تصوير- حسن الحامدي: في عام 1875 تأسس "الجمع الدندراوي"، بهدف تحقيق التماسك في بنيان المجتمع، والتلاحم بين نسيج أمة المسلمين، بعد ما أصابها من تفتت وتشتت. مؤسس هذا الجمع الدندراوي الأول سيدي محمد الدندراوي الملقب بالسلطان، يرى أنّ سبب هذا التفتت أربعة حواجز زرعها أعداء الوحدة، لتحول هذه الحواجز دون وحدة الأمة، وهي التغاير بالأفكار الطائفية، والتنافر بالفوارق الطبقية، والتفاخر بالعصبيات القومية، والتناحر بالحدود الإقليمية، لهذا قرر أن يؤسس هذا الجمع ليخترق به تلك الحواجز الأربعة. الوثيقة البيضاء وزاد هذا الجمع وانتشر في شتى بلدان العالم العربي والإسلامي، وعرف باسم "جمع إنسان محمد- الأسرة الدندراوية"، وأصبح له فكره المكتوب في صفحات "الوثيقة البيضاء"، وللأسرة الدندراوية مؤتمران يعقدان سنويًا الأول هو "المؤتمر العام" والذي يعقد بمناسبة المولد النبوي الشريف، ويشارك في هذا المؤتمر جموع الساحات الدولية إلى جانب ساحات مصر، ويعقد بدندرة، والثاني يطلق عليه "المؤتمر الإقليمي"، ويعقد بمناسبة الإسراء والمعراج بدندرة أيضًا، وتشارك فيه ساحات مصر، ولكل ساحة دولية فعاليات كثيرة تقوم بها كل ساحة (الساحة: اسم يطلق على جمع المنتسبين للأسرة الدندراوية في مكان ما)، وحين تراهم في مؤتمراتهم بزيهم الموحد ونظامهم المحكم وفكرهم العميق، لا شك أنك ستندهش كثيرًا. الزي الأبيض يرتدي كل من يحضر الاحتفال من نساء ورجال اللون الأبيض، تعبيرًا عن المساواة بين الغني والفقير، فقد يكون هناك رجل ذو مكانه عالية، يجلس بجواره رجل بسيط الهيئة والحال، وكلاهما باللون الأبيض، وجاءت الفكرة من مراسم الحج، إذ يتساوى الجميع باللون الأبيض عند بيت الله الحرام. بمجرد دخولك القرية يأتيك شعور كبير بأنك في أجواء كأجواء الحرم المكي، وذلك لأن جميع الرجال والشبان والأطفال، يرتدون عمامات بيضاء وجلباب أبيض والجميع يهتم بشكل العمامة. كما يخصص مكان كبير خاص بالسيدات والفتيات، ويجلس الجميع تحت ما يعرف بالصوان المفروش بالخيامية، مع إضائة الأنوار مختلفة الألوان في كل مكان، تشعر من خلالها بأن هنالك ألف عرس في مكان واحد. حلوة بنكهة الدندراوية كما يُخصص بها أماكن تباع بها الحلوى، كتب علي الباب" تناول حلوى بنكهة دندراوية"، وسيدات أخريات يقمن برسم الحناء للفتيات. تشعر داخل الخيم بأنك في ملتقى كبير يجمع بين كل الثقافات، ومع تبادل الحديث، تختلط الأفكار والثقافات، لتبرز العادات والتقاليد لكل دولة عربية، وكيفية الاحتفال بالمولد وكيف يكون شكله. وعلى طول الشارع على الجانبين، تجد بائعي حلويات المولد، وبائعي صور الأمير هاشم الفضل، ووالده الراحل الفضل الدندراوي، مع العديد من الباعة في كل ما يمكنك شرائه في الشارع. مركز دندرة الثقافي بدأ الاحتفال لأول مرة عام 1973، الذي يقوم به مركز دندرة الثقافي، أمام قصر الأمير هاشم الفضل، مدير المركز، وينفذ هذا المؤتمر مرتين في السنة، مرة في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والثاني في ليلة الإسراء والمعراج، والذي يمتد من يومين إلى ثلاثة أيام. يقول عبدالله فريد عبدالله، مدير المركز، إن هاتين المناسبتين فضل فرصة لإقامة مؤتمرين، الأول في الإسراء والمعراج ويعد مؤتمرًا إقليميا ويحضره العديد من داخل جمهورية مصر العربية، والثاني مؤتمر دولي يحضره الزوار من كافة أنحاء العالم، الذين ترجع جزورهم إلى أصول دندراوية، وفرقتهم ظروف العمل والمعيشة عن موطنهم الأصلي، وفي الأيام القلائل الخاصة بالاحتفال تعد هي حلقة الوصل بينهم وبين موطنهم، وعاداتهم وتقاليدهم. المشكلات الإنسانية ورغم أنه مجرد احتفال يقام في مناسبتين دينيتين كبيرتين، إلا أنه لا يقام علي الذكر والقرآن والابتهالات الدينية فقط، بل يهتم أيضا هذا الحفل أو المؤتمر الكبير بالقضايا والمشكلات الإنسانية، إذ يشارك فيه العديد من الحضور بالمناقشة ومنهم من يُقبل علي تقديم قضايا مطروحة بعينها. ويوضح فريد أنهم اختصوا نفسهم بشعار يبعد عنهم المشكلات المعقدة، وهو "نحن نعلم بالسياسة ولا نعمل بها"، ويكون برنامجنا علي مدار الثلاث أيام كالآتي: اليوم الأول بعنوان وقفة مع النفس، وهو عبارة عن محاسبة ومساءلة لرئيس مركز دندرة الثقافي عن الخطة الموضوعة، التي كانت مطروحة طوال العام، وعن الحلول المنفذة وغير المنفذة، وبعد الرد على جميع الأسئلة، يوجه رئيس مركز دندرة الثقافي الأسئلة لأعضاء المركز ليعرف جوانب النقص لديهم. قضايا وأطروحات واليوم الثاني تجري فيه مناقشة كل القضايا التي تهم الإنسان المسلم، ويقدم جميع الحضور من كافة أنحاء العالم أطروحات وقضايا لمناقشتها، كما يسجل أحد أعضاء المركز هذه القضية في شكل توصيات للعمل بها. وفي العام الماضي ناقشنا قضايا المرأة وتمكينها من الناحية الإنسانية كأم وأخت و زوجة، ومن الناحية الاقتصادية حول إدارة المشروعات الصغير، ودربنا على إثر ذلك 200 شخص، 80% منهم الفتيات، وهذا التدريب كان مقدمًا من الجامعة الأمريكية. بينما في هذا العام فقد حضر الحفل الشيخ أسامة الأزهري، خطيب أزهري، وعالم من علماء الدين، والذي شارك بأطروحاته في اليوم الثاني. ويضيف فريد أنه من المشكلات المطروحة هذا العام مشكلة" أنا الذات"، وهي أن كل فرد يحب لنفسه ما لا يحبه لغيره، وكل فرد بداخله يرى أنه أفضل من غيره وهو يستحق أكثر من غيره. مهرجان الفروسية أما عن اليوم الثالث فهو بمثابة تقرير عن أعمال مراكز دندرة الثقافي الدولية علي مستوى العالم، مثل مركز دندرة الثقافي بإندونيسيا، وماليزيا والسودان، ولبنان والنمسا، ويقدم كل منهم الخطة التي نفذها طوال العام، وكذا الخطة الجديدة التي ينفذها في العام الجديد، ويتخلل هذه الفقرات بعض الكلمات التي تبث الروح الإيجابية في نفوس الشباب والأهالي. ولا يقتصر المؤتمر علي ذلك فقط، فعلى هامش المؤتمر بالنهار قبل البدء في المناقشات المهمة، يقام مهرجان دندرة للفروسية، الذي يهدف إلى عودة روح الفارس ومهارة الفروسية، التي ليست كما يعتقدها البعض، إذ إن الفارس له قيمة في العادات والتقاليد، ويرتدي زيًا معروفًا كالجلباب الأسود وفي يده الزانة و علي رأسه عمامة، كما أن هناك صفات للجواد الذي يمتطيه، وهو بخلاف المرماح المنتشر في ثقافة الصعيد بشكل عام، وبجانب عامل الفرحة والبهجة هي إحياء ميراث وثقافة لنا وللأجيال الجديدة. بالإضافة إلي لعبة التحطيب التي تبث روح القتال لدى الفارس، والتي تُأخذ علي شكل التسلية ولكنها تهدف إلي إحياء قيمتها، ومن أخلاقها العفو عن الخصم. الطريقة الدندراوية يذكر أن اتباع الطريقة الدندراوية المحمدية في الدول العربية يزيدون على 25 مليون من جميع البلدان مثل ماليزيا ولبنان وسوريا وسنغافورة والمغرب والجزائر. ويبث هذا الاحتفال روح الوطنية، إذ حضر الاحتفال اثنين من كبار الرموز القبطية في قنا وهما الأنبا شاروبيم، أسقف قنا، والأنبا بيمن، أسقف قوص ونقادة، بالإضافة إلى القس إليا، ممثل الكنيسة الكاثوليكية، بصحبة شخصيات أخرى من الجانب القبطي، البالغ عددهم عشر شخصيات في هذا الاحتفال، بهدف التعايش السلمي. الملتقى الاقتصادي أما بالنسبة للشعور الداخلي من أهالي القرية فتقول إحدى السيدات المسنات، إنها لا تفوت أي إحتفال منذ أن كانت صغيرة، وهي تذهب مع والدها حتى الآن وهي تحضر مع أحفادها، التي زرعت فيهم ضرورة حضور هذا الاحتفال بعد وفاتها، والذي يعد بمثابة شيء مقدس لأهالي القرية جميعًا، وبالتالي ننتظره في كل عام بشغف. يضم الجمع ملتقى دندرة الاقتصادي، الذي ضم معرضًا كبيرًا للأعمال والمشغولات اليدوية، التي تباع للوفود القادمة من كل مكان، والتي تكون بمثابة أجمل ذكرة يعود بها إلى موطنه، إلى أن يعود مرة أخرى في احتفال العام المقبل.