بين الدعوة إلى الله والدعوة إلى الحكم، وقفت الأمة الإسلامية حائرة بين على بن أبى طالب وأبنائه، وبين سلطة بنى أمية، وما تمتعوا به من جاه، وبدأت أزمة المسلمين، التى استمرت بالرغم من حضارتهم العظيمة وفتوحاتهم الجامحة التى لم تتوقف إلا بتدهور أحوالهم، وكان استشهاد الحسين بن على أول مسمار لتشتت المسلمين وتفرقهم بين سنة وشيعة مثلما تفرقت رأس الحسين على أماكن عديدة. قتل الحسين وظل المسلمون كل عام يتذكرون موقعة «كربلاء»، لكنهم يختلفون فى أين استقر رأس الحسين، ذلك الرأس الذي خلد بالغموض، وهذا الحادث لا يقل غرابة عن كثير من الحوادث فى التاريخ الإسلامى التى يتعدد فيها الكلام، ولا يمكن الوصول إلى نتيجة واحدة، فقد كثرت واختلفت فى ذلك أقوال المؤرخين فى المكان الذى دفن فيه الرأس فى587ه كتب الرحالة ابن جبير المشهد العظيم الشأن الذى بمدينة القاهرة، حيث رأس الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو فى تابوت من فضة مدفون تحت الأرض محفوف بأمثال العَمَد الكبار شمعًا أبيض. وقد ظهرت أقاويل كثيرة تنفى ذلك، ومنهم فريق كبير من علماء المسلمين مثل الشبراوى والقزوينى وأبو ريحان البيرونى، حيث يقول فى العشرين من صفر رُدَّ الرأس إلى جثته فدفن معها. كما أكد ذلك ابن حجر العسقلانى فى كتابه (الإصابة فى تمييز الصحابة). وبالرغم من طبيعة المصريين البعيدة عن التعصب فيما يتعلق بآل البيت، إلا أنهم لا يقبلون أى قول ينفى وجود رأس الإمام الشهيد فى مصر، فالمصريون يحملون للحسين ولآل البيت مودة مختلفة بعيدة عن المد الشيعى والكره السلفى، ويذهبون للشهيد يفرغون همومهم ويبكون ندمًا وحزنًا على حالهم، لا حبًا فى المذهب الشيعي، ولكن حبًا فى الشهيد ابن بنت رسول الله، بعيدًا عن الطائفية بينهم وبين البيت مودة وطيدة، لم تتمكن أقوى الدول الشيعية مثل إيران من تغييرها وتطويعها وفقًا لمصالحها السياسية. السلفيون يتوعدون الشيعة المصريين اعتاد التيار السلفى على توجيه الضربات والهجوم المتكرر على الشيعة وقد ظهر ذلك واضحا بعد قيام ثورة 25 يناير وخلال العامين الماضيين قاموا بتدشين حملات لتعقبهم، أهمها حملة (شعاشيع) التى أعلن عنها ائتلاف الصحب وآل البيت. القيادى السلفى ناصر رضوان أحد المهاجمين للشيعة، يعلن دائما أنه سيمنع الشيعة من إقامة طقوسهم، وحذرهم من الذهاب إلى مسجد الحسين للاحتفال بذكرى عاشوراء. وشكل ائتلاف الدفاع عن الصحابة وآل البيت لجنة مكونة من 10 أفراد لرصد الشيعة أمام مسجد الحسين يوم عاشوراء لمنعهم من القيام بطقوسهم داخل المسجد. قيادات سلفية أخرى تركت الانتكاسة التى تواجه التيار السلفى، وتفرغت للهجوم على الشيعة، ومنعهم من الاحتفال بعاشوراء. أوّلها إخوان وآخرها شيعة عقب خروج الشيعة من مصر وعودتها إلى مذهب أهل السنة وإغلاق الجامع الأزهر والقضاء على أى مظهر شيعى فيها. أعاد المماليك للأزهر دوره دون تشيّع، رحل الفاطميون وبقى لمصر حب آل البيت خلال القرن الماضى، بدأت مصر تعرف نوعًا جديدًا من التشيع وهو التشيع المصبوغ بالتجنيد وإغراء المصريين لجذبهم إلى الشيعة. حمل لواء هذا الشكل الجديد عددا من الرموز والشخصيات التى كان أغلبها أعضاء فى جماعة الإخوان أو الجماعات الإسلامية، على رأسهم الدكتور أحمد راسم النفيس الذى كان عضوًا بجماعة الإخوان المسلمين، ثم انتهى به الحال إلى أهم باحث فى أمور التشيّع، وما لحق به من اتهامات كبقية رموز الشيعة فى مصر، كذلك فكانت مسيرة التشيع بالتزامن مع بداية المد الإسلامى فى مصر. ساهم أيضًا عدد من رجال الأعمال الذين عملوا فى السياحة على نشر التشيع وكان على رأسهم