«المنجوس».. موضة قديمة فى الأشعار لفة «مديح العذراء» لا تمتع الشباب الشاعر رمزى بشارة، أحد أشهر مؤلفى الترانيم على الساحة القبطية حاليا، وأكثر الشباب الذين يكتبون الترانيم والمدائح للشهداء والقديسين، خاصة عن القديسة العذراء مريم، التى كتب لها أكثر من مائة ترنيمة، مثل «حنونة ومعينة»، و«مريم يا ابنة يواقيم»، و«مريم اسمك غالى علىَّ» بخلاف ألبومات «أمى الغالية» و«حكايات العدرا»، و«ست العذارى»، و«كل الناس بتحبك» وغيرها. وعشقه لكتابة الترانيم دفعه إلى التطوير والبحث الدائم، ليكون قريبا من وجدان الشباب فى وقتنا الراهن، وهو ما دفعه أيضا لمطالبة الكنيسة بأن تجدد من أساليبها، فيما يتعلق بالتعليم والخدمة، وأن تواكب الوقت الراهن بترانيم ومدائح عصرية، خاصة أن كثيرا من الترانيم القديمة بها مفردات لغوية، لم تعد موجودة ولا يفهمها الشباب، وفى هذا الحوار نتعرف على عالم التغنى والترنم فى العذراء مريم بين التراث والمعاصرة.. ■ لماذا تحظى العذراء مريم بأكبر عدد من الأغانى الروحية؟ - أمنا العذراء مريم هى صاحبة الترانيم الأكثر عدداً والأوسع شهرة، من بين كل القديسين، ويعود هذا لعظيم محبتنا لها، فهى كما نقول فى «ثيؤطوكية» الأحد فى التسبحة: «مستحقة أكثر من جميع القديسين»، وقد بالغ بعض مؤلفى الترانيم التراثية فى مدحها، إلا أن الكنيسة القبطية، كنيسة معتدلة تضع العذراء مريم فى مكانتها الطبيعية، التى تليق بها، فلا تؤلهها، فهى فى النهاية إنسانة، وقد قالت: «ولتبتهج روحى بالله مخلصي»، معلنة أنها تحتاج إلى الخلاص كسائر البشر، كما أن الكنيسة لا تبخس حقها، فهى أم المخلص والمختارة والمُصطفاة من بين نساء العالم، لتحمل فى أحشائها السيد المسيح كلمة الله، الله الظاهر فى الجسد بحسب إيمان المسيحيين. ■ ما الفرق بين الترانيم قديما والترانيم الحالية؟ - البراعة والفن و«الروقان»، هى العناصر التى نفتقدها الآن فى كل شيء، والترانيم القديمة التى كتبت فى حب السيدة العذراء، كانت تُصنع ببراعة، فلحن مثل «يامريم البكر فُقتى الشمسَ والقمرَ»، التى تغنت به فيروز، لا يزال الأجمل حتى الآن، ومن الصعب أن تجد ملحنا قادرا على تأليف معزوفة تماثله، فعلى الرغم من صعوبة لحن فيروز وتنوع جُمَله الموسيقية، إلا أنه سهل الحفظ، ويجذب القلب قبل الأذن، وللأسف فإن فى وقتنا الحالى توجد عشرات الألحان الباهتة التى تفتقد للشخصية، أو مجرد تنغيم للكلام تنساه بمجرد الانتهاء من سماعه. ■ وهل يمكن أن يستمتع الشباب القبطى بترنيمة مثل «رشوا الورد ياصبابا» فى وقتنا الحالي؟ - هذه جزئية مهمة تسلط الضوء على موضوع أجده غاية فى الأهمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فأنا أرى أن الكنيسة التى تحافظ على التراث، عليها أيضا أن تسعى للتطور ومواكبة العصر، ليس من جهة العقيدة والإيمان، لكن من جهة التعليم والخدمة وأساليبهما، ومن ضمن هذه الأساليب «الترانيم والمدائح»، فمع مرور الزمن يتطور كل شيء، ومن يتوقف عن ملاحقة هذا التطور سيفوته القطار وسيتحوَّل إلى ذكرى، وحاشا للكنيسة القبطية أن تُصبح هكذا، ومن ضمن ما يتطور «اللغة»، فكثير من المفردات لم تعد تُستَخدَم فى حياتنا اليومية، حتى فى الأغانى العادية هناك كلمات توقف استعمالها وأصبحت «موضة قديمة»، ومع هذا تملأ مثل هذه الكلمات مدائحنا وترانيمنا، ومن أمثلة هذه الكلمات «المنجوس والمكنون والأركون والعوازل»، وهى موجودة فى بعض ترانيم تراثية قديمة، لكن غير مفهومة، فكيف يرددها الشباب الآن وهم لا يعرفون لها معني، كما أن الكثير من المدائح العربية كُتِبت فى عصر اضمحلال ثقافى ولغوى عاصرته الكنيسة، وناتج عن تخلى الكنيسة لا إرادياً، عن التحدث بلغتها «القبطية»، وتعلُّم لغة جديدة هى العربية، وربما يلاحظ الكثيرون وجود العديد من المدائح المكتوبة بلغة عربية فصحى تتخللها كلمات عامية، لذلك أرجو أن تقوم الكنيسة بحركة تأليف واسعة لترانيم ومدائح سليمة عقائديا وكتابياً وطقسياً، ومناسبة لأُناس يحيون فى القرن الواحد والعشرين، وأن تضم إلى طقوسها ومناسباتها المختلفة، ترانيم جديدة، فالروح التى ألهمت الآباء لا تزال موجودة ولا تزال ترشد وتعلم. ■ هل تجد نفسك فى حيرة عند الكتابة عن صفات العذراء؟ - بالطبع، الكتابة عن السيدة العذراء أمر مُحَيِّر، ولعلك سألت هذا السؤال نظراً لكونِك مؤلفاً وكاتباً، لا صحفياً فقط، فأيُّ وصفٍ يمكن أن يليق بسيدة نساء العالمين، أم السيد المسيح له المجد، التى قلت عنها فى إحدى ترنيماتى: أم المسيح/ شغلت عقول. أم بصحيح/ لكن بتول. وقد عَبّرت عن حيرتى عندما أكتب عن هذه القديسة المُطَوَّبة، فى هذه القصيدة: دا بحر الدنيا متعكر وبوجودِك يامريم راق حاولت اكتب كتير عنك لقتنى بقطَّع الأوراق كلام الدنيا ما يكفيش ومين زيك ياعدرا! مفيش وديعة مطيعة يا شفيعة مثال للطهر والأخلاق.