· الآلاف ينتسبون للجماعة.. وشعارهم «الله أكبر نحن المحمديون ولله الحمد» ، و«نعلم بالسياسة ولا نعمل بها». · لا يهتمون بالدعاية والإعلان عن أنفسهم في وسائل الإعلام، بل يتحاشونها.. ولا يؤمنون بمخالطة الرجال النساء، لكنهم لا يستثنونهن من محافلهم. لهم أمير، ومجلس شورى، وشركات نفط، ومشاريع اقتصادية عملاقة، و76 ساحة، ونحو 60 مركزًا ثقافيًّا. كنت قد قرأت كتاب «لمحة موجزة» عن جماعة «المحمديون»، أو «جمع إنسان محمد»، فتولدت لدي رغبة في معرفة ومعايشة هذا «الجمع»، ولم أكن أتصور حين ذهبت إلى مركز «دندرة» الثقافي أنني أمام جماعة إسلامية جديدة، لا هي سلفية ولا هي صوفية، بل هي خليط من الاثنتين معًا، فقد تأكدت أنها ليست فقط لقبائل وعائلات الأسرة الدندراوية، بل هي للآلاف من الرجال والسيدات، الذين رأيت منهم أعدادًا غفيرة في مركزهم الرئيسي بالمعادي الجديدة. كان أول شيء لفت انتباهي صلاتهم، التي تسمى «العظيمة»، ولفظ «السيادة» للنبي الذي يذكرونه، وحين سألت أحدهم أخبرني أن ذلك جائز شرعًا؛ عملاً بمذهب الإمام الشافعي؛ تأدبًا مع الرسول (صلى الله عليه وسلم). الأعداد الغفيرة داخل المسجد كانوا يملأون المكان بملابسهم البيضاء وبعمائمهم المميزة، التي تتدلى منها الذؤابة إلى الصدر؛ بحجة الاتصال بين العقل والقلب، وبعدها بدأت صلاتهم العظيمة على النبي، الذي يعتقدون أنه خلق من نور، وأنه ليس ببشر، وأن الطريق الحقيقي لعودة الدين هو التخلق بأخلاقه دون تكوينه فقط. في مركز دندرة الثقافي كان لي حوار مع «ح. ع»، الذي أخبرني أن «المحمديون» تأسس جمعهم عام 1875 على يد محمد الدندراوي، وشعارهم «الله أكبر نحن المحمديون ولله الحمد»، وينبذون العنف، حاملين شعار «جهادنا اليوم اجتهاد في العلم وجهد في العمل»، كما يهتمون بالثقافة من خلال «مراكز دندرة الثقافية» المنتشرة في أماكن تواجدهم، رافعين شعار «حربنا مع أعداء الوحدانية ميدانها الفكر وسلاحها الكلمة». أكد لي مدير المركز الثقافي أنه ليس لهم أطماع سياسية مثل جماعات أخرى، وردد: «نحن نعلم بالسياسة ولا نعمل بها»، فلما أخبرته أن ذلك كان منهج السلفيين من قبل وبعدها تحولوا ناحية السياسة، أكد أنهم يقبلون داخل صفوفهم بعض السلفيين، كما يقبلون من جميع الاتجاهات، طالما يعتقدون أن الرجوع لدولة الإسلام يمر بطريق الاقتداء بالنبي في مظهره وتكوينه معًا. قال «ح. ع» إنهم لا يهتمون بالدعاية والإعلان عن أنفسهم في وسائل الإعلام، بل يتحاشونها، ولا يؤمنون بمخالطة الرجال بالنساء ولكنهم لا يستثنون النساء من محافلهم، فلهن مكانهن الخاص في المؤتمر، لا توجد بينهن منتقبات، الزي النسائي للدندراوية أبيض مثل الرجال ومعه حجاب أبيض أيضًا. وشرح لي المحاور التي يؤمنون بها، وقال إن كياننا قائم على 4 أشياء: أولها أن المجتمع المسلم لا تفرقه الأنساب وأنه تحت إطار قبيلة واحدة فقط، وثانيها أن «جمع إنسان محمد» يجمعه الشمول، ويجمع كل المتناقضات الإنسانية، ويجمع كل الأشخاص المؤمنين بمنهجهم، والثالث أن تعكس ملامح كيانهم الاتصال بمنهج النبي بحيث لا ينفصل النهج عن السلوك، والرابع أن ملامح كيانهم بعيدة عن التحرر وفي ذات الوقت عن الجمود. أما عن الانتساب لهم فقال: يكون ذلك عن طريق علاقات وجدانية روحية، أولها الاتصال بالخالق، والعلاقة بالنبي، والعلاقة بإمام المحمديين، العباس الدندراوي، فيكون بمثابة الوالد الروحي له. وأكد