طوابير الطعام تزاحم المقام.. ومنسق ائتلاف الطرق: «المولد كرنفال تكافل اجتماعى يجب أن تدعمه الدولة» رسوم الحى تطرد المتصوفة .. غياب «مريب» ل«القصبي» و«الشريف» أبناء الطرق عن الشيخ عبدالهادي: «جاى يتصور واتصلنا به قبل المولد دون فائدة» إذا كنت من محبى التصوف ومؤيديه، المصدق لكل ما يقال عن معجزات وخوارق جرت على أيدى مشايخهم ومن قبلهم آل بيت النبى، أو من المتشككين فيها الرائين لغلوها، ثمة مشهد يستحق التأمل بلغ ذروته أمس، ربما يعد هو فى ذاته «معجزة». منطقة السيدة نفيسة المشهورة ب«المدافن» ليست كغيرها من المناطق التى تحتضن أضرحة لآل البيت، فتلك المنطقة مغلفة طيلة العام بحالة من الرهبة والحزن مصاحبة للموت، تتسرب من بين المقابر الكثيرة التى تحيط بالمسجد، تبثها صورة النعوش المتراصة للصلاة عليها غالبًا عقب صلاتى الظهر والعصر كل يوم، قبل أن تسير خطواتها الأخيرة محمولة على الأكتاف إلى المستقر، ومع ذلك، ما إن تبدأ رحلاتهم من القرى والنجوع، ويصلوا إلى هنا، تتبدل الحالة تمامًا، يبطل أثر الموت، يتجدد غلافه الكئيب بآخر مختلف تمامًا، زاده الشوق إلى ساكنة الضريح، وهدفه عطاء دون مقابل، ومبتغاه وصال. المسجد ذاته يتشوق إلى حالة الفرح تلك، يتزين لزائريه، الضوء يحيطه من كل جانب، يرقص على أصوات المديح، وتراتيل المنشدين، تمامًا كالمتصوفة، وفى قلبه الضريح، متسللة بين ثغراتها الورود، معلق فيه العديد من الدعوات، والدمعات أيضًا، لم يكن مزدحمًا إلى حد كبير، ولكنه أيضًا ليس بالفارغ، كثير من النساء جلسن حوله، والرجال أيضًا، ومع ذلك كل من يحاول الدخول يجد موضع قدم، ويستطيع أن يصل إلى بابه، وكأن الأرض تتسع من تحت أقدامهم. حضورك إلى ساحة السيدة قد يطلعك على الاختلاف الكبير بين احتفال العام الحالى وغيره من الأعوام السابقة، فالمقاهى السمة الأبرز والحاضرة فى ظل غياب خدمات المريدين عن المولد الذى انطلق الثلاثاء قبل الماضي، ليواجه حالة من الصعوبات التى لم يجد الصوفية مثيلها من التعقيدات فارتفاع إيجارات الحى مكن أصحاب المقاهى من أن يسيطروا على ساحات سبق أن ملأتها الخدمات فى الأعوام الماضية. على بعد أمتار من مسجد السيدة، شهدت ساحة كبيرة امتداد طوابير لمسافات تصل إلى 100 متر، على الجانبين، من الرجال والنساء، جميعهم ينتظرون دورهم للحصول على نفحة من المولد، وجبة الطعام «الثرية» التى تقدمها خدمة الشيخ «سيد علوان» أحد المتوفين من عائلة فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، والذى دشنت له العائلة مقاما ضخما، يقف بمحاذاته عشرات من العجول، تذبح جميعًا وتفرق فى المولد. وقال مصطفى زايد، منسق ائتلاف الطرق الصوفية، إن آلاف الفقراء والمساكين ينتظرون الموالد حتى يجدوا فيها ما يسند رمقهم من فترة لأخرى، لاسيما فى ظل ارتفاع الأسعار، فالموالد تلك تعد كرنفال «تكافل اجتماعي»، ويجب على الدولة دعمها وليس التضييق عليها بفرض رسوم أو ما شابه. حضور "القصبي" و"الشريف" وفى أول عودة له كشيخ مشايخ بعد أن اقتصر ظهوره طيلة الفترة الماضية على كونه نائب البرلمان، حضر الدكتور عبدالهادى القصبي، ونقيب الأشراف محمود الشريف، إلى مولد السيدة نفيسة مساء أمس الأول الثلاثاء، بصحبة الدكتور محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر، والدكتور جمال أبوالهنود وكيل أوقاف فلسطين، الدكتور فؤاد عبدالعظيم وكيل الأوقاف، لحضور حفل وزارة الأوقاف داخل المسجد، أعقبه جولة مصغرة أمام المسجد انتهت بسرادق الشيخ محمد على عاشور. وعد شيخ المشايخ أبناء الطرق بتنفيذ كافة مطالبهم، والالتفاف إلى مطالب التصوف، وأن يكون هنالك تفاهم مع الحى كى يرفع يده عن تلك الضوابط والقيود التى طالما واجهها أبناء الطرق، حيث فرض حى الخليفة رسوما على أبناء الطرق الصوفية نظير السماح لهم بإقامة السرادقات، وصلت فى بعض الخدمات إلى 1500 جنيه، وأخرى 400 كل حسب مساحته. حضور القصبى لم يقنع أبناء الطرق الصوفية، الذين زادت حالة الغضب لديهم مع سماعهم أن شيخ المشايخ سيحضر إلى المولد، ليكن أول تعليق