حالتي، ووضعي كطفل، وإذا رفضوا استمر في الإلحاح عليهم حتى يحصل على أي شىء أموال أو طعام". وأكد محمد أن والده يجلس في المنزل بلا عمل وهو بكامل صحته، ولكنه يتعاطى المخدرات ويصرف جميع ماله على شرائها ولا يضع أولاده ضمن أولوياته لذلك يضطر للتسول لأنه أكبر أخوته، وتقوم والدته ببيع المناديل، وذلك ليتمكنوا من المعيشة هو ووالدته وأخوته. وأضاف محمد: "طلبت من والدتي أن أذهب لأى من المحال أو الورش التي تحتاج لصبى يعمل لديهم حتى أتمكن من تأمين مصدر رزقي بصفة دائمة، ولكنها رفضت، معللة ذلك بأن هذا سوف يتعبني أكثر، وأن ما أقوم به أيسر وأسهل له، والعائد المادي الذي سأحصل عليه إذا عملت في ورشة أو محل لا يكون مناسب ويكون أقل بكثير مما سأحصل عليه من المارة أمام الجامعة". من جانبه أكد اللواء رفعت عبد الحميد، أستاذ العلوم الجنائية والخبير الأمني، أن انتشار ظاهرة التسول ترجع إلى تراجع النصوص الواردة في قانون العقوبات المصري الذي تم وضعه منذ عام 1960، ولم يتم تعديله سوى تعديلات بسيطة، لا فتًا إلى أنه لا يتناسب مع ما يحدث الآن، مما حول التسول إلى ظاهرة إجرامية، وليست مجرد صدقة لمحتاج. وأشار عبدالحميد إلى مهنة التسول سهلة للحصول على المال بادعاء الحاجة للنقود باستغلال الجانب العاطفي للشعب المصري، مؤكدًا أن السيدات والأطفال قد تفوق على الرجال في تلك القضية، حتى أصبحت وجوههم مألوفة في بعض المناطق وهو أمر مؤسف خاصة أن العقوبة في ذلك تكون بسيطة، فتقتصر على الجنح، وعقوبتها الحبس شهر وغرامة مالية، ولقلة العقوبة يستغل العديد من النساء الأطفال في التسول وتحويل حياتهم للضياع. وطالب أستاذ العلوم الجنائية والخبير الأمني، بتشديد العقوبة على هؤلاء السيدات ودور الرعاية والأيتام المسئولة عن هؤلاء الأطفال، موضحًا أن مسئولية تلك الظاهرة تقع على عاتق مؤسسات الدفاع الاجتماعي التابعة لوزارة التضامن والتي لا تهتم بهذا الأمر على الرغم من ضرورة قيامهم بحملات توعية على ذلك. بينما قال طه أبو الحسين، أستاذ الاجتماع بكلية التربية جامعة الأزهرإن ظاهرة التسول من الظواهر التي تسود جميع شعوب الأرض الغنية، منها والفقيرة ولكنها توجد في مصر بنسبة كبيرة، موضحًا أن لها مرجعية مركبة أحدهما تربوية أخلاقية والأخري تعتمد على الظروف الاقتصادية، حيث أدى انتشار البطالة والفقر وارتفاع الأسعار إلى لجوء هؤلاء الأفراد إلى الطريق الأسهل للحصول على مصدر رزقهم ألا وهو التسول في الطرقات. وأوضح أبو الحسين، أن ارتفاع حالات نسب الطلاق في المجتمع المصري، وعدم توافر الجو الأسري الملائم يدفع الأطفال إلى الخروج من المنزل واللجوء إلى الشارع هربًا من تلك المشاكل وهو الضلع الأهم والمؤثر في انتشار ظاهرة التسول، مشيرًا إلى أنه يترتب عليه عدة ظواهر أكثر خطورة وعلى رأسها أبناء السفاح وبيع المخدرات وتجارة الأعضاء، حيث يرى تجار الأعضاء في المتسولين لقمة سائغه لبيع أعضائهم مقابل بعض المال. وأشار أستاذ الاجتماع بكلية التربية جامعة الأزهر، إلى أن تضخم المشكلة يرجع إلى إهمال الدولة لحل تلك الأزمة فقديما كانت الدولة تنفق على هؤلاء وتضعهم تحت رعاية المؤسسات الرسمية، بينما الآن لم تلق لهم الاهتمام اللازم على الرغم من ضرورة تضيق الدولة على هؤلاء لعدم توسع الظاهرة أكثر مما هي عليه الآن. وطالب أبو الحسين أنه لابد من خضوعهم للفحص الأمني والاجتماعي ووضعهم تحت نصب أعينهم، مضيفا أن هناك جانبا كبيرا يقع على عاتق المجتمع نفسه فتقديمه للمساعدة لهم يشجعهم على الاستمرار في التسول كسبيل سهل للمعيشة أو ربما لتكوين ثروات في بعض الأحيان.