محمد الدرينى، حيث كان يعمل بدافع اقتصادى وهو جلب السياح الإيرانيين لزيارة العتبات المقدسة فى مصر. شخصية أخرى ساهمت فى هذا النزاع الأبدى المستتر بين الشيعة والسنة هو الدكتور (الدمرداش العقالى) والذى يعتبر الزعيم الروحى للشيعة فى مصر، وأحد أبرز المعبرين عن قضيتهم فى المحافل المحلية والعالمية. حيث كان هو الآخر عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين ثم تركها، وتدرج مهنيًا فى مؤسسة القضاء، حتى وصل إلى رئاسة محكمة الاستئناف، بعد رحلة طويلة بدأت بتخرجه فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، وعمله بالمحاماة ثم عين قاضيًا فى وزارة العدل المصرية وتدرج فى سلك القضاء إلى درجة مستشار بمحكمة استئناف القاهرة. عُيّن نحو عام 1975 مستشارًا لوزارة الداخلية فى السعودية ومعاونًا فيها من قبل القضاء المصرى. ثم عاد إلى مصر فلم تمض فترة حتى استقال من القضاء للاشتغال بالعمل السياسى، فانتمى لحزب العمل المصرى حتى انتخب عام 1984 بإجماع قواعد هذا الحزب نائبًا لرئيس الحزب، وفى عام 1986 صدر قرار من قبل رئيس جمهورية مصر العربية بتعيينه عضوًا فى مجلس الشورى المصرى وفى عام 1987 رشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب المصرى فانتخب عضوًا. فى حديثه عن التشيع قال الدمراداش العقالى عن تشيعه: «تشيّعت عندما كنت قاضيًا بمحكمة الأحوال الشخصية بأسوان عام 67 وكان عمرى فى ذلك الوقت 35 عاما ولم أكن أعرف شيئا قبل ذلك عن المذهب الشيعى فكنت أحكم فى جلسة وجاءتنى امرأة نوبية تطلب الطلاق من زوجها الذى لم ينفق عليها، وفوجئت بالزوج يخرج من جيبه قسيمة طلاق غيابى منذ عام، فصرخت المرأة وقالت إنه عاشرها معاشرة الأزواج منذ شهرين فأصبت بالذهول، وقررت تأجيل الدعوى ولجأت إلى الدكتور محمد أبو زهرة الأستاذ بكلية الشريعة جامعة طنطا. فقال: لو أن الأمر بيدى ما جعلت الطلاق إلا على مذهب الإمام جعفر الصادق وهو إمام الشيعة الأمامية الاثنى عشرية الذى يعتمد على حكم القرآن بألا يتم الطلاق إلا أمام قاضٍ، ووجود شهود ذوى عدل وعدم خروج الزوجة من بيتها قبل انتهاء أيام العدة، وإذا لمسها كأنه رجع إليها فمن المستحيل أن يحدث طلاق غيابى فى الشريعة الإسلامية». موقف آخر يقول فيه إن تشيعه بسبب قراءته لكتب الشيعة خلال عمله بالسعودية. قام الدمرداش العقالى بنشر التشيع بين المصريين وبخاصة فى الصعيد مستغلا القبلية والأشراف فى الصعيد، وأسس أكثر من جمعية لنشر التشيع كما أنه ترشح لأكثر من مرة لمجلس الشعب واستغل هذه العلاقات فى تمرير أموال الشيعة إلى مصر ونشر التشيع، وساعده على ذلك انضمامه للحزب الوطنى، وحاول الترشح للانتخابات البرلمانية فى أسيوط مجلس شعب 2012 لكنه فشل. سبق وذهب إلى إيران لتعلم فقه الإمام جعفر الصادق، وكان ضيفًا على حسينيات الكويت والبحرين وبعض الدول الأخرى، باعتباره فقيهًا جمع بين أركان الشريعة والقانون. كان العقالى لا يتردد فى الحديث عن علاقته بإيران، ويقول إنها علاقة مودة لأناس أخلصوا دينهم لله، لأن العقبات التى استطاع علماء إيران أن يتغلبوا عليها ليعيدوا الإسلام إلى الحياة لا يمكن أن يتغلب عليها إلا دعاة مخلصون ربانيون. حاول العقالى متزعمًا عددًا من الشيعة تدشين حزب التحرير الشيعى إلا أنه فشل بسبب نقص التمويل، ورفض لجنة الأحزاب إجراءات تأسيس الحزب، فقرر أن يكون مرشحًا للانتخابات البرلمانية بشكل فردى. يعتبر الشيعة المصريون العقالى أبًا روحيًا لهم وكبيرهم يستمعون له ويؤمنون بما يقول، بالرغم من أنه تنكر لهم وقال إنهم أدعياء لا يفقهون شيئًا فى التشيع وهم تجار عقائد.