قلبت المخرجة أمل رمسيس علينا المواجع وهى تستعرض محطات مرت على الثورة المصرية التي بدأت في 25 يناير 2011، من خلال فيلمها «أثر الفراشة» الذي ركزت فيه على شخصية مارى دانيال الأخت الكبرى للشهيد مينا دانيال. في البداية احترت في الطريقة التي تروى بها الفيلم هل تحكى عن مينا الملقب بجيفارا الثورة المصرية أم عن مارى الصعيدية المسيحية التي انفصلت بعد زواج تم دون رغبتها استمر 15 عاما ثم عادت لبيت الأب حيث الأخ والثورة والاندماج في العمل الوطنى. وانتهيت إلى قناعة أن المخرجة اختارت أن تروى عن الثورة والأحداث التي تلت استشهاد مينا من خلال مارى التي تغيرت حياتها بانحيازها إلى الطريق الذي اختاره الأخ الذي تقول عنه إنه ملاكها، ابنها وحبيبها. يمزج الفيلم بين مشاهد للقاءات مدبرة بين المخرجة ومارى ومشاهد لمحطات في أحداث الثورة، يربطها تعليقات أمل من خارج الصورة. أحيانا كنت أفضل اختفاء هذه التعليقات والاكتفاء بحكى الشخصية الرئيس، الحميم والتلقائى والأكثر دفئا من تعبيرات أدبية صاغتها أمل على الأرجح أثناء المونتاج لتنتهى بالحديث عن أثر الفراشة الذي اتخذته عنوانا لفيلمها في محاولة لإضفاء صبغة شعرية على وثائق مرت على المهتمين وأصبحت جزءا من ذاكرتنا عن أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود ولوحات الجرافيتى وأشهرها لوحة لمينا دانيال والشهيد عماد عفت التي تعبر عن وحدة نسيج المصريين مسيحيين ومسلمين. ينتهى الفيلم بمشهد الشموع في البالونات ترتفع في سماء التحرير تتابعها كاميرا نجاتى سومنيز الذي شارك أمل رمسيس في تصوير الفيلم، المشهد جمالى بديع يحدث أثرا قويا في نفوس المشاهدين ويسمح لهم بالتحليق في معان مركبة حول فكرة الثورة والعيش على حلم التغيير والاستشهاد من أجل قيم الحرية والعدالة والحلم بحياة أفضل. الصياغة الجمالية التي انتهى إليها الفيلم دعمها غناء عفوى في مشهد للاحتفال بعيد ميلاد مينا دانيال على شكل إفطار جماعى في رمضان ظهر فيه الحسينى أبوضيف الذي سيلحق مينا شهيدا في الاتحادية برصاص الإخوان، ودعمتها أغنية في الختام مع مشهد الشموع مؤكدا على رومانسية الثورة والثوار. شاهدت الفيلم ضمن برنامج «رؤى» الذي نظمه قسم الفنون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تحت عنوان «تجارب مصرية في اللغة السينمائية» ضم أفلاما من كل الأنواع قصيرة وطويلة، روائية وتسجيلية اختارها بعناية فريق القسم مالك خورى وعرب لطفى وعدد من الشباب. وهى في مجموعها تسمح بتكوين رؤية عن السينما المصرية الجديدة في الأعوام الأخيرة وتدعم من خلال التفاعل بين المشاهدين وأصحاب الأعمال التواصل بين الطرفين، المبدع والمتلقى نحو سينما مصرية جديدة. دعا مالك خورى الحضور للاهتمام باللغة السينمائية وعدم التركيز فقط على تحليل المضمون، وهى دعوة كانت تحتاج في رأيى إلى ندوة تعريفية بكيفية قراءة الأفلام وكيفية تحليلها على أن تسبق الندوة العروض لكى يكون الحضور مستعدين للتعامل مع الأفلام كعمل فنى له تركيبته وصياغته التي تحتاج درجة من الوعى تتجاوز حدود المضمون إلى طريقة التعبير عنه. لاحظت في الندوات القليلة التي أتيح لى حضورها أن افتقاد الوعى لدى غالبية المشاهدين واضح في تعاملهم مع الفيلم وشخوصه، وكأنهم يتعاملون مع واقع يفترضون تغييره إلى صورة في أذهانهم. ومتلقين يحكمون على شخصيات العمل أحكاما أخلاقيا ويستنكرون أن تقول كذا أو تفعل كذا. وهو خطأ شائع يقوم به من ينتقد عملا فنيا من خارجه دون محاولة تفكيكه ومحاولة قراءة ما انتهى إليه وليس تمنيا لو كان على شاكلة تصوره عنه. أحيانا يلجأ المختصون في النقد للتدخل لإبداء رأى يعود بالنقاش إلى مسار صحيح ومنهم عرب لطفى المخرجة والناقدة التي كانت تركز في نقاشها مع المخرج في طريقة عرضه لفكرته وكيفية تنفيذها. جهدا كبيرا أجده في اختيار الأعمال وهى في أغلبها أفلام حصلت على جوائز في الداخل أو الخارج، تعبر في مجموعها عن أفكار صانعيها بأساليب فنية متعددة، وتسهم مثل هذه البرامج في التعريف بها ومحاولة فهمها، كما تعطى أملا في إزاحة أو مزاحمة سينما سائدة ما زالت تسيطر على أذهان المشاهدين وتعوق استقبالهم لأعمال راقية تجمع بين المتعة والمعرفة. من النسخة الورقية