كنت مشغولاً بالتفكير فى دخول سريع لعربة المترو؛ قبل الباب ما يقفل.. وهوووب دخلت، وفى نفس اللحظة دى اشتغلت ماكينة شاب طويل خالص ولسانه زى البربند: أبوك أمك.. أخوك أختك.. أهلك معارفك.. يا ابن الستين× سبعين!! وقبل أن يستقر الشهيق والزفير بتاع قلبي، عرفت أنى المقصود بالشتايم دي.. واشتغلت أفكار× أفكار؛ قلت لنفسى مش ممكن يكون ده بنى آدم؛ ده شخص بشع، لكن مفيش داعى أتعامل معاه على هذا الأساس؛ أى نعم كل اللى قاله فى اللحظة دى يؤكد أنه مش ولا بد، لكن الطيب أحسن؛ وبعدين ده طويل.. طويل خالص لدرجة يستحيل معاها أنى أرفع راسى عشان أشوف دماغه. المصيبة بأه أنى ما اعرفش أشتم.. الشتيمة مش فى طبعي؛ أنا صبور، ولما ينفد صبرى ألطش اللى قدامى فى أى حتة.. أنا أشرّح.. أقطع. كل الأفكار دى دارت فى دماغي، وسخنت أنا بأه سخونية «نار يا حبيبى نار»، وفكرت أمسك فى خناق الشاب اللى طول الباب. والناس فى العربية انقسموا فريقين؛ ولاد الحلال اللى حايشين الشاب عني، وولاد الإيه اللى شغالين تريقة؛ وتروح فين يا حاج.. ويا عمو سيبو ياخد نصيبو. وناس فوتت المحطة مستنين النتيجة؛ تقولش ثانوية عامة. المهم أن الشاب الطويل شغال زى ما يكون حنفية وفتحوها؛ يا ابن الشمال يا ابن اليمين.. ده أنا من عيلة معلمين. وكل ما هو يعلّى أنا برضه أعلّى. وفى لحظة حسيت إنى ممكن أرد بشكل «علمى عملى معملى فذ»؛ مديت إيدى لحزام بنطلونه- دى طبعا بالنسبة لى أعلى حتة ممكن أطوله منها- وهوووب لقيت ناس كتير وقعت، وناس تانية اتخرشمت فى الباب، ولقيت تيار هوا مناخيره سخن نار هيحرق وشي. وفى لحظة فريدة نطت ست عجوزة قدام الأخ «أبو طويلة»؛ (ويا ابنى بص لنفسك.. أنت عشان ربنا أداك حبة صحة تتشطر على الراجل الغلبان ده)؛ عرفتْ إزاى أنى غلبان؛ ما اعرفش.. طاب إيه اللى حصل وخلى «أبو طويلة» يخمد كده مرة واحدة.. برضه ما اعرفش! غلطتى الوحيدة أنى بعد كل الدراما دى انسليت من لساني، وقلت بصوت مسموع: لو حد بس ينوّلنى دماغه؛ دماغه مش أكتر. وهوووب- فى نفس اللحظة- الست العجوزة طارت، وشهدت العربة حركة أكروباتية فريدة جعلت الناس تتفرغ تماما للفرجة؛ خلاص بأه أنا ميت ميت بالنسبة لهم. مش عارف إزاى الشاب الطويل ده حط راسه فى مستوى وشى بالسرعة دي، وهاتك يا زعيق.. آه الله يرحمنى بأه. وتعمل إيه يا فكيك؛ تنط م الشباك ولّا تجرى ولّا... هتروح فين يا خويا؛ ده راسه فى مستوى وشي، ورذاذ طالع من بقه هيخرم صدري؛ وأدى راسى يا حر. أدى راسى يا دونجوان. أدى راسى يا روح أمك؛ ورينا هتعمل إيه؟ وفى لحظة غاية فى الحنية ألهمنى ربى أن أبوس على دماغ الشاب الطويل ده، وبصوت هامس قلت: أسف.. ما كانش قصدى أنرفزك. وفجأة كده لقيته همد مرة واحدة، ونزل لتحت وخلع فردة جزمته الشمال، وقال لى بص؛ صوابعى اطبخت فى بعضيها.. كان لازم تحاسب يا باشمهندس!! عموما فى اليوم المشهود ده كان ممكن أفوت عشرين مترو بشرط إنى أركب براحتى من غير ما أدوس لحد على طرف، خصوصا لو كان طويل بالشكل ده. لكن الدرس الأهم اللى اتعلمته من الموقف الحرج ده، أن كلمة أسف ممكن تحل مشاكل كتير. أى نعم الدنيا زحمة لدرجة تخنق، والأخلاق بقت زفت وهباب، والناس مش طايقة نفسها بسبب البلاوي، وانتفاء كل ما يجعل الإنسان متسامحا وعطوفا وعفوفا، وأى نعم الحكومات الرشيدة بتاعتنا أخدت مننا كل حاجة حلوة، بس الحمد لله سابت لنا كلمة أسف بحالها ومحتالها. مش فاضل غير إن الواحد مننا يسمى ابنه «أسف»، عشان ما يتعرضش للموقف اللى اتعرض له «جناب اللى جابو». [email protected]