فى كتابه الصادر عام 1983 بعنوان «المعارك الأدبية» يتناول الكاتب أنور الجندى أشهر المعارك الأدبية التى شهدها الوسط الثقافى فى مصر، مثل معركة العقاد وطه حسن والمازنى وعبدالرحمن شكرى وغيرهم، وإن كان غلبت على المؤلف ميوله الدينية، حينما تناول هؤلاء الكبار وتحليله لأسباب ما دار بينهم من مساجلات أدت فى معظمها إلى دفع عجلة الفكر والثقافة للأمام، لكنه بشكل أو بآخر قدّم لنا مشاهد فاصلة فى حركة الثقافة المصرية خلال قرن تقريبا. يقول الجندى: «إن الخلاف بين المعسكرات السياسية قد جعل طائفة من الكتاب تنحاز إلى هذا الجانب وطائفة تنحاز إلى الجانب الآخر، وكان لهذا أثره، ولذلك كان أغلب أحكام هذه المعارك تدل على التناقض، فالرأى هنا مقيد بوجهة نظر وظرف معين، فإذا اختلف هذا الظرف تغير الرأى، ومثال ذلك فى معارك إمارة الشعر والقومية العربية والتغريب، وقليلا ما ترى الإنصاف الذى جرى عليه المازنى فى العودة إلى الحق فى معركته مع عبدالرحمن شكرى أو زكى مبارك وفى رجوعه عن آرائه فى (الغزالى) فإذا ذهبت أستقصى أعنف المعارك لقلت: إنها معركة الرافعى مع العقاد وطه حسين. ومعركة زكى مبارك مع طه حسين ثم أحمد أمين، والأولى جانب منها شخصى والثانية شخصية محضة. فقد كان الرافعى يطمع فى أن يلى منصب أستاذ الأدب العربى فى الجامعة، واستأثر طه حسين بهذا المنصب، وكانت لقمة العيش حين فصل طه حسين زكى مبارك من الجامعة مصدر معركته الكبرى، وقد كانت هذه المعارك -على كل حال- خيرًا للأدب فقد حثت على التجويد وفتحت باب السجال والنقد ومعارضة الآراء». ويتابع الجندى فى كتابه قائلا: «يمكن القول بأن الكتاب المجددين كانوا فى أول الأمر يغايظون الجماهير لكسب الشهرة ثم أرغمتهم السياسة على مسايرة الجماهير وتملقها كما حدث فى كتاب (حياة محمد) للدكتور هيكل. أو الرضوخ لآراء المستشرقين، حين تحول أحمد أمين للدعوة إلى العامية ومهاجمة الأدب العربى القديم وقد جرت بعض هذه المعارك بأسلوب بالغ العنف، ملىء بالهجاء المقذع، وربما كان للسياسة والمعارك الحزبية أثرها فى تلوث أقلام الكتاب. وعندى أن لأحمد زكى باشا أثرا كبيرا فى قيادة هذا الاتجاه، فقد عرف بالعنف والسخرية البالغة واصطناع ألفاظ مثيرة، وتأثر بهذا الرجل: طه حسين والعقاد وزكى مبارك، وهم الثلاثة الذين كانوا أعنف كتاب النقد العربى المعاصر، وقد كشف أحمد أمين فى بعض المعارك عن الكتاب الذين بدأوا حياتهم فى جرأة وحرية، ثم تخاذلوا من بعد وتعودوا المجاراة بدلا من المقاومة والمداراة بدلا من الصراحة وفضلوا السلامة». وتعرض الجندى فى كتابه إلى ما أطلق عليه معركة «مفاهيم الأدب» حيث يقول: «بدأت حول الأسلوب عام 1923 بين الرافعى وطه حسين، ثم تناولت غاية الأدب، واتصلت بالأسلوب والمضمون، والفن للفن، والفن للمجتمع، ومذهبى الأدب بين الرافعى والعقاد، والتراث القديم. والنقد والتقريظ، ومعارك مفاهيم اللغة. وقد قامت هذه المعارك على أساس مهاجمة الأسلوب القديم المغرق فى السجع والمقدمات والألفاظ القاموسية، وحول غلبة العناية باللفظ على العناية بالمضمون، وقد وقف شكيب أرسلان والرافعى فى صف الدفاع ووقف سلامة موسى وطه حسين فى صف الهجوم، وكانت حجة المدافعين حماية اللغة العربية من أعجمية العامية التى كانت هدف الدعوة التى أثيرت واستشرت، غير أن المعركة انكشفت عن تقارب فى الأساليب وهو ما أطلق عليه الأسلوب التلغرافى. أما المعارك الأدبية بين طه حسين والعقاد فقد كانت يسيرة، كان طه حسين يخشى قلم العقاد، فلم يعرض له إلا لماما وفى حذر شديد، وعندما انضم طه حسين إلى الوفد كان العقاد أكبر من يخشاه، لذلك أسرع مع مناسبة تكريم العقاد فأعلن أنه أمير للشعر، وكان قد سبق فقال بعد وفاة شوقى، «إن إمارة الشعر انتقلت إلى العراق، وليس أعجب فى جانب النقد ولا أروع من تعليق الرافعى على رأى طه حسين فى نقل إمارة الشعر إلى العقاد حين وصفها بقوله: إنما أراد طه فى سخريته أن يقول: فإن لم تثبتوا أن فيكم من استطاع أن يخلف شوقى فاصغروا واصغروا حتى يكون العقاد أميركم».