مما لا شك فيه أن قطر تعتبر الدولة العربية الأقرب لإيران، وهو ما يطرح تساؤلا بخصوص استغلال الجمهورية الإسلامية لهذه العلاقة، من خلال استخدام الدوحة كأداة للتسلل للمنطقة العربية بعد تغير معطياتها، عقب توقيع الاتفاق النووي النهائي بين طهران والسداسية الدولية في فيينا، ورفع العقويات عن إيران ورد الأموال المجمدة في البنوك الغربية إليها، حيث لن تجد طهران خير من قطر، التي كانت العاصمة الخليجية الأولى التي خرجت عن حالة المقاطعة مع إيران وذهبت إلى أكثر من ذلك عندما نادت أن تشترك إيران في مهمات حفظ الأمن في المنطقة باعتبارها من أكبر دول المنطقة وأقواها، فضلا عن امتيازات الدوحة العديدة، إذ أنها عضو في الجامعة العربية، وعضو في مجلس التعاون الخليجي، ما يعني إمكانية استغلالها من قبل إيران في تسويق الاتفاق النووي للدول الخليجية من خلال مجلس التعاون، وللدول العربية من خلال الجامعة العربية. ولعل الواقع يشير دائما إلى مخالفة و"مناكفة" قطر الدائمة للإجماع العربي وحتى الخليجي في العديد من القضايا، والتي بلغت ذروتها في الخلاف القطري الخليجي الأخير بسبب دعم قطر للإرهاب في مصر ومحاولتها زعزعة أركان حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي المدعوم في السعودية والبحرين والإمارات والكويت وسلطنة عمان، باستثناء قطر الوحيدة، فضلا عن العديد من القضايا الخلافية الأخرى، غير أنه في النهاية كانت الدوحة واحدة من معوقات الإجماع العربي الخليجي في المنطقة. ويعود التقارب القطريالإيراني إلى حقبة احتدام المواجهة بين قطر والسعودية، حيث سعت الأولى إلى إنشاء جسور من التواصل مع إيران لتكون العلاقات بينهما أكثر قوة، ولتكون ورقة ضغط للدوحة داخل البيت الخليجي من جهة، والبيت العربي من جهة اخرى، وهو مالم تلتفت له السعودية وقتها، حيث قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في مارس الماضي، خلال استقباله رئيس مجلس الشورى الإيراني على لاريجاني إن "إيران لم تتسبب لنا بأي أذى ولم تفتعل أية مشكلات منذ بداية الثورة الإسلامية وحتى الآن"، معربا عن تأييده لانضمام إيران إلى النادي النووي من باب الاستفادة السلمية. ويأتي كلام أمير قطر في الوقت الذي تحفظت فيه الدول الخليجية على توقيع الاتفاق النووي، حيث سعى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لطمأنة دول الخليج من الاتفاق، خلال اجتماعه بهم، وهو مالم يفلح فيه؟. أيضا كانت الدوحة أول من فتح أبواب الخليج أمام إيران، من خلال دعمها لجماعات وأذرع إيران في المنطقة من ناحية، ومن خلال عضويتها في مجلس التعاون الخليجي من ناحية اخرى، فضلا عن أن زيارة أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني إلى طهران عام 2000 تعتبر الزيارة الأولى التي يقوم بها حاكم دولة خليجية لإيران منذ عشرين عاما، وقد تجاوزت هذه الزيارة المجاملات السياسية إلى الدعوة مباشرة للتطبيع التام بين العرب وإيران، متغافلا كل الاعتداءات الإيرانية على الأمن العربي الخليجي سواء في احتلال الجذر الإماراتية أو الدعاية السياسية المغرضة ضد مملكة البحرين. الأزمة الآن أن الدوحة قد تكون الثغرة الجديدة التي قد تتسلل من خلالها إيران إلى قلب الأمة العربية، بعد ان فشلت في القيام بهذا الدور في البحرين بسبب وطنية وعروبة حاكمها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس وزرائه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، كما فشلت في القيام بهذا الدور في العراق وسوريا لانكشاف تبعية وولاء نظاميهما إلى طهران وليس للأمة العربية. ولعل ما يقوي هذا الاحتمال هى رسائل الود التي تبادلها قادة إيرانوقطر عقب توقيع الاتفاق النووي، حيث أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني السبت الماضي أن الاتفاق النووي بين بلاده والقوى العظمى سيؤدي إلى تقوية العلاقات مع قطر، وذلك بعد يومين من تأكيد الدوحة على أنها "أول من دعم وشجّع على تسوية الملف النووي لطهران" !! ولا عزاء للدول الخليجية الكبرى.