رغم ظهور العديد من الكتب التى تناولت السيرة الذاتية للرئيس الروسى فلاديمير بوتين منذ توليه السلطة فى بداية الألفية الثانية، إلا أن العام الجارى وحده شهد عشرات الإصدارات التى تطرقت لحياته وسياساته فى ظل شعبيته المتزايدة حيال الحرب فى سوريا من جهة، وتنافسه مع الغرب والولاياتالمتحدة من جهة أخرى. بعض هذه الإصدارات يراه تجسيدا للتقاليد التاريخية الروسية والآخر يصف قراراته العدائية، خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا على أنه ضحية للاستفزازات الغربية والغطرسة الأمريكية، وأخرى تجده كديكتاتور لا يهمه إلا السيطرة على العالم وإثبات أن روسيا هى القوى العظمى. من أهم هذه الكتب «القيصر الجديد: صعود فلاديمير بوتين» والذى صدر الشهر الماضى وهو سيرة مفصلة للغاية عنه، ويرصد كيف أصبح واحدا من أخطر التهديدات للأمن الأمريكى، كما يراه الكاتب ستيفن لى مايرز، والذى تناول صعوده كقصة ملحمية مليئة بالغموض ليصبح من أكثر القادة تعقيدا فى التاريخ الحديث. ستيفن لى مايرز كان مراسلا لصحيفة نيويورك تايمز لمدة ستة وعشرين عاما، قضى سبعة منها فى روسيا، وهو الكتاب الأول له لدار النشر «كنوبف»، وقد اكتسب أهميته لأن الكاتب قضى سنوات شاهدا فيها على بزوغ سلطة بوتين فى روسيا، ويروى فى 592 صفحة طفولة بوتين من الفقر المدقع فى لينينجراد، لصعوده فى صفوف المخابرات الروسية «كى جى بى»، إلى الحرب الروسية فى جورجيا فى عام 2008، وكذلك ضم شبه جزيرة القرم فى 2014 والصراع الدائر فى أوكرانيا، وتعرض لوجهات نظر لم تسبق مشاهدتها. الكتاب أخذ خطا متوازنا إلى حد كبير، حيث لم ينكر الكاتب الأمريكى الإصلاحات التى قام بها بوتين فى روسيا، والتى شملت التخفيضات الضريبية، وإعادة تشكيل إمكانات الملايين من الروس، والذين عانوا كثيرا من الفقر وعدم الاستقرار بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، ومن ناحية أخرى، تناول الاستبداد الجديد والقمع الوحشى وسحق المعارضة فى بلاده، لكن الكاتب قال أيضا إنه مازال يتمتع بدعم واسع النطاق من الشعب الروسى. «القيصر الجديد» يجمع بين الفحص النفسى والتحقيق السياسى لفلاديمير بوتين، حيث يقول فيه: لا تملك أى شخصية هذا التأثير المحورى فى القرن ال 21 مثله، حيث يشرح الكاتب كيف يعشق بوتين المخاطر، وهو ما جعله يسعى لدور أعمق فى سوريا وفى الشرق الأوسط كله، وكيف يرى أن الإرهاب من أخطر التهديدات التى تواجه العالم، وهو ما جعله يحذر الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون من التنظيمات الإرهابية التى كانت تساعدها الولاياتالمتحدة وخاصة فى الشيشان. فى يونيو الماضى قام الكاتب المخضرم والتر لاكير بنشر كتابه «البوتينية: روسيا ومستقبلها مع الغرب» المكون من 288 صفحة لدار النشر توماس دن والذى اتخذ جانبا واحدا وهو ديكتاتورية بوتين والتوترات بين روسيا وأمريكا، ملقيًا الكثير من اللوم على الرئيس فلاديمير بوتين واستبعد فيه أى فرص للتفاهم بين الغرب وروسيا فى ظل حكمه، ولكنه لفت النظر فى الكتاب إلى ما يمثله بوتين لروسيا، فهو يرى أنه خادم لشعبه أكثر مما يتوقعه البعض. الغريب أن مؤسسة بروكينجز الأمريكية والمعروفة بأن جزءا من تمويلها قطرى، قامت بإنتاج ونشر كتابين هذا العام عن بوتين، أحدهما فى فبراير الماضى، حيث قام المؤلفان فيونا هيل وكليفورد جادى المحللان فى معهد بروكينجز، بنشر كتاب ذي عنوان لافت وهو «بوتين: عميل فى الكرملين» كدلالة علي كونه عميل مخابرات روسية، والذى تناول فى 520 صفحة فترة حياته من «الكى جى بى» إلى الكرملين آخذًا صورة متعددة الأبعاد لرجل فى حالة حرب مع الغرب، وينظر إلى العالم الخارجي، وماذا يريد، وإلى أى مدى هو على استعداد أن يذهب؟ ورأى الكتاب، أن فلاديمير بوتين أكبر تحدٍ للأمن الأوروبى والنظام العالمى، حيث وصف أن روسيا تمتلك 8000 سلاح نووى، وأن بوتين على استعداد لخوض حرب مهما كلفه الأمر مع الغرب وأمريكا، وهو ما ينذر بالخطر فى الفترة المقبلة. وكتاب مؤسسة بروكينجز الثانى فى سبتمبر الماضى هو «المقامرة الإمبراطورية: بوتين، أوكرانيا، والحرب الباردة الجديدة» تناول فيه الكاتب مارفن كالب غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم الذى فاجأ العالم، وكان رد فعل الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين من خلال فرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا على أمل ساذج أن يتحول بوتين عن الترهيب وتغيير سياسته. تناول الكتاب التدهور الحاد فى العلاقات بين الشرق والغرب التى تلت ذلك، مما يثير تساؤلات أساسية حول سياسات بوتين، ومستقبل روسيا وما هدف بوتين فى نهاية المطاف، والذى رأى المؤلف أنه حل منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو) ونهاية النفوذ الغربى والأمريكى فى أوروبا الشرقية. الكتاب يرصد فى 230 صفحة كيف وصل بوتين خلال إلقاء نظرة فاحصة على التاريخ السياسى الحديث لمرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى إلى ضم القرم، وكيف دعم الشعب الروسى إجراءات بوتين الخطيرة والمثيرة للجدل فى أوكرانيا، حيث قال كالب إن نزاع المصالح بين القوى العالمية هو الذي أدي إلى إحياء الإمبريالية الروسية، ولم يقدم كالب أى وسيلة للخروج من تلك المعضلة. العمل اللافت للنظر، هو ما قامت به هيئة الإذاعة الكندية «PBS» من إنتاج فيلم وثائقى يحمل عنوان «المواجهة: طريقة بوتين» والذى تم إصداره فى مارس الماضى، وتناول فى 60 دقيقة فقط الاتهامات المستمرة من الإجرام والفساد التى صاحبت ارتفاع بوتين فى السلطة بحسب الفيلم وتتبع مهنة بوتين لعقدين من الزمن، من بداية العمل السياسى فى سانت بطرسبرج، حيث بدأت مزاعم الفساد على الفور تقريبًا. الفيلم يروى صعود بوتين خلفًا للرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين، ويتناول العلاقات المثيرة للجدل مع المستشار الألمانى السابق جيرهارد شرودر، ويعيد النظر فى تفجيرات شقة فى موسكو عام 1999 التى لا تزال تؤرق البلاد، وتحمل علامات الاستفهام حول دور الأجهزة الأمنية الروسية وتواطؤ كبار ضباط الشرطة الذين حاولوا اعتقال بوتين بتهمة الفساد، الفيلم يقدم عرضًا لحسابات اللاعبين الرئيسيين فى العالم الذين صوروا بوتين كمفتاح للأمل والديمقراطية، ولكنه تحول الآن بدافع تأجيج القومية إلى حالة من الصراع والتسلط، وعلاقات معقدة مع الغرب والولاياتالمتحدة، والفيلم يتضمن مقابلات مباشرة مع رجال الأعمال والكتاب والسياسيين الروس المنفيين خارج البلاد.