قد أثار دهشتي ما نشر اليوم بالجريدة ما يحمل عنوان: طه حسين يبايع العقاد أميرا لشعراء العربية. فهذا الكلام ليس صحيحًا وبه من الخطأ والتدليس ما شاع أيام طه حسين ونفاه هو بنفسه وهذا نص كلامه في ص144- ص145 بكتاب "خصام ونقد" الصادر عن دار العلم للملايين في سنة 1955م وأعادت هيئة الكتاب نشر الكتاب في العام الماضي. يقول طه حسين: وقد ذكر الأستاذ سامي داود أني بايعت الأستاذ العقاد بإمارة الشعر في وقت من الأوقات وأن هذه البيعة كانت سياسية اقتضتها ظروف خاصة. وأحب أن أؤكد للأستاذ أني لم أبايع العقاد بإمارة الشعر وما كان لي أن أبايعه؛ لأني لم أكن شاعرًا، وإنما قلت مخلصًا غير مُحابٍ ولا متأثر بالسياسة ولا مستعد للرجوع فيما قلت. قلت: إن الشعراء يستطيعون أن يدفعوا لواء الشعر إلى العقاد بعد أن مات حافظ وشوقي، فهو يستطيع أن يحمل هذا اللواء مرفوعًا منشورًا وأن يحتفظ لمصر بمكانتها في الشعر الحديث. ولم أغير ولن أغير مما قلت شيئًا إلا أن يظهر شاعر جديد يتفوق على العقاد. فللعقاد شعر رائع بارع رصين متين لا يخدع ببهرج اللفظ، ولا يسحر بروعة الأسلوب، وإنما يعجب باللفظ والأسلوب والمعنى جميعًا. وللعقاد شعر أقل ما يوصف به أنه يدل على شيء، ويدل على شيء من حقه أن يحبب الشعر إلى الناس. وقد خاصمت العقاد في غير موطن من مواطن الخصومة؛ خاصمته في السياسة وخاصمته في الأدب، وخاصمته في غير السياسة والأدب أيضًا. ولكن هذه الخصومة لم تغضَّ من قدر العقاد في نفسي، وما أظن أن بين لدات العقاد وأترابه ومعاصريه من يقدره ويكبره مثل ما أقدره أنا وأكبره. وليس يعنيني أن يكون رأي العقاد فيَّ كرأيي فيه، وإنما الذي يعنيني أن أقول الحق وإن كرهه الكارهون وإن كرهه العقاد نفسه. والذين عاصروا خصوماتي للعقاد يذكرون من غير شك أني أثنيت على أدبه في جريدة السياسة حين كانت الخصومة بين الوفديين والدستوريين كأعنف ما تكون الخصومات. لم يمنعني ذلك من أن أسجل أنه كاتب عظيم وشاعر ممتاز. وقد كانت الحرب سجالًا بينه وبيني فلم يمنعه ذلك من أن يقوم مقام الرجل الكريم في مجلس النواب، فيدافع عني حين كان الوفديون جميعًا عليَّ حربًا. وقد خاصمت الرافعي— رحمه الله— كما خاصمه العقاد، وخاصمت المازني وهيكلًا وغير المازني وهيكل كما خاصموني، ولكن ذلك لم يمنعنا في يوم من الأيام من أن نكون صديقًا يعرف بعضنا لبعض حقه، ويضمر بعضنا لبعض ما يضمر الصديق للصديق من الوفاء. وما أعرف أن الخصومة بين العقاد وبيني قد انقضت، فما دام كلانا يكتب فالخصومة بيننا ممكنة، ولكنَّا قوم نعرف كيف نختصم دون أن تفسد الخصومة رأي أحد منا في صاحبه.