تمر غدا ذكرى واحد ممن أسسوا لفن الموسيقى العربية، بل هو مجدد الموسيقى وباعث نهضتها فى مصر والوطن العربى وصاحب أجمل لحن وطنى وهو "بلادى بلادى .. لك حبى وفؤادى" وهو الموسيقار ابن مدينة الإسكندرية سيد درويش ، الذى رحل فى 10 سبتمبر من عام 1923 أى أنه يمر على رحيله 89 عاما. وكان بإمكان هذه الذكرى أن تتوج بظهور مسلسل "أهل الهوى " الذى يجسد حفيده إيمان البحر درويش فيه شخصيته حاليا بمدينة الإنتاج الإعلامى، ولكن الظروف الإنتاجية حالت دون اكتماله فيلم يعرض فى شهر رمضان الماضى.. والمسلسل الذى كتبه محفوظ عبد الرحمن ويخرجه عمر عبد العزيز يتناول حياة بيرم التونسى وعلاقته بسيد درويش ويرصد تفاصيل كاملة عن حياة درويش إذ يجسد شخصية بيرم الفنان فاروق الفيشاوى ويجسد إيمان شخصية جده وسيعرض بعد الانتهاء من تصويره ولن ينتظر التليفزيون قدوم شهر رمضان 2013 لعرضه . وهى ليست المرة الأولى التى يقدم فيها عملا عن سيد درويش بل قدمته السينما فى فيلم وقام بدوره الفنان الراحل كرم مطاوع وشارك فيه من النجوم هند رستم وعادل إمام وكان أول ظهور سينمائى لهانى شاكر وأخرجه أحمد بدرخان ورصد الفيلم. حياة الراحل العظيم سيد درويش منذ نشأته فى الإسكندرية حتى وفاته المفاجأة يوم عودة سعد زغلول من المنفى مستعرضا أهم المحطات فى حياته وأهم ألحانه وأغانيه. وسيد درويش واسمه الحقيقي السيد درويش البحر، ولد في الإسكندرية في 17 مارس 1892 وتوفي في 10 سبتمبر 1923. بدأ حياته مرددا مع أصدقائه لألحان الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهري التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905 ثم عمل في الغناء في المقاهي تزوج الشيخ سيد وهو في السادسة عشرة من العمر، وصار مسئولا عن عائلة، فاشتغل مع الفرق الموسيقية، لكنه لم يوفق، فاضطر أن يشتغل عامل بناء، وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء، مثيرا إعجاب العمال وأصحاب العمل، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به الشيخ سيد درويش، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908. عاد إلى الشام في عام 1912 وظل هناك حتى عام 1914 حيث أتقن أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية تتفجر، ولحن أول أدواره "يا فؤادي ليه بتعشق". في عام 1917 انتقل سيد درويش إلى القاهرة، ومنذ ذلك سطع نجمه وصار إنتاجه غزيرا، فقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية في عماد الدين أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار، حتى قامت ثورة 1919 فغنى "قوم يا مصري". أدخل سيد درويش في الموسيقى للمرة الأولى في مصر الغناء البوليفوني في أوبريت العشرة الطيبة وأوبريت شهرزاد والبروكة. بلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة العشرات من الأدوار وأربعين موشحا ومائة طقطوقة و 30 رواية مسرحية وأوبريت. أول أغنية لحنها كانت زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة وكانت مناسبة تأليفها أن امرأة يحبها قالت له هذه العبارة ابقى زورنا يا شيخ سيد ولو كل سنة مرة. اشتهر اسم سيد درويش وذاعت أغانيه حتى وصل إلى سمع رائد المسرح الغنائى المصري سلامة حجازى الذي حرص على زيارته في الإسكندرية والاستماع إليه شخصيا عام 1914، وأبدى إعجابه بأسلوب سيد درويش في التلحين وتنبأ له بمستقبل كبير ثم عرض عليه الانتقال إلى العاصمة القاهرة