لاتزال موالد دراويش الصوفية خارج نطاق الحسابات، ففى الوقت الذى ضرب فيه التوتر قلب القاهرة خلال الأسابيع الماضية، والذى كان متوقعًا معه أن ينعكس ذلك على مولد السيدة زينب، فيؤثر أحبابها السلامة، ويكتفون بالدعاء وقراءة الفاتحة من موقعهم، إلا أن العكس تمامًا ما حدث، فالإعداد تزايدت عن الأعوام الماضية، والمولد الذى سيشهد احتفالية ليلته الكبيرة اليوم الثلاثاء، كان قد امتلأت أحشاؤه قبل أسبوعين بمئات المحبين، ولسان حالهم يقول «إذا ضاقت عليكم الحال.. ففروا إلى مولد السيدة زينب». إذا كنت أحد الزاحفين من بقعة بعيدة إلى مولد السيدة زينب، فأنت تعلم قبلتك، ومعك المئات غيرك، كل محمل بقدر استطاعته، حتى لو كسرات خبز وفول نابت كى يتقربوا بتوزيعها على الفقراء إلى الله فى مولد السيدة، أما إذا كنت أحد المارين بالصدفة أو مرتادى مترو الأنفاق، فبمجرد خروجك من المحطة، والتى تبعد عن المسجد عشرات الأمتار، ستخبرك «المراجيح» والألعاب المختلفة، والأضواء، وبائعو الحمص، أن ثمة أمرًا مختلفًا، وأن المنطقة تتبدل لحدث تنتظره كل عام. وكلما اقتربت من محيط المسجد أكثر، كلما ذبت داخل الأجواء، سرادقات متناثرة يمينًا ويسارًا تقدم الطعام، وتستقبل المنشدين، وتعلق الأضواء احتفالًا بصاحبة الضريح، أما المسجد نفسه فكست الأضواء كل أركانه، الكسوة التى يتحملها الأحباب والمريدون والأهالى، وليس لوزارة الأوقاف أو الدولة دخل فيها، أما دور الوزارة فاقتصر على خطبة بعد صلاة العشاء عن صاحبة المقام، وتعليمات مشددة إلى العاملين بالمسجد لمنع الاختلاط بين الرجال والنساء داخل المسجد أو الضريح، ومنع أى أفعال مخالفة كتلك التى يقوم بها بعض أبناء الطرق كالرقص داخل المسجد. ومن المقرر أن يشارك الشيخ عبد الهادى القصبى، شيخ الطريقة الصوفية، ومحمود الشريف، نقيب الأشراف، فى احتفالات مولد السيدة زينب اليوم الثلاثاء، وذلك من خلال مشاركتهما فى مؤتمر الأوقاف عقب صلاة العشاء، فيما سيحيى الليلة المنشد محمود التهامى، نقيب المنشدين، على أن يحيى الليلة اليتيمة غدًا الأربعاء الشيخ ياسين التهامى، شيخ المنشدين. أما فيما يتعلق بالرسوم التى يجمعها حى السيدة زينب من أبناء الطرق، فارتفعت ذلك العام، حيث تراوحت بين 40 و50 جنيهًا للمتر، وهو ما كلف أصحاب بعض السرادقات 6 آلاف جنيه، لا سيما تلك الموجودة فى الميدان بالقرب من المسجد، وهو الأمر الذى دفع فقراء المريدين إلى الهروب من الحى، وإقامة سرادقاتهم فى الشوارع الجانبية. عقد عدد من مشايخ الطرق الصوفية من أعضاء المجلس الأعلى للطرق اجتماعًا الأسبوع الماضى لبحث الاستعدادات لاحتفال «رجبية سيدى إبراهيم الدسوقى»، إلا أن مولد السيدة زينب سيطر على الاجتماع، وأكدت مصادر صوفية ل«البوابة» أن الشيخ محمد على عاشور، شيخ الطريقة البرهامية، اشتكى للمجلس من دفعه 6 آلاف جنيه نظير إقامته خدمة بمولد السيدة زينب، وأنه أخبر الحى بمنصبه كعضو فى المجلس الأعلى، وأنه يجب إثناؤه إلا أن موظفي الحى رفضوا، بدعوى أنهم ليست لديهم تعليمات باستثناء أحد. فيما أثار موقف المشايخ غضب أبناء الطرق، بدعوى أنهم لم يفكروا فى التدخل إلا حينما ذاقوا نار الحى، على حد قولهم، على الرغم من أننا نصرخ من تلك الرسوم منذ سنوات، وكل مرة نأخذ وعودًا من الشيخ عبد الهادى القصبى، شيخ المشايخ، بالتدخل، ونفاجأ المولد الذى يليه أن الأمر نفسه إن لم يكن أسوأ. وعلى الرغم من أن الكثير من مرتادى مولد الست يذهبون إليه هربًا من السياسة، والأحداث المتتالية، إلا