كان الأسبوع الماضي حافلاً بالأحداث بالنسبة للصين، في البداية، أصاب بنك الشعب الصينى العالم المالي بصدمة عندما قام بتخفيض سعر العملة الصينية "اليوان" مقابل الدولار الأمريكي بما يقرب من 2%، مما أدى إلى انخفاض قيمة اليوان في التعاملات الخارجية بأكبر من 2%. وأدى هذا الانخفاض إلى موجة من التكهنات، بما في ذلك بعض التوقعات بأن تؤدي الخطوة الصينية إلى سباق نحو القاع للعملات الآسيوية. وقالت بكين: "إن إصلاحاتها تهدف إلى إصلاح التشوهات بين سعر التداول لليوان والسعر الفعلي له في السوق، وليس من المرجح حدوث تحولات كبيرة لاحقة، ومع ذلك، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعويم أكبر لليوان، وهو الشيء الذي كان صندوق النقد الدولي قد طلبه من بكين قبل أن ينظر الصندوق في اعتبار اليوان ضمن سلة العملات. وفي تصريحات لصندوق النقد الدولي على هامش تقريره السنوي عن الاقتصاد الصيني، الذي سيصدر في وقت لاحق من هذا الأسبوع، أشار الصندوق إلى أن اليوان لم ينخفض بأقل من قيمته، على الرغم من هبوطه. في الأسبوع الماضي أيضاً، أصدرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية تحذيراً للموظفين المتقاعدين بالبقاء بعيداً عن السياسة وعدم إساءة استخدام شبكات اتصالاتهم ومكانتهم السابقة. وجاء التحذير بعد تقارير نشرتها وسائل إعلام حكومية تشير إلى أنه تم إلغاء الاجتماع غير الرسمي السنوي لمسؤولي الحزب الحاليين والسابقين في بيدايخه وأن الاجتماع لن يكون بمثابة لقاء لصنع السياسات في المستقبل. وأشارت التقارير إلى أن مسؤولي الحزب عقدوا بالفعل عدة دورات إضافية في بكين ويتم اتخاذ القرارات في النور وليس خلال تجمعات سرية لقيادات الحزب، وحذرت تقارير أخرى متداولة في وسائل الإعلام الصينية من تورط مسؤولين سابقين في الحزب والجيش في المضاربات العقارية جنبا إلى جنب مع سوء الإدارة الاقتصادية وهناك ضرورة لإيقافهم. أسوأ حوادث الصناعية وأخيراً، تعاملت الصين الأسبوع الماضي مع واحدة من أسوأ الحوادث الصناعية في السنوات الأخيرة، والتي تمثّلت في سلسلة من الانفجارات في منشأة لتخزين مواد كيميائية على المدى القصير في ميناء تيانجين المزدحم. ولقي أكثر من 100 شخص حتفهم بسبب الانفجارات وتوابعها، مما دفع الحكومة إلى فتح تحقيق حول التخزين غير القانوني وإجراءات السلامة غير الملائمة في المنشأة وغيرها من المرافق في جميع أنحاء البلاد. وقد بدأ مواطنون الخروج في مظاهرات على نطاق صغير في تيانجين للمطالبة بتعويضات عن الأضرار الحكومة نتيجة الانفجار، وردّاً على ذلك، صعدت بكين من حملتها الإعلامية ضد الشائعات، واستخدمت وسائل الإعلام الحكومية لتذكير الناس بأن الحكومة وجهت اتهامات علنية بالفساد ضد عضو بالمكتب السياسي الدائم، لذا يمكن للجمهور أن يضع ثقته في الحكومة التي تتخذ قراراتها على الملأ في شفافية ولن تخفي أي مؤامرة تحيط بانفجار تيانجين. وفي هذا السياق، قال مدير قسم شئون شرق أسيا بمؤسسة "ستراتفور" المعنية بتحليل التقارير السياسية والاستخباراتية العالمية، رودجر بيكر، في تحليل له نشرته المؤسسة الأمريكية "إذا كان هناك موضوع مشترك من خلال هذه الأحداث، فإنها الطريقة التي تؤكد بها بكين انفتاحها في عملية صنع القرار، وفي إصدار التقارير، وفي