تناول البابا شنودة صفات العذراء مريم، فى كثير من أعماله، وأشار إلى فضائلها، كالتسليم والاحتمال، كما أشار إلى «الاتضاع»، ويقول عن الصفة الأخيرة: «كان لابد للمسيح أن يولد من إنسانة متضعة، تستطيع أن تحتمل مجد التجسد الإلهى منها مجد حلول الروح القدس فيها ومجد ميلاد الرب منها، ومجد جميع الأجيال التى تطوبها واتضاع أليصابات أمامها، قائلة لها: «من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلىّ..» (لو1: 48، 43). كما تحتمل كل ظهورات الملائكة، وسجود المجوس أمام ابنها. والمعجزات الكثيرة التى حدثت من ابنها فى أرض مصر، بل نور هذا الابن فى حضنها. لذلك كان «ملء الزمان» (غل4: 4) ينتظر هذه الإنسانة التى يولد ابن الله منها. وأكد البابا شنودة أن من فضائل القديسة مريم حياة التسليم، فقد عاشت مريم قديسة طاهرة فى الهيكل، ثم جاء وقت قيل لها فيه أن تخرج من الهيكل، فلم تحتج ولم تعترض، مثلما تفعل كثير من النساء اللائى يمنعهن القانون الكنسى من دخول الكنيسة فى أوقات معينة، فيتذمرن، ويجادلن كثيرًا فى احتجاج. كما كانت تريد أن تعيش بلا زواج، فأمروها أن تعيش فى كنف رجل، حسبما تقضى التقاليد فى أيامها، فلم تحتج وقبلت المعيشة فى كنف رجل، مثلما قبلت الخروج من الهيكل. أيضًا من فضائها أنها كانت تحيا حياة التسليم: لا تعترض ولا تقاوم، ولا تحتج، بل تسلم لمشيئة الله فى هدوء، بدون جدال. وقد صممت على حياة البتولية، ولم تفكر إطلاقًا فى يوم من الأيام أن تصير أمًا. ولما أراد الله أن تكون أمًا، بحلول الروح القدس عليها (لو1: 35) لم تجادل، بل أجابت بعبارتها الخالدة «هو ذا أنا أمة الرب، ليكن لى كقولك».. لذلك وهبها الله الأمومة، واستبقى لها البتولية أيضًا، وصارت أمًا، الأمر الذى لم تفكر فيه إطلاقًا. بالتسليم، صارت أمًا للرب، بل أعظم الأمهات قدرًا. وأمرت أن تهرب إلى مصر، فهربت، وأمرت أن ترجع من مصر، فرجعت، وأمرت أن تنقل موطنها من بيت لحم وتسكن الناصرة، فانتقلت وسكنت. كانت إنسانة هادئة، تحيا حياة التسليم، بلا جدال. لذلك فإن القدير صنع بها عجائب، إذ نظر إلى اتضاع أمته. ومن فضائل القديسة مريم حياة الاحتمال، فقد تيتمت من والديها، وهى فى الثامنة من عمرها، وتحملت حياة اليتم، وعاشت فى الهيكل وهى طفلة، واحتملت حياة الوحدة فيها، وخرجت من الهيكل لتحيا فى كنف يوسف النجار واحتملت حياة الفقر. ولما ولدت ابنها الوحيد، لم يكن لها موضع فى البيت، فأضجعته فى مزود (لو1: 7). واحتملت ذلك أيضًا، واحتملت المسئولية وهى صغيرة السن، واحتملت المجد العظيم الذى أحاط بها، دون أن تتعبها أفكار العظمة، ولم يكن ممكنًا أن تصرح بأنها ولدت وهى عذراء، فصمتت واحتملت ذلك. واحتملت السفر الشاق إلى مصر ذهابًا وإيابًا، واحتملت طردهم لها هناك من مدينة إلى أخرى، بسبب سقوط الأصنام أمام المسيح (أش19: 1). واحتملت الغربة والفقر واحتملت أن «يجوز فى نفسها سيف» (لو2: 35)، بسبب ما لقاه ابنها من اضطهادات وإهانات، وأخيرًا آلام وعار الصلب. ولم تكتف العذراء سلبيًا، بالاحتمال، بل عاشت فى الفرح بالرب، كما قالت فى تسبحتها «تبتهج روحى بالله مخلصي» (لو1: 47).