أن السياسة لم تفارقهم، ولحقتهم إلى قلب المولد، فظهرت فى ثلاثة مشاهد، الأول يتمثل فى لجوء الحزب الوليد «مستقبل وطن» إلى المولد للبحث عن مؤيدين جدد، ولاستقطاب جمهور المتصوفية، حيث دعا أحد نواب الحزب بمنطقة السيدة زينب إلى «ليلة فى حب مصر على أعتاب السيدة»، بالقدوم إلى المولد، ومشاركة أبناء الطرق فى الاحتفال بالليلة الكبيرة اليوم الثلاثاء، والدعاء لمصر. وتدفعهم تلك الأحاديث إلى تذكر قصص أقطاب التصوف مع السياسة، ودورهم فيها، ومنها موقف السيدة حينما خرجت على أحمد بن طولون فأصابت مسجده اللعنة إلى هذا اليوم ولا يصلى أحد فيه، ودور أبو حسن الشاذلى فى معركة تحرير المنصورة من الصليبيين، إذ كان له دور كبير فى قيادة المعركة. أما المشهد الثانى وهو الممتد طيلة أيام المولد فيتمثل فى الحديث السياسى داخل السرادقات، فالمتصوفة لم يستطيعوا أن يعتزلوا الحياة العامة أو الحديث فيه، وبجانب التراتيل وجلسات الذكر، كانوا يتطرقون للحديث السياسى، خاصة فيما يتعلق بأزمة جزيرتى صنافير وتيران، والتى أكدوا على ثقتهم فى القيادة المصرية، وفى تبعيتهما للسعودية، وإلا فلا يمكن أن يتنازل عنهما الجيش، فالأرض كالعرض، ومعتبرين أن الأمر برمته عبارة عن خُطة «خداع استراتيجى» لتنمية مصر رغم أنف إسرائيل عبر الجسر بين مصر السعودية، وأن ذلك الجسر سيكون بمثابة بداية للوحدة العربية التى كان يسعى لها عبد الناصر. ويتمثل المشهد الثالث فى «سبوبة» قام بها أحد وكلاء المشيخة الصوفية، فعلى الرغم من تأكيدات الشيخ عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، المستمرة على أنه لا دخل للتصوف بالسياسة، قام أحد وكلاء المجلس ويدعى أحمد عبد النبى، بتدشين ائتلاف وهمى تحت اسم اتحاد شباب حماية الثورة المصرية 25 يناير و30 يونيو، ومقره فى حلوان، وتوزيع كارنيهات له على أبناء الطرق مقابل 20 جنيهًا، بدعوى أن ذلك الكارنيه سيحميهم ولن يجعل أحدًا يتعرض لهم. وفى أحد السرادقات اتخذ عدد من متقاعدى القوات المسلحة مقرًا لهم، ما بين لواءات وملازمين ورتب مختلفة، مؤكدين على أنهم منذ خروجهم عن المعاش وهم استبدلوا خدمتهم فى الجيش إلى خدمة أولياء الله وأهل البيت، معتبرين الاثنين من أشرف الخدمات التى يمكن للفرد أن يفنى حياته فيها. وقال وسيم محمود البنا، ملازم متقاعد منذ نهاية الثمانينيات، لقد نذرت نفسى لآل البيت، فمنذ تركت الخدمة لم أتغيب يومًا واحدًا على حضور الموالد، تخليت عن أهل بيتى وتركت زوجتى وأبنائى، لدرجة أننى لو علمت بوفاة أحدهم لذهبت أدفنه ثم أعود إلى المولد. يروى «البنا» عن سر عشقه لآل البيت حينما كنت فى الخدمة، رفض عقيد نزولى لحضور مولد الست، لكن فوجئت بكراماتها حاضرة فالرجل لم يستطع أن يتحرك إلا بعد أن سمح لى، ومن وقتها لم يمنعنى عن أى مولد، مضيفًا لقد شعرت فى تلك اللحظة أنهم يرعوننى، ومن وقتها نذرت نفسى لهم. من جهة أخرى، سادت حالة من الغضب بين أبناء الطرق الصوفية على السلفيين، مؤكدين على أن أضرحة الأولياء لا تزال تتعرض للهدم من قبل السلفيين، خصوصًا فى القرى البعيدة، وهاجم صبرى بركات، نائب الطريقة الرفاعية بالدقهلية، الفكر السلفى الذى يستعان به من قبل الدولة للتأثير على الشباب كياسر برهامى وغيره، واصفهم بالمرتدين الجدد. وأشار إلى أن الأضرحة لا تزال تتعرض للهدم، وأنه قبل شهر تعرض أحد الأضرحة بأرياف الدقهلية إلى الهدم، دون أن يسمع به أحد، مضيفًا: ليس لأصحاب الفكر المتطرف والمرتد أى شرعية لا فى الدين ولا الوطن.