تفسير أفعالها". وأضاف الكاتب: "هذه ليست الصين القادمة من الماضي التي كانت تحاول إخفاء الحقائق المتعلقة بالكوارث الطبيعية أو من صنع الإنسان عن مواطنيها، وليست هذه هي الصين التي كانت تُدار بالاتفاقات السرية التي لا تُعقَد إلا بعد إجماع شيوخ الحزب، أو الصين التي حاولت حماية مسؤولي الحزب من محاسبة الجمهور، أو الصين التي تفرض قيود صارمة على عملتها، وسط مخاوف من أن تؤثر تقلبات الأسواق العالمية على نظامها الاقتصادي". وهذه على الأقل هي الرسالة التي تريد بكين إرسالها، وهي الرسالة التي ربما كانت موجّهة للاستهلاك المحلي أكثر منه للاستهلاك العالمي، لكنها تنطوي على الاعتراف بأن الخارج والداخل لا يضعان ثقة كبيرة في الحزب الشيوعي الصيني أو الحكومة لانتهاج سياسة شفافة، بحسب الكاتب، منوهاً إلى أنه ما تزال وصمة الفساد والتواطؤ والمحسوبية قوية، بل ربما تعززت باتساع الحملة الجارية لمكافحة الفساد وتعمقها. النظم القديمة عفا عليها الزمن وأكد الكاتب أن الصين تواجه ما قد يكون أخطر أزمة منذ أيام دنغ شياو بينغ، ولم يعد نموذج الحكم والاقتصاد الذي وضعه دنغ فعّالاً في إدارة الصين، ناهيك عن تحويله في اتجاه جديد. ولفت الكاتب إلى أنه عندما برزت الصين من الفوضى في عهد الماويين، بدأ دنغ ثلاث سياسات أساسية للنمو والتنمية المستقبلية في الصين، بدءاً من مطلع الثمانينات تقريباً. أولاً، سمح للاقتصاد بمزيد من الحرية المحلية، مع القبول بأن تنمو بعض المناطق بصورة أسرع من غيرها بحيث يؤدي المد العالي إلى رفع كل القوارب على المدى البعيد. ثانياً، منع أي فرد واحد من السيطرة على النظام السياسي الصيني بالفعل، ولم يعد بمقدور شخص بارز مثل ماو تسي تونغ أن يبسط الكثير من النفوذ الشخصي بحيث ينزلق البلد بأكمله إلى اضطراب اقتصادي واجتماعي، وبدلاً من ذلك، سيرتكز قادة الصين على نموذج للقرارات التي تُتخذ بتوافق الآراء وتهدف إلى الحدّ من سلطات الفرد وتقضي على الانقسامات والفصائل لصالح شبكات واسعة من النفوذ التي تتداخل بدرجة معقدة لا تسمح بانقسامها بالفعل. وأخيراً، إدارة الصين بهدوء على الصعيد الدولي، فتظهر بمظهر الدولة الصارمة التي ترتدي ثوب سياسة عدم التدخل وتتجنب إظهار أي قوة عسكرية في الخارج. وبرأي الكاتب، كان الغرض من هذه النقطة الأخيرة، إعطاء الصين الوقت الكافي لترسيخ تماسكها الاقتصادي والاجتماعي الداخلي وامتلاك القوة مع تجنب جذب الانتباه العسكري غير المبرر من قِبَل جيرانها أو الولاياتالمتحدة. وأشار الكاتب إلى أنه في وقت لاحق، نجح نموذج دنغ بصورة رائعة بالنسبة للصين، على الأقل ظاهرياً، وبينما أنهار الاتحاد السوفياتي، تماسك الحزب الشيوعي الصيني، حتى بعد سوء إدارة بكين لأحداث ساحة تيانانمن. وعلى الرغم من أن قادة الصين بدأ عليهم البطء في الاستجابة لتغيير استباقي أو الشروع فيه في بعض الأحيان، فقد حققوا نمواً اقتصادياً سريعاً للبلاد بطريقة تجنبت حدوث زعزعة للاستقرار الاجتماعي أو السياسي. وأوضحح الكاتب أنه لم يتمكن الحزب من تحقيق عملية انتقال القيادة التي بدأها دينغ، وإنما نجح في آخر انتقال إلى شي جين بينغ، حتى وسط فضيحة داخل الحزب، كما تمكّن قادة الصين إدارة التأثير الذي نجم عن التباطؤ الاقتصادي العالمي وظهروا بمظهر القادرين على