لي أن الدندراوية لا يظهرون أي ملامح قومية أو طائفية ولا يعتقدون فيها، وأنهم لكي يحافظوا على وجودهم، بنوا وأنشأوا ساحات متعددة، بلغت 76 ساحة، وعدد المراكز الثقافية بلغ نحو 60 مركزًا ثقافيًّا، منها في دول لبنان وماليزيا وسوريا وسنجابور السودان والمغرب والجزائر، ولهم اجتماع 4 مرات في العام الواحد، يقام اللقاء الأول على مستوى القرية أو الحي، وهو ما يسمى بمؤتمر الساحات الصغرى، حيث تتزاور فيه جموع الساحات المتقاربة جغرافيًّا، واللقاء الثاني هو المؤتمر العام للساحات الكبرى، وتكون على مستوى الوطن، ويقام بالقاهرة بمناسبة الاحتفال بالإسراء والمعراج، واللقاء الثالث -وهو المؤتمر العام للساحات الكبرى- ويقام بقرية دندرة، مسقط رأس الأسرة الدندراوية، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ حيث تناقش فيه كافة التوصيات مع وفود الساحات الكبرى. «الوثيقة البيضاء».. هي خلاصة الفكر الدندراوي، قالوا في بدايتها: «إنها علامة رجاء في عالم يحتاج إلى رجاء».. «إننا جمع يحقق مظهر تماسك بنيان مجتمع المسلمين وجوهر تلاحم نسيج أمة الإسلام، مخترقًا الحواجز الأربعة: حاجز “,”التغاير بالأفكار الطائفية“,”، وحاجز “,”التنافر بالفوارق الطبقية“,”، وحاجز التفاخر بالعصبيات القومية“,”، وحاجز التناحر بالحدود الإقليمية“,”». ول«جمع إنسان محمد» أمير، هو الأمير هاشم، الذي يتولى الإشراف على مشاريع الجمع، التي وصلت إلى شركات نفط ضخمة في السودان والسعودية، ينفق من خلالها على كل الساحات، كما أن للجمع مجلس شورى يتم اختياره من الأفراد الموثوق فيهم. وقد سألت «ح. ع»، أحد المنتسبين، عن حقيقة جماعتهم، فقال لي: إننا نظام ولسنا تنظيمًا كجماعة الإخوان، والإمارة لدينا ليست إمارة خلافة أو إرث، إنما بيعة أفراد الأسرة لأميرهم، وهو ما يمثل الشورى في الإسلام. رغم كثرة المنتسبين للأسرة الدندراوية، ورغم كثرة أعداد الدندراوية في مصر، فإن جماعتهم غير معترف بها قانونًا؛ لأنها ليست طريقة صوفية فحسب فتخضع للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، ولا هي جمعية خيرية فحسب فتخضع لقانون الجمعيات، ولا هي حزب سياسي فتحصل على رخصة الحزب السياسي، لكنها لا تتعرض للمساءلة القانونية، ولا المساءلة الأمنية، وتنعقد اجتماعات ساحاتها ومؤتمراتها تحت غطاء قانوني. وللأسرة الدندراوية لائحة عرفية، منها أنه إذا ارتكب الدندراوي خطأ اعتُبر خروجًا على النظام العام، فإنه يخضع لعدة عقوبات: تجنب - إيقاف - إسقاط - سحب انتساب.. وكل ذلك لا يتم إلا بعد إجراء المحاكمة للدندراوي في حضور ساحته، وحضور ممثلين عن جميع ساحات الجمهورية، ويتم سؤاله في الغالب من الأمير هاشم، ويكون السؤال علنيًّا، والإجابة علنية أيضًا. إن «المحمديون»، أو «جمع إنسان محمد»، كما يحبون أن يطلق عليهم، جماعة إسلامية، ما يجري داخلها هو أكبر بكثير مما هو معروف عنها، ويوضح ذلك أميرهم السابق، وشيخهم، الأمير الفضل بن العباس، الذي وصف جماعته فقال: «إنها دعوة شاملة.. ليست بدعوة مذهبية حديثة.. وليست بطريقة صوفية جديدة.. وليست بجماعة سياسية قومية.. وليست بجمعية خيرية إقليمية». ويوضح أن «جمع إنسان محمد» صيحة نداء لجميع المسلمين، أيًّا كان مذهبهم السلفي أو طريقتهم الصوفية أو تنظيمهم السياسي أو جمعيتهم الخيرية، بأن يتجاوزوا حواجز الفرقة، وأن يتآلفوا تحت ظل الزعامة المحمدية الجامعة.