للعمل معه، وفعلا ترك الإسكندرية واستمع جمهور القاهرة إليه لأول مرة مطربا بين الفصول المسرحية، لكن الجمهور الذي تعود على صوت سلامة حجازى كان استقباله فاترا للمطرب الجديد مما جعل الشيخ سلامة يخاطب الجمهور دفاعا عنه قائلا "هذا الفنان هو عبقرى المستقبل". اشترك الشيخ سيد مع الفرق التمثيلية ممثلا ومغنيا فعمل مع فرقة سليم عطا الله وسافر معها إلى سوريا ولبنان وفلسطين وكان لهذه الرحلة أثر كبير في اكتسابه أصول الموسيقى العربية إذ تتلمذ في حلب على الشيخ عثمان الموصلي العراقي ويقول الشيخ محمود مرسي إن الشيخ سيد عاد بعد هذه الرحلة أستاذا كبيرا في ميدان الموسيقى العربية سافر مرة ثانية مع فرقة جورج أبيض إلى البلاد السورية فأعاد الصلات الفنية بينه وبين موسيقييها واكتسب من أساتذتها ما افتقر إليه من ألوان المعرفة ولما عاد إلى القاهرة في هذه المرة رسم لنفسه خطة جديدة في ميدانه الغنائي والمسرحي فلحن معظم أدواره وموشحاته الخالدة التي عرفت الناس بمدرسته الإبداعية الجديدة. ظهر للشيخ سيد أول دور بعد هذه الرحلة وكان مقام العجم يا فؤادي ليه بتعشق وكان مقتبسا من موشح حلبي قديم مقام العجم أيضا أخذه الشيخ سيد عن الشيخ عثمان الموصلي ولكنه لم يستطع في بادئ الأمر أن ينسبه إلى نفسه وإنما نسبه إلى إبراهيم القباني ولما اشتهر الشيخ سيد في تلحين الأدوار بين الناس عاد ونسبه إلى نفسه وينسب إلى الشيخ سيد عشرة أدوار واثنى عشر موشحا وأوبريت وطقاطيق وأهازيج وأناشيد حاسبة وغيرها. اقتبس من أقوال الزعيم مصطفى كامل بعض عباراته وجعل منها مطلعا للنشيد الوطني "بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" ولحن أيضا نشيدا وطنيا من نظم مصطفى صادق الرافعي ومطلعه بني مصر مكانكم تهيأ فهيا مهدوا للملك هيا خذوا شمس النهار حليا كما لحن في مناسبة أخرى أناشيد وطنية قال فيها أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرامين جدودي أنشأوا العلم العجيب ومجرى النيل في الوادي الخصيب لهم في الدنيا آلاف السنين ويفنى الكون وهم موجودين وأنشد في جماعة من المتظاهرين ضد الاحتلال الإنجليزي نشيدامحمسا إياهم قال: دقت طبول الحرب يا خيالة وآدي الساعة دي ساعة الرجالة انظروا لأهلكم نظرة وداع نظرة ما فيش بعدها إلا الدفاع وعالج الشيخ سيد في أغانيه الموضوع الاجتماعي في غلاء المعيشة والسوق السوداء قال استعجبوا يا أفندية ليتر الكاز بروبيةاضاف للفن المصرى الحانا لم تكن موجودة مثل تلحينه لما يسمى بالأوبريت ومنها أوبريت "شهرزاد" ظهرت هذه الأوبريت للمرة الأولى أواخر عام 1920 وأوائل العام 1921 وكان انقلابها بدء انقلاب جديد في عالم الموسيقى العربية والألحان المسرحية كما لحن أوبريت "العشرة الطيبة" ألف هذه الأوبريت محمد تيمور ونظم أغانيها بديع خيري وألف نجيب الريحاني فرقة تمثيلية خاصة برآسة عزيز عيد لإخراجها وكلف الشيخ سيد بتلحين محاوراتها وأغانيها ولحن أوبريت "البروكة" وهذه التسمية هي اصطلاح فني يقصد به الشعر المستعار الذي يضعه الممثلون على رؤوسهم والرواية معربة عن أوبرا لاما سكوت لأروان ولحن أوبريت "كليوباترة وانطونيو" اقتبس هذه الأوبرا للمسرح العربي الأستاذان سليم نخلة ويونس القاضي وقدماها للسيدة منيرة المهدية التي قدمتها بدورها لسيد درويش لوضع موسيقاها ولكنه لم يلحن منها إلا الفصل الأول وقد حاول إتمام تلحينها في فصليها الثاني والثالث الاستاذ محمد عبد الوهاب.