الحفاظ على النظام حتى مع تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي الصيني إلى حد كبير. ولكن الهدوء النسبي على السطح كان ينطوي على تيارات أعمق مثيرة للقلق، يقول الكاتب، مضيفاً: "كان الجانب المظلم للحكم القائم على توافق الآراء يتمثل في أنه بينما يبدو أنه يوفر الاستقرار، فقد كان، بحلول أواخر العقد الأول من الألفية الثانية، يبذل المزيد من الجهود لإدامة المشاكل الهيكلية الأساسية التي يمكن أن تؤخر أو حتى تعرقل الإصلاحات الفعلية أو التطور الاقتصادي، فعدم وجود تحولات جذرية وتجنب أحداث الركود الرئيسية والقدرة على تأجيل إصلاحات كبيرة ولكن يُحتمل أن تكون مزعزعة للاستقرار جعل الصين تبدو وكأنها طاغوت لا يمكن إيقافه". ولفت الكاتب إلى أن اقتصاد الصين قد تخطى اليابان وبدا متجهاً إلى تجاوز الاقتصاد الأمريكي، وإذا تحولت القوة الاقتصادية إلى قوة وطنية في مجملها، فإن الصين كانت على وشك الظهور كقوة عالمية عملاقة. بدأت بكين حتى الابتعاد عن تحذيرات دنغ بشأن الإعلان عن قوتها العسكرية ودخلت في معارك أكثر حزماً في بحر الصين الشرقي والجنوبي، ويرجع السبب في ذلك، وفقاً للكاتب، إلى تصورها بأنها بحاجة إلى حماية ممراتها البحرية الهامة التي تقلّ الموارد الطبيعية والصادرات، فضلاً عن شعورها بأنها باتت أكثر قوة وإرادة وأرادت العمل بناء على نقاط القوة هذه. ومع ذلك، فإن جميع الاقتصادات تتسم بنمط دوري، حيث تنمو خلال مراحل مختلفة، فتحتاج الأغصان الميتة إلى تهذيب والبراعم الجديدة إلى تمويل، على حد وصف الكاتب. ويُعتبر الركود والتباطؤ والإفلاس وانهيار القطاعات جزءاً من العملية الاقتصادية الطبيعية، حتى لو كانت مدمرة على المدى القصير. وبينما تزعم الصين تجاوز سلسلة القيمة في الصناعات والصادرات، فإنها لم تقم بتهذيب والتخلص من المكونات القديمة للاقتصاد أو إصلاح نفسها والتخلص من الشركات الضخمة المستقرة المملوكة للدولة التي تعرقل بشكل غير متناسب رأس المال المتاح مقارنة بإجمالي العمالة. وأوضح الكاتب: "سمحت سياسة الإجماع للصين بالنمو، ولكن ليس بطريقة صحية .. ولم يعد الاقتصاد العالمي يعطي الصين الحرية التي تجعلها لا تفعل سوى تزويد اقتصادها بالسماد والمغذيات وتأمل أن لا يلاحظ أحد العفن الذي ينتشر في الجذع والفروع". إدارة الأزمات ل"شي" ولم يكن انتقال القيادة إلى "شي" في عام 2012 سلساً كما ظهر أول مرة، فقد حدث الانتقال وسط فضيحة "بو شي لاي"، التي أظهرت أن سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني فى بلدية تشونغتشينغ كان لديه مخطط لإعادة تشكيل اتجاه السياسة الصينية فضلاً عن صعود شى إلى الحزب المركزي وقيادة الدولة، وتنطوي النتائج التي برزت في خضم الحملة الجارية لمكافحة الفساد على أن التحدي كان أكثر خطورة مما بدا عليه الأمر كثيراً، بما في ذلك مؤامرة الاغتيال المزعومة ضد شي. وتؤكد التصريحات الأخيرة بشأن قادة الحزب ومسؤوليه السابقين الذين تريد السلطة إبقاؤهم بعيداً عن السياسة أن التحديات التي تواجه موقف شى ما تزال آخذة في الظهور. وأدى قرار شي ببناء مجلس أمن قومي وهيئة استشارية للشؤون الاقتصادية، يكون هو أحد أعضائها، إلى إثارة معارضة من قِبَل مسئولين سابقين تم استخدامهم في أدوار لصياغة السياسة. وكان إلغاء