بعد طول انتظار ومعاناة لمدة ست سنوات جاء قرار مساعد وزير العدل لشئون المحاكم رقم 7448 بتعيين وفاء قطب، 29 سنة، كأول وأصغر فتاة في منصب مأذون بمحكمة الإسماعيلية الكلية لشئون الأسرة، ليكون ذلك القرار بمثابة الحجر الذي قام بتحريك الماء الراكد، ويفتح الباب لأجيال قادمة قادرة على أخذ زمام المبادرة وتحدي العادات والتقاليد، وتصحيح الصورة الذهنية المغلوطة عن المرأة. وفاء قطب الحاصلة على ليسانس الحقوق من جامعة الزقازيق عام 2006، والتي استكملت دراساتها العليا لتحصل على درجة الماجستير في القانون العام عام 2008، تروي في حوارها مع البوابة لتفاصيل قصة اختيارها كأصغر مأذونة في مصر، والصعوبات التي واجهتها، فإلى نص الحوار: *** في البداية كيف جاءت فكرة تقدمك للعمل ك"مأذونة"؟ بداية التفكير في هذه المهنة جاءت مع تعيين أول مأذونة وهى أمل سليمان في عام 2008، والتي صاحب تعيينها ضجة إعلامية كبيرة كونها أول سيدة تمتهن هذه الوظيفة، وكان العرف السائد في هذا الوقت هو قصر هذه المهنة على الرجال فقط والشكل النمطي للمأذون الذي يرتدي "العمة والقفطان"، ويتعامل ويتحدث مثل أي شيخ، إلا أن لائحة هذه المهنة شجعتني؛ لأنها لا تشترط جنسا معينا لتولي وظيفة المأذون، حيث لم تنص على ضرورة أن يكون رجلا، لذلك تقدمت بأوراقي بعد فتح باب الترشح لمهنة مأذون في 2009 بعد وفاة الشيخ إبراهيم المصري مأذون قسم غربي حي أول بالإسماعيلية، وهو ما ترتب عليه أن أصبحت المأذونية خالية، وكنت ضمن 32 متقدما، وانطبقت عليّ شروط الوظيفة، وصدر القرار من محكمة الإسماعيلية بتعييني كمأذونة، وتم التصديق عليه من وزير العدل، وذلك بعد ست سنوات من التقدم للوظيفة استلمت اليوم بالفعل مهام وظيفتي كمأذونة واستلمت دفاتري من المحكمة؛ ولأن اللائحة تنص على عدم الجمع بين وظيفتين فقد تقدمت باستقالتي من وظيفتي كمعاون قضائي بمحكمة الإسماعيلية الابتدائية، والتي عملت بها لثلاث سنوات حتى يتسنى لي تولي مهام المنصب الجديد. *** هل لوظيفة المأذون طبيعة خاصة تختلف عن غيرها؟ - المأذون هو موثق فقط، فهذه الوظيفة كغيرها، إلا أننا بالعرف والتقاليد ألبسنا المأذون عباءة الدين رغم أنه موظف كغيره، إلا أنه ذو طبيعة خاصة حيث نخضع لتفتيش وزارة العدل وليس لنا رواتب ثابتة، كذلك ليس لنا معاشات أو تأمين صحي، كما أن المأذون يقوم بتجهيز مكتبه على حسابه الخاص، كذلك هو ملزم بدفع الضرائب، وهذا هو الفرق بين الموظف الحكومي والمأذون. *** بماذا تشعرين وأنت أصغر وأول مأذونة في مدن القناة وسيناء؟ أشعر بالتميز والفخر كوني أخذت زمام المبادرة، وفتحت الباب أمام بنات جيلي ليتقلدوا تلك الوظيفة دون الخوف من نظرة المجتمع، مع العلم أن أي مهنة تمتهنها المرأة لأول مرة تواجه انتقادات عديدة؛ لأن من تفتح الباب دائمًا هي من تتحمل اللوم فقط لتمهد الطريق لمن يأتي بعدها. *** وما ردود الأفعال التي واجهتك بعد توليك هذا المنصب؟ - كانت ردود الأفعال إيجابية أكثر مما توقعت، وقام العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بنشر الخبر والتهنئة، وهو ما لاقى استحسانا كبيرا رغم أني توقعت الكثير من الهجوم والانتقادات شديدة اللهجة؛ ولكن كان وعي الشباب أكبر، وكان العصر النسائي هو الأبرز رغم أني لا أنفي مساندة كثير من الرجال لتولي المرأة وظيفة المأذونة، وكانت معظم التساؤلات تدور حول مدى شرعية تولى المرأة لهذا المنصب، وهو مدلول جيد يدل على أن هناك عقولا تفكر وقابلة للإقناع. *** ما طموحاتك وأحلامك التي تريدين تحقيقها كمأذونة؟ - أرغب في تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن المأذون وهي أنه شيخ يقدم الفتوى للسائلين، فأنا أرفض ذلك تمامًا، وأرى أن دار الإفتاء المصرية هي المؤسسة الوحيدة المنوطة بتقديم الفتوى، فالمأذون يجب أن يكون ملمًا بأحكام الزواج والطلاق التي تؤهله لأن يعقد العقود ويوثقها بطريقة صحيحة، فقد قمت بدراسة الشريعة الإسلامية لمدة أربع سنوات، والمأذون لا ينبغي أن يفتي؛ لأن فتوى واحدة غامضة قد تطيح بمستقبل أسرة بأكلمها، إلا أن للمأذون دورًا هاما في محاولة الصلح بين الطرفين في حال الطلاق؛ ولكن إذا باءت تلك المحاولات بالفشل فيجب أن تتم الإجراءات القانونية. *** وهل هناك صعوبات تتعرضين لها في عملك الجديد؟ - المهنة ليست بها صعوبات؛ ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يشعرون بالضيق عند معاملة الجمهور، مع أني أرى أن أسلوب المأذون هو الأساس، وكلما كان أكثر لطفا وتفهما كلما سهل على نفسه المهمة، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" صدق الله العظيم. *** هل كان موقف الأهل معارضا أم مؤيدا لوظيفة المأذونة؟ - كان هناك تشجيع كبير من الأهل، وكانت أمي، رحمة الله عليها، هي من شجعتني وساندتني منذ البداية عندما تقدمت بأوراقي لمحكمة الأسرة، وكذلك أخي الذي دأب على مساندتي والوقوف بجانبي بقوة لأنال حقي وأحقق هدفي، وهو ما زادني إصرارا واقتناعا بأن لي حقا ينبغي الحصول عليه، لذلك أطالب بنات مصر بمساندتي، فوظيفتي كمأذون لم تنتقص من أنوثتي شيئًا، وحصول المرأة على حقها في التعيين في الوظائف المختلفة هو حق أصيل يجب الحرص عليه، فهناك نسبة كبيرة من نساء مصر معيلات تحدوا الصعاب من أجل تحقيق هدفهم وإعالة أسرهم.