أنت وأنا وهو وهي وهم وهن.. في مصر أو العراق.. في المغرب أو بلاد الشام.. في الخليج أو اليمن والسودان.. كل منا مدين لمحمد فوزي بالشكر لأنه منحنا قدرًا من البهجة في طفولتنا عندما أهدانا أغنيته الخالدة (ماما زمانها جاية). أزعم أنه ما من طفل عربي إلا وقد استمتع بهذه التحفة الغنائية التي شدا بها فوزي في فيلم معجزة السماء الذي أخرجه عاطف سالم وعرض للمرة الأولى في 19 مارس 1956 وقد شاركته البطولة الفنانة المتميزة مديحة يسري رعى الله أيامها ولياليها. في الغد 20 أكتوبر تمر الذكرى السابعة والأربعون على رحيل هذا الفنان المتفرد، إذ غاب عن دنيانا في عام 1966 بعد مرض غامض تاركاً لنا رصيدًا مدهشاً في بنك الفن. وعلى الرغم من أن فوزي لم يعش كثيرًا، (هو من مواليد 28 أغسطس 1918)، إلا أنه حظيَ بمواهب جمة تجلت في الغناء والتلحين والتمثيل، فضلاً عن دوره الاقتصادي المهم في دعم الموسيقى والغناء. ذلك الدور الذي تمثل في تأسيس شركة لإنتاج الاسطوانات، وهو دور لو تعلمون عظيم. تعالوا نتعرف على هذا الدور والخدمة العظيمة التي قدمها للموسيقى والغناء في مصرنا العزيزة. في كتابه المدهش (محمد فوزي.. المجد والدموع) يقول الروائي والناقد المتميز مصطفى بيومي (آثر محمد فوزي أن يتوج رحلة كفاحه بمشروع وطني متميز يقدم من خلاله خدمة جليلة للفن والفنانين. بكل “,”تحويشة العمر“,” التي بلغت ثلاثمائة ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم بمقاييس منتصف الخمسينيات من القرن العشرين أسس محمد فوزي شركة “,”مصرفون“,” لإنتاج الاسطوانات هادفاً بمشروعه المبتكر هذا إلى ضرب الاحتكار الأجنبي لسلعة حيوية هي الاسطوانات الموسيقية والإنتاج الغنائي.. وُلد المشروع عملاقاً، وفي الثلاين من يوليو سنة 1958 افتتحه وزير الصناعة الدكتور عزيز صدقي مشيدًا بالفكرة الإيجابية البناءة التي توفر العملة الصعبة، وتتيح إنتاج اسطوانة محلية رخيصة لا يزيد سعرها عن 35 قرشاَ، وغير قابلة للكسر ويمكن استخدامها على الوجهين فتتسع لأغنيتين، بينما كانت أرخص اسطوانة مستوردة في ذلك الوقت بجنيه كامل، ولا تستوعب إلا أغنية واحدة، وقابلة للكسر!). أرأيت عظمة الرجل وإخلاصه لفنه، وبغض النظر عن ضيق أفق النظام في ذلك الوقت الذي قام بتأميم هذه الشركة بعد ذلك بثلاث سنوات في موجة التأميم الشهيرة، الأمر الذي أصاب محمد فوزي بالغم والنكد، أقول بغض النظر عن ذلك فإن فكرة تأسيس أول شركة في الشرق الأوسط لصناعة الاسطوانات ستظل ملتصقة بالمطرب الراحل محمد فوزي. لا تنسَ من فضلك أن صاحب (شحات الغرام) اقتحم عالم الموسيقى والغناء في زمن احتل فيه أباطرة عظام القمم الأولى في هذا العالم، لا أعني أم كلثوم وعبد الوهاب فحسب، بل هناك فريد الأطرش وعبد الغني السيد وإبراهيم حمودة وعبد العزيز محمود ومحمد الكحلاوي وفتحية أحمد ونجاة علي وليلى مراد واسمهان وشافية أحمد ونادرة، ومع ذلك تمكن هذا الشاب (الطنطاوي) في تعزيز مكانته وتأكيد حضوره في أعوام قليلة للغاية. ولعلك تندهش إذا علمت أن أول أعماله السينمائية تمثلت في مشاركته بدور صغير في فيلم (سيف الجلاد) مع يوسف وهبي عام 1944، وفي العام التالي مباشرة تقاسم البطولة مع أنور وجدي ومديحة يسري في فيلم (قبلة في لبنان)، ثم توالت أفلامه بعد ذلك، حيث صار البطل الأول في 34 فيلمًا، وكان آخرها (ليلى بنت الشاطئ) الذي عرض في عام 1959. على أية حال ستظل موسيقى وأغنيات محمد فوزي حاضرة في وجدان الناس لأزمنة طويلة مقبلة نظرًا لكونها تتسم بالإيقاع السريع ورهافة الأداء وصدق الإحساس، سواء ترنم للوطن مثل (بلدي أحببتك يا بلدي) أو تغزل في الحبيبة سائلاً (مال القمر ماله ماجيناش على باله)، أو خاض غمار الأوبريتات الخفيفة مثل (الحب زمان مش دلوقت)، أو ترفق بالأطفال المتوترين وطيب خاطرهم وصبّرهم مداعبًا (ماما زمانها جاية)، وبالتأكيد أنا وأنت كنا من هؤلاء الأطفال يومًا ما. رحم الله محمد فوزي بقدر ما أسعدنا وبث نسيم الحبور في أرواحنا بموسيقاه الساحرة وأغنياته الآسرة.