(1) ركبت الموتوسيكل اللى إشتريتة من أخر سبوبة .. خرجت من حوش البيت لقيت الدنيا كلها دخان وضباب.. مش عارف ليه كملت الطريق مع إنى شايف طشاش وبالعافية .. لكن لازم أكّمل .. شوية ولقيت الضباب إتحول للون الأحمر والدنيا بقت حر جداً بشكل لا يطاق .. فجأة .. أنقشع الضباب .. ببص تحتى لقيت الطريق بيضيق .. ويضيق أكتر .. وأكتر .. وبقيت ماشى بالموتوسيكل على طريق زى حد السيف .. وتحت بعيد أوى حفرة نار ممتدة حتى الأفق .. مليانة ناس بتصرخ وبتحاول تتعلق فى الطريق اللى بأه زى الشعرة .. وأنا ماشى وحافظ توازنى بالعافية .. الغريبة إنى أعرف الناس دول اللى بيصرخوا تحت .. كلهم ناس من اللى شغلونا ودفعولنا فلوس ياما عشان ال .. الموتوسيكل بيتهز .. فقدت توازنى ووقعت فى الحفرة .. وكل مافتكر إنى خلاص هوصل للقاع ألاقيه بيبعد أكتر .. جلدى يتفحم .. ودانى بتصفر .. والصفارة بتتحول لجرس .. أغنية المطرب سمكة وهو بيصرخ .. نفسى أفوق من الكابوس. نطيت من الفرشة وأنا باخد نفسى بالعافية، التليفون بيرن، ملعون أبو ده كابوس، عيشة إيه الزفت دى يا رب؟ يومنا زى الهباب ونومنا تعب وعذاب. -عايز إيه يا «كرم» على الصبح؟ -صباح الخير يا «عباسية» -صباح الزفت على دماغك، عايز إيه .. بتكلمنى ليه دلوقتى؟ -أنت لسه نايم؟ الساعة إتناشر!أنا كنت فاكرك بتصلى الجمعة؟ -جمعة إيه وزفت إيه على دماغك؟ أنت عمرك شفتنى بركعها؟ لخص. عايز إيه؟ -عندنا شغل مع «حسام» باشا -و«حسام» زفت بتاعك عايز إيه؟ هى الإنتخابات جت بدرى ولا إيه؟ -لأ! بس من غير الشغل ده، إنسى سبوبة الإنتخابات لأنها هتتلغى -مابلاش فقر أهلك ده على الصبح وفهمنى إيه الحكاية -مستنيك على القهوة بتاعة «غمرة» وهفهمك، بدل اللقمة الطرية ماتروح -مسافة السكة يا وش الفقر (2) ركبت الموتوسيكل اللى أشتريته من أخر سبوبة .. ساعتها خليت عوض الكهربائى ركبلى فيه سماعات تطرش اللى على بعد كيلو "وأما بنعمة ربك فحدث" أُمال إيه؟.. مطربى المفضل «سمكة» بيغنى سمكة على بلطية .. وهى نفسها رنة الموبايل اللى صحتنى من الكابوس النهاردة الضهر .. ياترى ده كان إيه؟ حلم ولا كابوس؟ والناس اللى شفتهم فى حفرة النار دول؟ كلهم معارفى ولاد الكلب بتوع الحزب والمباحث ورجالة الأعمال اللى كانوا بيجيبونا كل مرة يكون فيها وقفة ولا مسيرة، ولا عايزين يربوا حد أو يكسروا أو يحرقوا قسم .. ليه وقعت فى الحفرة معاهم؟ أنا مالى .. هو أنا هاروح النار ولا إيه؟ طب هما وعندهم مراكز ومناصب وجاه ومال ونفوذ عايزين يحموها عشان كده بيجيبونى .. أنا بأه أروح النار ليه؟ هو أنا حيلتى حاجة؟؟؟ الزفت قاعد على المخروبة أهه .. يا مسهل. وبعد الشرح والذى منه: -بس يا سيدى وأدى الحكاية وما فيها ومافيش فى الميدان دلوقتى إلا 100 أو 200 واحد بالكتير -ماشى. أنا هعمل المطلوب. بس الوقت ضيق والتكاليف هاتكون أكتر من كل مرة عشان الميكروباصات والاوتوبيسات والأكل وخلافه -هديك باكوين دلوقتى تظبط أمورك والدفع أخر النهار، الراس بميه وخمسين -واشمعنى ميه وخمسين؟ ليه مش «ميه»؟ وليه مش «ميتين»؟ -عشان هو محاسبنى على «ميتين» للراس، والخمسين الفرق بالنص بينى وبينك عشان أنت أخويا وحبيبى -وتلاقى إبن ال..... محاسبهم على «تلتميت» أو «خمسميت» جنيه للراس، بس أهى أرزاق، أنا هلحق ولاد ال..... قبل مايسرحوا وعلى العصر هنكون هناك. هيكون فيه يفط؟ -هاهاهاهاهاها، إنت لسه فاكر؟ أه بس ماتقلقش هيكون فيها صور. مافيش يفط كلام بس. والأعلام هايكون عليها النسر عشان مايمسكوهاش بالمقلوب زى المرة اللى فاتت هاهاهاهاهاها -أه وحياة أبوك، لو إتفضحنا تانى كده هايغيرونا بمقاطيع غيرنا وهانشحت -ماتقلقش، بس لو عرفت قبل العصر يا ريت، عشان فضيحتهم بقت بجلاجل على كل القنوات -ماتقلقش، بس أنا ماوعدكش بأكتر من «ميتين» أو «تلتميت» واحد بالكتير -مش مهم، هما بيظبطوا حالهم وبيقربوا بالكاميرا، والمذيعين بتوعهم بيكملوا الباقى هجص، وهتلاقيهم بيقولوا أن ميدان العباسية ده فيه نص مليون -هههههههههههههههههه .. عندك حق والله، فاكر الهُبل بتوع أسفين يا ..... -فاكر، فاكر، مش وقت حكاوى. ياللا عشان تلحق، ربنا معاك (3) الساعة واحدة بالليل .. كفاية كدة .. وأهى الناس قبضت وروحت .. وأنا كمان أروح أقضيلى ليلة فل .. مش عارف قلبى مقبوض ليه .. ده حتى يوم عسل وكله رزق. زوبة العفشه، وعديلة المهتوكة، وعزيزة أفيش، وعلية قرموط، وسعيد بعيضة، والزناتى، والبرنس، وشمس، وبكاكا، وحشيشة. كل واحد فيهم جابله بتاع «خمسين» راس وأكتر كمان وجبرت ونهارنا كان فل وقبضنا، وعلى أخر اليوم طلعتلى بتلت بواكى وشوية فكة يقضوا أكل وشرب ومزاج لأخر الأسبوع، وساعتها تكون الإنتخابات بدأت وربنا يخليلنا الحرامية الكبار وأصحاب المصلحة .. مالى بأه .. مش مبسوط ليه .. من ساعة الكابوس اللى صحيت منه الصبح وأنا مقبوض .. أكيد عشان اللى سمعتهم بيقولوه فى الفضائية إمبارح عن الشباب اللى إتقتلوا واللى عينيهم طارت والجثث اللى إتدهست واتسحلت فى الشوارع وبعدين إترمت فى الزبالة! طب أنا مالى؟ هو أنا السبب فى اللى حصل ولا إيه؟ هو أنا اللى بحكم البلد؟ أنا بجيب اللى بيأيدوهم بس عشان القرشين اللى بيدفعوهم، لكن ماحنا عايشين فى خرارات أهه، لا صحة ولا تعليم ولا مرافق ولا أمن ولا حتى لقمة عيش نضيفة، ماهو اللى يصدق إن الفقير بيأيد حكومة الكفره دول يبأه حمار عدم المؤاخذة، إوعى تكون هاتحاسبنى يارب على اللى بيحصل ده وتدخلنى النار؟ أتحاسب على إيه؟ ده أنا وعيت على الدنيا لقيتنى على الرصيف بشحت، لا أم ولا أب ولاعيلة، وأغتصبونى وأنا عيل، وعرفت الضرب فى الأقسام من وأنا عندى خمس سنين، ومن بيع المناديل، لتباع على ميكروباص، للنشل، للسرقة، لناضورجى، للدعارة مع الرقاصات وبنات الليل، لغاية ما ربنا كرمنى بمنجم الدهب اللى فى البلطجة وشغل الإنتخابات، والإعتصامات، والوقفات، وأهو كله لقمة عيش. ده حتى الإسم اللى كتبهولى فى الملجأ عُمر ماحد نادانى بيه، واللى لزق فيا هو إسم شهرتى اللى خدته من أيام النشل فى العباسية. كنت لقيت لقمة نضيفة أنا ولا أهل يعلمونى وقلت لأ؟ ثم اللى فى التحرير عايزين إيه؟ بيقولوا عايزين كرامة وإنسانية! معناه إيه الكلام ده يا ولاد ال.....؟ كرامة إيه؟ ماطول عمرنا مذلولين وطالع دين أبونا وماحدش بيعبرنا، يعنى على راسهم ريشة؟ وإبن ال..... يقوللى كنت فاكرك بتصللى الجمعة؟!!! عشان كده هاتحاسبنى يارب؟ عشان مابصليش؟ "كنت كلت إيه عشان أشرب عليه طيب؟"، ده أنا كل أملاكى فى الدنيا هى الموتوسيكل اللى أنا راكبه! واللى لو ولعوا فيه زى ما عملوا مع الواد اللى بيسعف المصابين فى التحرير ممكن أولع فيهم وفى نفسى. حاسبهم هما والبهايم اللى بيصدقوهم، أنا من حقى أستريح دنيا أو أخره، وأدى حالى فى الدنيا أنت أعلم بيه، يبأه أتعذب فى الأخرة ليه؟ رحمتك يا رب وحياة حبيبك النبى، ده أنا مش حمل لسعة من براد شاى. نار إيه اللى بحلم إنى هادخلها بس؟ (4) ركبت الموتوسيكل اللى أشتريته من أخر سبوبة .. ومشيت على الخيط اللى زى حد السيف، وحفرة النار اللى تحتى أحر وأقرب من المرة اللى فاتت .. ومن بعيد أشكال طايرة شبه الفراشات المضيئة بتقرب منى .. بدأت ملامحها توضح شوية شوية .. لقيت الفراشات شباب بأجنحة من نور كانوا كلهم بيبصولى بحزن وشفقة مافهمتش سببها إلا لما لقيتهم بيطيروا بعيد وأمطار خطاطيف من نار بتنهش فى جسمى وتنزع منه روح شبه الدخان الأسود وترميها فى حفرة النار .. ومن بعيد أشلاء جسمى المتفحمة بتسقط فى النار وتتلاشى .. وروحى السودا بتسقط فى الحفرة بلا نهاية .. والمطرب «سمكة» بيصرخ من سماعات الموتوسيكل .. "نفسى أفوق من الكابوس .. نفسى أفوق من الكابوس" لكن المرة دى .. مافوقتش منه أبداً.