«يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تتجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية»، بنص هذه المادة القانونية تم حبس ثلاثة من المثقفين خلال الأشهر القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يلحقهم العديد من الكتاب وأصحاب الرأى خلال الفترة المقبلة، فى ظل حالة من التربص بالمبدعين تشهدها الفترة الحالية. ومن السخريات أن يحصد الكاتب الروائى المحبوس أحمد ناجى جائزة القلم من مؤسسة «بربرا- جولد سميث لحرية الكتابة» بعد أربعين يوما فقط من حبسه بتهمة «خدش الحياء» بسبب نشره فصلًا من روايته «استخدام الحياة» فى جريدة «أخبار الأدب»، وأن يتم تكريم الشاعرة والمترجمة فاطمة ناعوت من كندا فى نفس اليوم الذى يتم فيه تأييد حكم بالحبس ضدها لمدة ثلاثة أعوام بتهمة ازدراء الأديان، ضمن برنامج المؤتمر المصرى الكندى الذى يعقد على مدار يومين، ويناقش فى أولهما قانون الهجرة المصرى الجديد، وآليات تحقيق المواطنة وتفعيل قانون منع التمييز، وقانون ازدراء الأديان، وحرية الرأى، فضلا عن تكريم ناعوت والزوار. بعد تكرار حبس العديد من المثقفين وأصحاب الرأى بسبب استمرار العمل بقوانين وصفت ب«البالية»، كان لزاما على المثقفين أن ينتفضوا ضد هذه القوانين من الأساس باعتبارها تعود إلى العصور البائدة، وأن أصحاب العمائم واللحى والماضويين يستخدمون مثل تلك القوانين وبعض المواد القانونية فى بعض القوانين المتفرقة للنيل من أصحاب الأفكار والمجددين لخلق موجات متتالية من حبس وتضييق حريات الإبداع ومحاولات تكميم الأفواه. وقد انتبه إلى ذلك الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، فوجه اللجنة القانونية فى المجلس الأعلى للثقافة، إلى إعداد دراسات لتعديل القوانين المقيدة للحريات، ضمت بينها كبار أساتذة القانون الدستورى، لافتا إلى أن هذه التعديلات سيتم عرضها على مجلس الوزراء والنواب لإقرارها. واستطلاعا لآراء المثقفين فى مثل هذه القوانين، يقول الشاعر زين العابدين فؤاد: يجب أن يسمى قانون «ازدراء الأديان»، ب«ازدراء العقول» لأنه يستخف بعقولنا جميعًا، متسائلاً: كيف لقوانين مثل هذه أن تحاكم مثقفين ومفكرين؟ مطالبا بضرورة إعادة النظر فى الأحكام الصادرة بحق الشاعرة فاطمة ناعوت، والكاتب إسلام بحيرى، والصحفى أحمد ناجى، وغيرهم، لكونها قوانين عاجزة ومخالفة للنصوص الدستورية، مشيرا إلى أن تأييد الحكم بعد لقاء الرئيس السيسى بالمثقفين والأدباء، يؤكد أنه لا أهمية للمثقفين فى مصر. بينما قال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق: إن مثل هذه الأحكام على الكتاب والمثقفين هى أحكام غير دستورية، لأنها تتناقض مع نص المادة «67» من الدستور المصرى التى تكفل حرية الرأى والتعبير بشكل مطلق. وأضاف عصفور، فى تصريحات خاصة، أن التخلص من مثل هذه الأحكام لا ينقصها سوى بعض الوقت اللازم لتعديلها وتطبيقها كما هى موجودة فى نص الدستور الحقيقى، مؤكدًا أنه من حق القضاة أن يحكموا بما يعتقدون وبما يظهر لهم من نصوص، ولكن يجب التحقق أكثر من هذه القوانين قبل الحكم بها. من جانبه، قال الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق: إننا نحترم أحكام القضاء المصرى، التى صدرت مؤخرا بسجن العديد من الكتاب وأصحاب الرأى، ولكن يجب تعديل هذه القوانين من قبل مجلس النواب، ونحن على علم بأن هذا التعديل يأتى تدريجيًا، ولكن على أى حال لا يجوز أن يكون عقاب المثقفين بالحبس أو غيره من الأحكام الشائخة، ولكن من الممكن فرض غرامات عليهم أو إصدار تنبيهات لهم. وأضاف عبدالحميد: مثل هذه الأحكام لا تتناسب مع وضع مصر وتاريخها العريق، لأن المصريين يقدسون الأديان والرسل والكتب السماوية، ومن غير المعقول أن يقوموا بازدراء ما يقدسونه، مطالبا الرئيس السيسى بإصدار العفو عن جميع سجناء الرأى من مثقفين ومبدعين، نظرًا لما يعقب هذه الأحكام من آثار سلبية داخلية وخارجية. فى حين قال الدكتور صلاح الراوى، أستاذ الأدب الشعبى بأكاديمية الفنون، إن «وجود قانون خاص بازدراء الأديان لا يتسق مع دولة تحارب الإرهاب، هذا من حيث المبدأ، لهذا نحن نطالب دائما بضرورة قيام دولة علمانية تفصل الدين عن السياسة والمجتمع وحركته الاجتماعية، ولا مخرج آخر سوى ذلك لدينا، لأن قانون ازدراء الأديان يتم تأويله حسب أمزجة أصحاب العمائم». قوانين شاذة وقال الدكتور صلاح فضل، رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى: إن القانون الذى حُوكمت بموجبه الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت، فى تهمة ازدراء الأديان، وغيرها من الكتاب والمثقفين غير دستورى، وكل ما يبنى على خطأ فهو خطأ، متسائلًا: كيف لقضاة أن يطبقوا قوانين يعلمون بخطئها وعدم صحتها؟ وأضاف فضل: إن الحكم على الكتاب والمثقفين وقمع حرياتهم الإبداعية أمر لم يعد يطبق سوى فى البلاد المتخلفة حضاريًا وفكريًا، كما أن مثل هذه الأحكام تعد وصمة عار على مصر، مشيرا إلى أنه حان الوقت ليلتفت مجلس النواب إلى القيام بمهامه الحقيقية، وإلغاء مثل هذه القوانين التى تحاسب الناس على آرائهم. فيما طالب الشاعر فاروق جويدة، بإلغاء القوانين التى من شأنها قمع المثقفين والمفكرين، والحد من إبداء آرائهم، معللًا ذلك بأن هذه القوانين دخيلة على الدستور المصرى وظهرت فى ظروف مختلطة كان يمر بها الشعب المصرى. وأضاف جويدة أن المحاكم ليست مكانا لإقامة المناقشات الفكرية، موضحًا أن كلمة «ازدراء الأديان» غير منضبطة قانونيا، وقانون شاذ، وعار على مصر أن يذكر تاريخها مثل هذه الأحداث، مطالبًا بتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى لإصدار قرار لمجلس النواب بسرعة تعديل القانون. مزيد من الحبس أما الروائى محمد المنسى قنديل، فقال: إن استمرار العمل بهذه القوانين كارثة حقيقية، متعجبًا من الإبقاء على القوانين والمواد التى تحد من حرية الرأى والتعبير رغم الاعتراض عليها من جانب المثقفين والمستنيرين، فضلا عن الشارع الذى يرفض غالبيتها الجائرة والمقيدة للحريات، مشيرا إلى أن استمرار تفعيل هذه المواد التى تقضى بحبس الكتاب والمثقفين يؤكد عدم انتباه المسئولين لآراء المثقفين وقطاع كبير من الشارع المصرى، متسائلا: ما الذى فعلته فاطمة ناعوت سوى التعبير عن رأيها الذى يمكن الاختلاف معه ومناقشته وتصحيح ما فيه من أخطاء، هل ما فعلته يستحق أن يزج بها بالسجن ثلاث سنوات؟!، متوقعًا حال استمرار العمل بهذه المواد المخالفة للدستور أن تشهد مصر مزيدا من تقييد حرية الرأى والتعبير وحبس مزيد من الكتاب والمفكرين. فى حين قال الكاتب نبيل فاروق: إن قانون ازدراء الأديان الذى بموجبه تم تأييد حكم الحبس الصادر ضد الشاعرة والكاتبة فاطمة ناعوت وغيرها من الكتاب بتهمة ازدراء الأديان «يعيدنا لعصور الظلام». وأكد فاروق أنه من رافضى هذا القانون الذى وصفه ب«المطاطى»، لأنه من دون معايير محددة سلفًا بالشكل الذى يجب أن يكون عليه أى قانون عادل، وأن مثل هذه الأحكام تعطى للعالم صورة عن مصر وكأنها تدار بنظام الكهنوت. مواد هلامية من جانبه، قال الفقيه الدستورى، محمد نور فرحات: إن كل القوانين المقيدة للحريات وللإبداع تعود إلى عصور بائدة قديمة قد تصل إلى اللورد كرومر فى عهود الاحتلال عندما وضع بعض المواد التى تقيد الحريات لاستخدامها ضد المعارضين، وهو أمر مخالف لنصوص الدستور، التى تنص مادته 67 على عدم جواز توقيع عقوبات سالبة للحرية فى حالات الفكر والفن والإبداع، وهى مادة يجب تطبيقها بشكل مباشر دون حاجة للانتظار لتغيير القوانين التى يتم تطبيقها بشكل مباشر، لأنها من القواعد الدستورية التى يبطل معها استمرار استخدام أى نص قانونى معارض لها. وأضاف فرحات: هناك الكثير من النصوص القانونية الدخيلة التى تم تمريرها فى غفلة من الزمن، ولم تستخدم منذ عقود مضت، وهى نصوص عامة وهلامية يمكن بها توقيع العقوبة على أى شخص دون أن تكون له جريمة محددة الأركان مثل مادة تجرم التمييز بين الطبقات، تم دسها ضمن نصوص قانون العقوبات، وبها يمكن حبس أى شخصين «يدردشان»، وبالتالى فإن علينا تنقيح جميع نصوص القانون المقيدة للحريات والتى يمكن استخدامها فى غير موضعها. وتابع فرحات: يعود قانون ازدراء الأديان إلى عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات حينما تم وضع المادة «98» وعقب أحداث الزاوية الحمراء يونيو 1981، حيث اشتبكت جذور الفتنة بين مسلمين ومسيحيين وأُحرقت بعض ممتلكات المسيحيين، مما أعطى للنظام الحاكم حينها مبررا لسن القانون وتطبيقه، ومن وقتها إلى الآن لم يتم تطبيقه على أحد تقريبا إلا المثقفين فى الآونة الأخيرة.