إعداد: أحمد صوان إشراف: سامح قاسم يبقى الملحن والمطرب الراحل سيد درويش علامة فارقة في التلحين والغناء العربي، حيث أدخل التجديد إلى الألحان العربية بشكل لم يسبق حتى اتهمه مُعاصروه بأنه يُفسد اللحن العربي؛ ولكن ظلت أعماله في النجاح؛ وكان اختيار الرئيس الراحل أنور السادات لنشيد "بلادي" ليكون النشيد الرسمي للجمهورية هو أكبر تخليد لذكرى الفنان الراحل. البداية: اسمه الكامل هو السيد درويش البحر، من مواليد الإسكندرية في 17 مارس 1892، كان والده المعلم درويش البحر يمتلك دكانًا للنجارة بحي كوم الدكة، وألحقه في طفولته بالكتاب، ثُم بالمعهد الديني بالإسكندرية؛ وبعد وفاة والده اضطر لترك المعهد والعمل من أجل سداد ديون والده، فعمل مُبيضًا للنحاس وبائعًا للدقيق، وكان أثناء العمل يُدندن بأغنيات عبده الحامولي محمد عثمان التي أثارت إعجاب العمال وحماسهم، فطلب منه المعلم أن يكتفي بالغناء؛ وعندما بلغ السادسة عشرة تزوج وصار مسئولا عن عائلة، فبدأ العمل مع فرق موسيقية، لكنه لم يوفق، فاضطر أن يعمل كعامل بناء، وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء، مُثيرًا إعجاب العمال وأصحاب العمل، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله -وهما من أشهر المشتغلين بالفن- في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908. بقي درويش في الشام حتى عام 1914، حيث أتقن أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية في الظهور بعد أن قام بتلحين أول أدواره "يا فؤادي ليه بتعشق"؛ وفي عام 1917 انتقل إلى القاهرة، لكن الجمهور الذي تعود على صوت سلامة حجازي كان استقباله فاترًا للمطرب الجديد، مما جعل الشيخ سلامة الذي تبناه يخاطب الجمهور دفاعًا عنه ووصفه بأنه عبقري المستقبل، وطلب منه تلحين رواية كاملة لفرقة جورج أبييض هي "فيروز شاه"، وعندها انتبه الجمهور والفرق الأخرى إلى أن فنًا جديدًا قد ظهر، فحرصت معظم الفرق على اجتذاب درويش لتلحين رواياتها، ثم أصبح في سنوات معدودة الملحن الأول في مصر متفوقًا بذلك على الملحنين المخضرمين مثل كامل الخلعي وداود حسني وغيرهم؛ ومنذ ذلك سطع نجمه وصار إنتاجه غزيرًا، فقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية التي كانت تستوطن شارع عماد الدين الشهير مثل فرقة نجيب الريحاني الذي ألف له ألحان ثاني أوبريت "ولو"، والذي انتشرت ألحانه انتشارًا هائلًا، حتى كان الأطفال يرددونها في الشوارع، والعمال في المصانع، والفلاحون في حقول الريف، ولذلك تهافت عليه أصحاب الفرق، وجاء وقت كان يوجد في القاهرة أربع فرق وعدة صالات للغناء كانت كلها تقدم أوبيرتات من تلحينه، إضافة إلى الفرق الكبيرة مثل جورج أبيض وعلي الكسار، حتى قامت ثورة 1919 فغنى رائعته الأشهر "قوم يا مصري".