في كتابه «مثقفون مع الأصولية الإسلامية»، يقول الكاتب طلعت رضوان، إن الشعب المصرى وقع ضحية «لابسى الأقنعة من المتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة من شعراء وروائيين وباحثين». تمثلت الخدعة في أن عددا كبيرا من «المتعلمين الكبار» الذين أطلقت الثقافة عليهم مصطلح «مثقفين»، نالوا صفة ليبراليين ومتنورين وأحيانا علمانيين، وبالتالى يتم تصنيفهم على أنهم ضد الأصولية الإسلامية، بينما كتاباتهم عكس ذلك، أي أنهم من الأصول الإسلامية. يعترف الكاتب في مقدمة الكتاب أنه كان من ضمن المخدوعين إلى أن قرأ ما كتبه هؤلاء المتعلمون، فقرر أن يحلل كتاباتهم ويكتب عنهم كى تستفيد منها الأجيال السابقة. ومن الشخصيات التي جاء ذكرها في الكتاب الدكتور جلال أمين، فيكشف الكاتب موقف «جلال»، وانحيازه للأصول الإسلامية من خلال نظرته للأزهر، فكتب: «ما فعله عبد الناصر بمؤسسة كالأزهر –يقصد تحويل الأزهر من جامع إلى جامعة- فمهما قيل عما أصاب الأزهر من ركود لقرون طويلة وتخلفه عن ملاحقة متطلبات العصر، كان الأزهر يحمل دائما ولا يزال إمكانيات كبيرة لابتداع نمط من التعليم يختلف جذريا عن النمط الغربي، ليس فقط من حيث طريقة التعليم، ولكن أيضا من حيث المضمون ومدى اتصاله بالتراث». هنا يكون اللغز، أن البديل عند الدكتور جلال هو العودة للتراث العربى الإسلامى في مواجهة التغريب، أي على شعبنا المصرى الانصراف عن علوم وثقافة وفنون وآداب وفلسفة الغرب، والعودة للتراث العربى الإسلامي. وتأكد ذلك عندما جدل السياسة بالفكر في ضفيرة واحدة، فقال: إن «إسرائيل هي ابنة الغرب وربيبته»، وأضاف: «التصالح معها هو في جوهره تصالح مع الغرب». هذا الربط ينفى إمكانية علاقة الندية بين الدول في إطار مصلحة الوطن كما تفعل العديد من الأنظمة، والجملة السابقة توضحها الجملة التالية مباشرة، فقال: «والاعتراف بتفوق ما يسمى بالتكنولوجيا الإسرائيلية هو في الأساس تأكيد جديد للاعتراف بتفوق الغرب، وترديد القول بتحضر الإسرائيليين وتخلف العرب، وهو في الحقيقة تأكيد جديد على ضرورة تقليد الغرب وضرورة الإقلاع عن نغمة الاستقلال الحضارى للعرب». ولأن الأصوليين يلتقون على أرض واحدة لخدمة أهداف محددة، فلم تكن مصادفة أن تلقى توجهات الدكتور جلال أمين ترحيبا من الأصولى فهمى هويدى الذي كتب متوافقا مع «جلال» عن الفترة السابقة ليوليو 1952: «ولأن الانكسار كان شديدا والتفوق الغربى بدا باهرا، فقد استحكمت حالة الهزيمة الحضارية وعششت في العقل العربى والإسلامى منذ بداية القرن التاسع عشر على الأقل، الأمر الذي تجلى بوجه أخص في تركيا وإيران وتونس ومصر، حيث رجحت كفة دعاة التغريب، ولكن هذا المعسكر اهتزت أركانه ومسلماته بقيام ثورة يوليو 52 التي فجرت التحرر الوطنى، واعتبرت أهم تمرد معاصر على ثقافة الالتحاق بالغرب، حتى عندما اختارت الثورة طريق الاشتراكية، فقد حرصت على أن تصفها بالعربية، تعبيرا على الخصوصية والاعتزاز بالجذور والهوية». يكمن إعجاب فهمى هويدى بالدكتور جلال أمين لأنه يهاجم الليبرالية الأوربية، وبالتالى تترسخ في عقل المواطن كراهيته للديمقراطية والعلوم الطبيعية والفنون والفلسفة وسيادة العقل وتداول السلطة. وإذا راعينا أن الدكتور جلال من المهاجمين للغرب والتغريب، فإنه تعلم في دولة أوربية، إذ حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، وكان زائرا لمادة الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا وأستاذا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة من عام 79 وحتى الآن. وإذا راعينا أن أمريكا لا تلقى بدولاراتها هباء، فإن السؤال الأهم هو: «ما حقيقة الدوافع التي تجعل أمريكا تحتضن وترحب بتعيين الدكاترة المصريين في فرع جامعتها بالقاهرة وبمرتبات مغرية؟»، وهم هؤلاء الذين يهاجمون الليبرالية الغربية تلك الليبرالية التي انطلق منها المجتمع الأمريكى، وبها حقق التقدم، فهل هناك دافع لأمريكا أكبر من أن يكون البديل هو إغراق شعبنا في تراث التخلف؟.