لا تمثل باريس بالنسبة للغالبية العظمى من المثقفين المصريين مجرد مدينة يمكنهم أن يرتادوها أو يقيموا بها أو يتأثروا بها فى أعمالهم، وإنما كتبوا فيها غزلا وبلغ ولع بعضهم بها درجة جعلت منهم أشبه بدراويش ذابوا عشقا فى مولاهم، ربما كان لهؤلاء المثقفين عذرهم، ف«مدينة النور» تتمتع بنمط ثقافى شديد التميز والثراء، وطابع مختلف عن باقى المدن الغربية والشرقية، يضعها فى مرتبة متقدمة عند الحديث عن المدن الأكثر وهجًا حول العالم. علاقة المثقفين المصريين بباريس بدأت قديما وترسخت عبر الزمن، بدأت منذ أن دلف رفاعة الطهطاوى إلى باريس عام 1826، فنقل إلينا قبسات من نور الحضارة الفرنسية، مروًرا بالكثير من أهم الأدباء الذين أثروا فى مصر الحديثة، وكانت لهم بصمة واضحة فى الكثير من المجالات مثل عميد الأدب العربى طه حسين والإمام محمد عبده وقاسم أمين وتوفيق الحكيم ومحمود مختار ومحمد صبرى ولويس عوض ومحمد مندور وعلى مبارك والفقيه الدستورى عبدالرزاق السنهورى وشريف باشا أبو الدستور وقبلهم كلهم الخديو إسماعيل الذى تعلم فى باريس. وكثيرا ما تحدث مثقفون عرب عن باريس بصورة أقرب للغزل باعتبارها «باريس كريستيان ديور، وإيف سان لوران، ونهر السين، وبرج إيفل، والكوت دازور، وموناليزا اللوفر، والمولان روج، ورقصة الكان كان، ولوحات مونيه ومانيه، وتولوز لوتريك، وذكريات مسرح سارة برنار، وروايات كوليت، وبارفان كوكو شانيل».