خرج من أغلبهم بلهجة غاضبة «جى يعمل أيه.. وبعد أيه»، وأشار ياقوت أبوسلامة، أحد أبناء الطريقة الأحمدية المرازقة، ومقيم خدمة، أنه اتصل بالشيخ عبدالهادى القصبى تليفونيًا قبل المولد بعدة أسابيع، وطالبه بالتدخل لدى الحى حتى لا يحدث هذا العام ما حدث العام الماضى من تحصيل رسوم منهم، وحتى تولى المشيخة مزيدا من الرعاية والاهتمام بالمولد، إلا أنه لم يحدث أى شيء، مضيفاً: معملش حاجة الأول.. جى دلوقتى يعمل أيه يتصور!». فيما قال نحمدو أبوالقاسم، أحد أبناء الطريقة الرفاعية ومقيم خدمة بالمولد، إن السيد عبدالهادى القصبى لا يقوم بواجبات منصبه كشيخ مشايخ، وأنه لا يصح أن يستمر الوضع هكذا من محاولات «تطفيش» الصوفية على حد قوله، وهو لا يفعل شيئا. وتابع: «إحنا وقفنا معاه فى الانتخابات قدمنا السبت ومشفناش منه حاجة فى المقابل، والوضع زى ما هو، ولو معملش حاجة فى الأول مينزلش يتصور ويبقى اسمه نزل». واحتضنت أحواش الموتى مريدى السيدة كما هو معتاد فى أغلب الموالد التى تقترب من تلك المقابر العتيقة لأحياء مصر القديمة ومساجد آل البيت العتيقة، إلا أنه يختلف الأمر هذا العام نظرًا لارتفاع إيجاراتها عن سابق الأزمنة، فبلغت إيجارات الحوش الواحد ما بين ألفين وستة آلاف جنيه، ما جعل بيزنس الساحات مرتفعًا بشكل رهيب يهدد مصير الاحتفالات العام المقبل وما يليه. في حضرة الست مشهد متداخل إلى حد كبير، بكاء وتوسلات فى تعانق مع زغاريد وفرح، ومديح يختلط بأنين، مطالب تسعى أن تجد فى تلك البقعة الطاهرة منفذا إلى السماء، أعمار مختلفة أيضًا، عجائز، وصغيرات، وما بينهن، بعضهن جالسات فى مواضع استطاعن أن يحصلن عليها فتشبثن بها إلى أقصى مدة ممكنة، آخريات لم يسعفهن حظهن سوى بموضع قدم، زغاريد تتكرر وتتكرر، إلا أن صوت جميلًا عذبًا يقطعها. يحرضك جماله على أن تعرف مصدره، يملأ المكان كله لدرجة تصيبك بالتشتت، تضل معه نظرية الصوت ومصدره، وتتوقع أنه يخرج من كل جنبات الضريح فى آن، تبدأ تتصفح وجوه الجالسات واحدة تلو الأخرى، تبحث عن الشفاه التى تتحرك بعبارات المديح والوصال لساكنة الضريح. بعد أن تفشل فى أن تجد مصدر الصوت تصل إليها أخيرًا، امرأة فى العقد السادس من عمرها أو يزيد، مهندمة، تجلس بجوار الضريح، ليس كل ذلك ما يثير الانتباه، إنما نظارتها السوداء، وعصا بجوارها تتكئ عليها، ضريرة كانت، ومع ذلك جاءت لوصال «أم العواجز»، بصوتها. وبينما كانت تلك السيدة تمدح، كانت امرأة سمراء بدينة، تبدو ممن يعملن فى رسم الحنة، تمسك فى يدها «صنية» كبيرة مملوءة بالحناء، تمر بها على الجالسات، قائلة «خدوا حنة، إنها ردة فرح السيدة». مخالفات طرق ممنوعة وشعوذة سرادقات انتشرت للنساء رغم وجود قانون المشيخة العامة للطرق الصوفية الذى يمنع الإجازة للمرأة، فقد تمتعت فى الآونة الأخيرة سيدات بإقامة سرادقات كان أبرزها فى حضرة الإمام الحسين، والإمام على زين العابدين، انتهاءً بمولد السيدة، حيث قامت إحدى السيدات اللائى يدعين البركة والشفاء ببركة الست بافتراش مجلسها أمام المريدين لتقوم بدور الدجالين والمشعوذين. فى ظل انتشار بعض كتب السحر «شمس المعارف». فيما لم يمنع قرار المشيخة بعض الطرق الممنوعة من الحضور، ومنع عدسات الكاميرات من التقاطها بالمنع شفاهية أو من خلال التعدى المباشر على أصحاب تلك الكاميرات، وفى مقدمة تلك الطرق الممنوعة جاءت الطريقة البرهانية وما تحمله من مريدين وأتباع ليقيموا احتفالاتهم فى استمرار للتحدى المعلن لقرارات منعها، إضافة إلى وجود سرادقات لمدعى الشرقية الشيخ صالح أبوخليل الذى تخلف عن الحضور بنفسه، إلا أن رجاله كانوا على العهد فتواجدوا دون أن يكون هنالك دور فى الحد من انتشارهم. ضريح متصوفة في المنيا وطالب أبناء الطرق الصوفية شيخ المشايخ عبدالهادى القصبى بتحمل مسئوليته تجاه ما يحدث لأضرحة الأولياء التى تتعرض لمخططات الهدم والإبادة من قبل لوبى إخوانى وسلفي، حيث أكدوا أن هناك أحد الأضرحة بالمنيا للعارف بالله الشيخ يونس التابع للطريقة الرفاعية تم هدمه على يد متطرفى الإخوان والسلفية.