«كل الحياة دندنة.. ألحان بنسمعها».. أغنية وصفت الحالة الخاصة التى تعيشها سلطانة الطرب كما يلقبها محبوها، وهى الصفة التى تحملها من روح أغانيها وأغانى ألبومها الجديد «أحلام بريئة»، فنجحت أنغام فى أن تنقل بإحساسها المتفرد معانى كلمات أغنياتها، بأوتار صوتها الذى يعد وحده آلات ومقطوعات موسيقية مضافة للألحان الأصلية، وهو خير عودة لها، بعد خمس سنوات من الغياب، لتثبت أن غيابها وراءه عمل متقن يضاف إلى أعمالها القديمة التى لا تغيب عن مكتبة الموسيقى العربية. تضع أنغام صوت المرأة الغنائى فى مرتبة تنافس وتتفوق بها على جميع الحواجز الذكورية فى عالم الغناء، فخلال شهرين عاش جمهورها حالة من الترقب والانتظار الواضح لعملها الجديد، وهو أمر لم تعتد عليه الساحة الغنائية، إلا مع ألبومات الاستثنائيين كعمرو دياب مثلا، ولكن استطاعت «السلطانة»، أن تختطف الجماهير خلال ساعات قليلة من صدور الألبوم، لتصبح رقم واحد على مواقع التواصل الاجتماعى والأعلى استماعا على تطبيق «ساوند كلاود» و«يوتيوب»، فى ساعات، بالتزامن مع نفاد تذاكر حفلتها بدار الأوبرا فى دقائق. «أحلام بريئة» عمل رومانسى متكامل مولود من عالم أنغام الحالم، ولم تنحرف لتقديم نوعية الأغانى ال «مهزومة»، أو السريعة والمعدة إلكترونيًا كبقية المطربين، والتى تقف عائقا أمام قدراته الصوتية التى تمثل عدة معانٍ ومشاعر بجانب قدرته التعبيرية والطربية، وخرج الألبوم كأنه مسجل من جلسات دندنة أو حفلات طرب خاصة بها. عادت أنغام بأغنيتى «بحب أغنى» و«فنجان النسيان» لمجدها فى بداية الألفية، فاستعانت عن قصد بألحان وتوزيعات جديدة، افتقد الجمهور أن يستمع له بصوتها، فتألق معها الملحن والموزع محمد رحيم فى الأغنيتين، ليجعل من نفسه أيقونة نجاح ألبومات عام 2015، وانتقلت لتجعل من الذكريات والهجر محبة، فى أغنية «بقيت لوحدك» و«أحلام بريئة» مبتعدة عن الطاقة السلبية، ومستخدمة لأسلوب جديد بمزج الموسيقى الحزينة بحالة الشجن فى الكلمات والأداء الصوتى، لتجعل الأغنية بين معاتبة الحبيب السابق، وبين رغبتها فى تذكره. وللمرة الأولى تجازف أنغام بالغناء باللهجة اللبنانية فى «بكره الموسيقى»، فبخلاف كلمات وعنوان الأغنية الغريب والجديد، إلا أنها تضيف إلى توسعها عربيًا من الخليجية والمصرية إلى اللبنانية، خاصة لإجادتها اللكنة اللبنانية كأنها تربت فى جبال الأرز، وربما أرادت أن تثبت أنها ليست مطربة مصرية فقط، ولكنها مطربة الوطن العربى بالكامل، فهى لا تغنى بجميع اللهجات ولكنها تغنى لكل القلوب. ربما يحمل ألبوم «أحلام بريئة» العديد من الانعكاسات الإيجابية، ليس على أنغام فقط، ولكن على من تعاونوا معها أيضا، فقدمت العديد من الأسماء الفنية الجديدة من خلال الألبوم بينهم الملحن هشام بولس فى أغنية «أهى جت»، والتى حققت نسب استماع عالية فى أول ساعات من طرحها بشكل منفرد، قبل صدور الألبوم، وكذلك أغنية «بكره الموسيقى» مع الشاعرة كاترين، وفى تعاون هو الثانى بينهما قدمت «حتة ناقصة» من توزيع شقيقها خالد سليمان. أيضا كان تواجد أكثر من مطرب بصورة ملحن فى ألبومها الجديد، دليلًا على تميز مكانة أنغام فى الساحة الفنية، واعتبارها حالة خاصة واستثنائية خارج حسابات المنافسة والتصنيف، فكان التعاون الأول لها مع المطرب الشاب رامى جمال فى أغنية «اتجاه واحد»، ومحمد حماقى الذى يعيد اكتشاف قدراته الموسيقية فى «بين البينين». وهناك أشخاص لا تستغنى أنغام عن تواجدهم معها، وإن طالت فترة ابتعادها أو قصرت، مثل أمير طعيمة فهو من الوجوه الثابتة التى ظهرت خلال مشوارها الفنى فى منتصف الألفية ليظهر معها بشكل جديد، ويكون له نصيب الأسد من أغنيات الألبوم ب «أحلام بريئة»، «اتجاه واحد»، «بحب أغنى»، «ساندة عليك»، «وحته ناقصة»، وهو أكثر الشعراء فهمًا لقاموس أنغام المفضل فى اختيار الكلمات وروح الأغانى وموضوعاتها، ومن بعده يأتى طارق مدكور، الوجه الأكثر ثباتا معها خلال سنوات طويلة من عمرها الفنى، ولم يفارقها فى ألبوماتها، ليحل معها بقوة فى أغنية «أهى جت»، و«ساندة عليك». وعن غير قصد أعادت «أحلام بريئة» شركة روتانا للضوء مرة أخرى، فألبوم أنغام الوحيد بالشركة منذ سنوات الذى يحاط بتلك الهالة الدعائية والتسويقية والجماهيرية، وهى النجمة الوحيدة التى حاز ألبومها على نسبة عالية من الانتشار وسط العديد من الألبومات لنجوم كبار من الخليج ولبنان والمغرب العربى، لتعيد هيمنة الصوت المصرى فى الساحة العربية، وربما تعيد روتانا حساباتها بعد هذا النجاح الذى حققته أنغام فى ساعات قليلة، خاصة فى الممارسات الاحتكارية والدعائية الضعيفة التى تستخدمها الشركة، ضد الأصوات المصرية والعربية. وتوقع العديد أن تعود أنغام لأحضان «روتانا» كمنتج وموزع لها، إلا أنها فضلت العودة كموزع فقط، ربما لأن خبرتها الفنية وخبرتها مع روتانا جعلتها تفضل أن يكون الإنتاج ذاتيًا، لتوسيع مساحة الحرية فى اختياراتها الخاصة، دون توجيه من الشركة المنتجة، وللحفاظ على تاريخها الناجح، وربما كانت التجربة صعبة خاصة لخوضها التجربة للمرة الأولى، إلا أن الانتشار الذى حققته ربما يدفعها لتكرار التجربة من جديد. أنغام هى الصوت المصرى العربى الوحيد، الذى مازال على عرش الغناء العربى، فمنذ صعودها وضعت فى مكانة كبيرة رغم صغر سنها، وظلت محافظة عليها حتى الآن، وهى أيضا الأخيرة المحافظة على «مصرية» أغانيها، بعيدا عن تأثير الثقافات الخارجية الأخرى، وهى أول وآخر مطربة استطاعت ملء فراغ الأصوات النسائية التى تصدرها الساحة المصرية دائمًا، والتى ربما لم تتكرر بعد نجاة الصغيرة مثلًا.