قمة بيدايخه غير الرسمية علانيةً بمثابة ضربة صارخة ضد المسؤولين السابقين. وتستمر حملة الإصلاحات التي يقودها شي. وبينما تواجه الصين بعض أصعب التحديات الاقتصادية، وبعد أن خاضت بحر الصين الجنوبي والشؤون العسكرية الدولية بطريقة لا تساعدها على الانسحاب بسهولة مرة أخرى، فإنها تكافح أيضاً المعارضة الداخلية والاقتتال داخل الحزب. وبحسب الكاتب، فإن حملة الإصلاحات التي يقودها شي، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحملة مكافحة الفساد، ترمي إلى تشديد زمام السيطرة للسماح بإجراء تعديلات سياسة بسرعة أكبر، وفرض سياسات كلية على المحليات، وتسريع زمن استجابة الحزب والدولة للظروف المتغيرة. لكن هذه الإصلاحات تتحدى عقوداً من التقاليد والسلطة الراسخة والمصالح. كما أنها تخلق تناقضاً، فالسياسات الاقتصادية تتجه نحو التحرير، ولكن السياسات السياسية والاجتماعية تتجه نحو الاستبداد، وفقاً للكاتب. ولإدارة المرحلة المقبلة من انفتاح الصين الاقتصادي والإصلاح- وهو الشيء سيغير الاقتصاد العالمي في الوقت الذي تضغط فيه عقود من التحجر الداخلي على بكين- يشن "شي" حملة قمعية في الوقت نفسه على وسائل الإعلام والمعلومات والحريات الاجتماعية والحزب نفسه، فهو يخشى أن يؤدي الإصلاح الاقتصادي الكبير دون سيطرة سياسية صارمة إلى تكرار التجربة السوفيتية، بمعنى انهيار الحزب وربما الدولة نفسها. وأكد الكاتب ضرورة تقييم كل حدث وكل عنوان في سياق هذه الأزمة الداخلية، معتبراً تراجع العملة خطوة مهمة في تحرير تجارة اليوان والحصول على دور في سلة العملات واستمرار توجّه الصين نحو عولمة اليوان (وتحرير البلاد قليلاً على الأقل من هيمنة الدولار)، ولكنها خطوة لها مخاطر ليس أقلها أن العملة الأكثر تحرراً يمكن أن تتحرك في اتجاهات بعيدة كل البعد عن تلك التي تريدها الحكومة. وبحسب الكاتب، ففإن انفجار تيانجين يعزز المخاوف من سوء الإدارة والفساد المستشري. وقد أدى إلى إثارة جولة جديدة من التكهنات بوجود مؤامرات ويضع الحكومة في موقف بحيث يجب أن تتعامل مع المتظاهرين في مدينة كبرى فضلاً عن المستثمرين والتجار الأجانب (...) وهو ما يثير مرة أخرى أسئلة صعبة حول الأمن والسلامة في الصين. ومن الممكن أن تكون تحذيرات الموظفين المتقاعدين الذين يتدخلون في السياسة ذات دلالة أكبر من مجرد محاولات دعائية لتسليط الضوء على بعض الشفافية المكتشفة حديثاً في الصين. وهذا لا يعني أن الصين على وشك الانهيار وأن الحكومة والحزب على وشك التصدّع جنباً إلى جنب مع خطوط المعركة الضروس، أو أن الإصلاح الاقتصادي مستحيل في مواجهة المصالح الراسخة، يقول الكاتب، مستدركاً بقوله: لكن هذا لا يعني عدم ورود ذلك أيضاً. ورأى الكاتب أن الصين دخلت مرحلة من مراحل الشك، ولن يحدث الانتقال إلى اقتصاد قائم على الطلب الداخلي بسلاسة، كما أنه لن يحدث بين عشية وضحاها، مشيراً إلى أن البلاد تواجه بالفعل انخفاض في حجم الصادرات واستنزاف للاستثمارات. يحمل شي على كاهليه كل هذه القضايا في الوقت الذي يستعد فيه لزيارة الولاياتالمتحدة في سبتمبر، حيث تتسع دائرة المخاوف بشأن الصين يومياً. وأكد الكاتب في ختام تحليله أن الفترة الانتقالية هي الأكثر فوضوية، والأكثر هشاشة، وهذا ما تمر به الصين في الوقت الحالي.