لكل داء دواء يُستطاب به إلا الحماقة أعيت من يداويها نحن المصريين ننظر بجهد لإقامة بناء جديد، وعمود هذا البناء هو الدستور –القانون الأعلى– ولكن عملية كتابة الدستور يشوبها عوار كبير، بدءً بالإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011، وما نشاهده الآن هو تداعيات هذا الحدث. من الضروري عند كتابة أي دستور مراعاة عدد من الأهداف الفرعية التي لا بد من تحقيقها في سياق عملية كتابة الدستور، تتمثل هذه الأهداف في الآتي: · المصالحة بين المجموعات المتصارعة في المجتمع. · تمكين الناس (أقصد هنا بسطاء الناس ومختلف الأطياف) في المشاركة وممارسة حقوقهم وحمايتهم. · تزويد المعرفة السياسية واحترام المبادئ الدستورية. · تعزيز الشرعية. ولكن للاسف كان الهدف هو الوصول إلى وثيقة لم تحقق على الأقل الحد الأدنى من أهداف أي مشروع دستوري وهو التوافق وتحقيق المصالحة بين مجموعات المصريين؛ وبالتالي هناك عوار في عملية صياغة الدستور وإقراره، ونحن هنا إزاء عوار مركب سواء في كتابة الدستور، فلا يمكن القفز على تاريخ الشعوب ولا يُنسى. كما أن ربع سكان مصر يعانون من الأمية فلا يستطيعون قراءة الدستور، مما يسهل عملية دفع الشعب المصري لاتخاذ قرار دون معرفة بأبعاد هذا القرار، خاصة في ظل خلط الديني بالسياسي، وهو الأمر الذي يميز هذا الدستور. وقد حذر أ.د. جودة عبد الخالق من جعل مرجعية تحديد الإسلام إلى مجموعة من البشر؛ مما يفتح أبواب جهنم والعودة إلى ولاية الفقيه. وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي؛ أوضح أ.د. جودة عبد الخالق أنه بذل مجهودًا كبيرًا لفهم وقراءة مواد الدستور، فماذا عن المواطن العادي؟! قامت ثورة 25 يناير 2011 تحت شعار (عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية)، وهنا سأركز على العدالة الاجتماعية، فإنها عندما تهتز تزلزل الأرض، وإذا لم تتحقق فإن الوضع لن يهدأ على الاطلاق. فعند مناقشتنا لمواد المقومات الاقتصادية والاجتماعية في مسودة الدستور، والتي تتمثل المواد فيها (14- 30)، هنا يُلاحظ أن مسودة الدستور لم تحدد النظام الاقتصادي، وهذه النقطة كانت محددة في دستور 1971 (بالاشتراكي الديمقراطي)، فإذا لم يتم تحديد هوية النظام الاقتصادي فإن ذلك قد يجرنا إلى النظام الرأسمالي الحر الذي يكون فيه البقاء للأقوى ويفترس فيه الذئب الآخرين. كما تحدث عن بعض النقاط الإيجابية التي تتمثل في ذكر مسودة الدستور مواد حول حماية المستهلك، الزراعة باعتبارها مقومًا أساسيًا للاقتصاد الوطني، ونهر النيل وموارد الثروة الطبيعية في المواد (14 إلى 19). وأكد أ.د. جودة عبد الخالق أن الجانب الاقتصادي لا ينفصل عن الجانب السياسي، وهنا أشار إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي عدم نص مسودة الدستور على انتخاب نائب للرئيس، على الرغم من وجوده الآن؛ مما يرسخ فكرة عدم وجود رجل ثان في الدولة مثل النظام السابق، فوجود نائب للرئيس يضمن للدولة درجة كبيرة من الاستقرار للأوضاع التي قد تحدث في المستقبل، ويوضح آليه تداول السلطة. وفي ختام حديثه، قال الدكتور جودة: تظل العدالة الاجتماعية الفريضة الغائبة، في ظل القراءة المتأنية لمسودة الدستور، وما زال أمامنا كفاح في سبيل إقرار العدالة الاجتماعية، وهذه هي قضية الآن والمستقبل، وما زال لديّ أمل في تحقيق توازنات وتحركات القوى السياسية تأجيل وزحزحة موعد الاستفتاء للخلف. من كلمة د.جودة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع في مؤتمر «قراءة علمية في مشروع دستور جمهورية مصر العربية ... والذي عقدته كلية الاقتصاد وبحضور نخبة من الخبراء والمتخصصين».