نشارك في تهريب السلاح والأشخاص والبضائع من غزة إلى مصر والعكس.. عشرات من الحفيرة لقوا مصرعهم ودفنوا دون أن يعلم أحد عنهم شيئًا تولدت في قطاع غزة صناعة جديدة قديمة وهى حفر الأنفاق، حيث يعمل فيها عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين تحت ظروف صعبة للغاية، ودون إمكانات مناسبة للقيام بمشاريع حفر الأنفاق التي تستخدم لتهريب البضائع والسلاح وحتى المخدرات من مصر إلى القطاع وبالعكس، فضلا عما يطلق عليه «أنفاق هجومية» قامت حماس بحفرها لزرع العبوات الناسفة، أو بغرض اختطاف جنود إسرائيليين، كما حدث مع الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط. الإنجازات التي حققتها حماس عبر الأنفاق الهجومية التي استخدمتها أثناء الحرب الأخيرة على غزة ضد الجيش الإسرائيلى قد فتحت الأبواب لطلب الأيدى العاملة بأعداد كبيرة من الحفارين المحترفين، لتكثيف العمل وتدعيم مشروع أنفاق حماس المختلفة، سواء أنفاق التهريب أو الأنفاق العسكرية، ولكن دون أدنى اعتبار لإجراءات السلامة والأمان لهؤلاء الحفارين، الأمر الذي أوقع بهذه الفئة من الناس في مشاكل صحية، حيث اصبح كثير منهم يعانى من مشاكل في الظهر والانزلاقات الغضروفية، ومنهم من يعانى من أمراض عصبية، وآخرون من مشاكل في الأوعية الدموية، فضلا عن ظواهر الغثيان وضيق التنفس، إضافة إلى ما يتعرضون له يوميا من خطر الموت نتيجة انهيارات الأنفاق أثناء الحفر أو الاختناق بسبب نقص الأكسجين داخل الأنفاق أثناء الحفر. في يوم 29/3/2015 كشفت قوات الأمن المصرية فتحة نفق على الأراضى المصرية على مسافة 100 متر غرب الحدود مع غزة، حيث كان هذا النفق يمتد إلى مسافة 2800 متر بين الأراضى الفلسطينية والمصرية، ويستخدم لغرض تهريب الأشخاص والبضائع والأسلحة والذخيرة. على أثر كشف هذا النفق، حاولنا اقتحام هذا العالم الغامض من خلال الالتقاء بأحد «الحفارين» الذين يعملون في حفر الأنفاق، إلى أن نجحنا في لقاء أحدهم، والذي طلب إخفاء هويته حرصًا على سلامته، ونكتفى بالإشارة إلى اسمه بأحرفه الأولى وهى (م. ب). و(م. ب) شاب أعزب، يعمل مع حركة حماس، ولد في رفح ومن سكانها، وفيما يلى اللقاء معه: ■ تم هذا الأسبوع كشف نفق يمتد من رفح إلى الأراضى المصرية.. لماذا تقوم حماس بحفر الأنفاق باتجاه مصر؟ الحصار المفروض على القطاع أجبرنا على البحث عن طرق أخرى لإدخال السلاح والبضائع من مصر إلى القطاع، ولأنه ليس هناك طريق لإدخالها من معبر رفح البرى فاضطررنا إلى حفر أنفاق ناحية عمق الأراضى المصرية لتيسير عملية إدخال البضائع. ■ ما أنواع البضائع التي تمر في الأنفاق؟ كل شيء يمر في الأنفاق من سجائر وملابس وقطع غيار للمكن وللسيارات وعتاد وتجهيزات قتالية وأشخاص أيضا. ■ لماذا يحتاج الناس للمرور عبر الأنفاق بدلا من المرور بالطريق الرسمية من خلال معبر رفح؟ في أغلب الأوقات يكون معبر رفح مغلقا، بينما هناك ضرورة لتمرير أشخاص من القطاع إلى مصر وبالعكس في مهمات معينة، ولا أعرف بالضبط ما طبيعة المهمات التي تقوم بها تلك العناصر التي تنطلق ناحية الأراضى المصرية. ■ كيف وصلت لتعمل بمجال حفر الأنفاق؟ بدأت العمل في هذا المجال عام 2000 في حفر أنفاق تمتد من مناطق القطاع إلى داخل الحدود المصرية، فهذه الأنفاق كانت تستخدم لتهريب وتجارة البضائع والسلع من مصر إلى القطاع، وذلك نظير قدر لا بأس به من المال. عام 2013 جاءنى أ.ف. وكان مسئولا في حماس، وأصبح فيما بعد المسئول عنى، وعرض على تقديم المساعدة للمقاومة والشعب في غزة فوافقت على هذا الكلام، ومن حينها وأنا أعمل في الأنفاق في مناطق رفح. ■ هل يمكنك أن تشرح لنا كيف تعملون في حفر الأنفاق؟ - يشتغل عمال حفر الأنفاق في أعماق الأرض تحت ظروف قاسية على نظام الورديات 12 ساعة متواصلة، يستخدمون عدة وأجهزة بسيطة، ثم الأحواض التي يتم من خلالها سحب أكوام الرمل إلى الوراء ومن ثم رميه خارج النفق، ثم تكون الإضاءة داخل النفق ضعيفة والهواء خفيف والجو من حواليك حار للغاية والناس من حواليك تشعر بضيق التنفس وأحيانا بالذبحة الصدرية والبعض يعانى من الألم الشديد في الركب وفى العمود الفقرى وداخل النفق تشعر الناس كأنه لا ليل ولا نهار. ■ ألا تخافون على حياتكم من انهيار النفق؟ الحقيقة هذا ما يخافه كل من يعمل داخل النفق، لأن التربة في بعض الأحيان ليست متماسكة وأى خطأ أو حركة غير مقصودة ممكن تتسبب في دفن جميع العمال «الحفيرة» داخل النفق، وتضيع حياتهم بلا ثمن ولا أحد يعرف عنهم شيئا، وقد حدث هذا مع بعض الإخوة الذين فقدوا حياتهم بالفعل وهم يعملون داخل النفق. ■ متى وأين حدث ذلك آخر مرة؟ كنت أعمل في نفق قبل الحرب الأخيرة على غزة واستشهد داخله 8 إخوة خنقا منهم الأخ العزيز الشهيد المرحوم أ.ب وكان من أقاربى. وحينها استغرقت عملية إخراج الجثث طويلا فهذا الخطر يحوم دائما حول أعمال الحفر داخل الأنفاق. ■ لماذا وافقت أن تروى هذا الكلام؟ الواقع الفترة ما قبل الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة كنت أعمل في نفق هجومى تابع لحماس فأعمال الحفر داخل النفق كانت تحت ظروف قاسية للغاية، حيث أثرت في أوضاعى الصحية التي ازدادت سوءا. في أول الأمر كنت أعانى من آلام شديدة في أسفل الظهر وبعدها بدأت أعانى من الدوالى في قدمىّ حتى أصبحت الآلام لا تطاق ولما اشتكيت منها عند القائد المسئول عنى ويدعى أ.ف. قال لى الأفضل أن أتحمل وأواصل عملى الجهادى وعند إتمام العمل الكلى في النفق هو بدوره سيهتم بأمرى وسيعوضنى عن كل هذه المشقة لكن يا للمصيبة، اشتدت الآلام والآن ملازم لفراشى ولا أستطيع أن أتحرك بمفردى ولست قادرا على أن أعول اسرتى وأما القائد المسئول عنى الذي وعدنى بالتعويض والاعتناء بأمرى قد اختفى عن الأنظار تماما ولا يرد حتى على تليفوناتى. ■ لماذا حسب رأيك يتعاملون معك بهذا الشكل؟ للأسف الشديد لم أكن موضع البحث لوحدى وحالتى ليست عارضًا استثنائيًا فهناك غيرى من «حفيرة» الأنفاق إصابتهم خطيرة للغاية وأصبحوا غير قادرين على إعالة أسرهم بكرامة فهناك الأخ، ج.ه. كان يعمل أيضا في حفر الأنفاق وهو يعانى هو الآخر من آلام شديدة في الركب ومن دوران ودوخة شديدة لا يستطيع معها الوقوف منتصبا على قدميه دون سند وله أكثر من نصف عام لا يعمل ثم تهدمت داره وليس له من يسانده أو يتولى أمره في الوقت الذي يزداد فيه بارونات الحفر ثراء من جراء جهدنا وعملنا، ونحن الحفيرة لا يوجد من يصرف على إعمار بيوتنا أو ترميمها مثلما تم الأمر مع المسئولين الكبار. ولنا كلمة: المعلومات التي حصلنا عليها من مدينة رفح تؤكد أن حكايات وقصص عمال الحفر الذين أصيبوا بأضرار صحية وماتوا نتيجة للعمل في حفر الأنفاق أكثر مما يعرفه الناس عن هذه الفئة، لكن حماس تتكتم على هذه المعلومات، وتمنعهم من الحديث علنًا عن أحوالهم الصعبة، خاصة أن بارونات الحركة صنعوا المليارات من وراء تلك التجارة وما زالوا يكدسون الثروات، في الوقت الذي يموت فيه العشرات بل المئات، جراء تلك التجارة الحرام، لقد شارك هؤلاء البارونات في ذبح المصريين عبر سماحهم بعمليات إرهابية منطلقة من غزة عبر الأنفاق سوف تسفر عنها تحقيقات العديد من القضايا التي تنظرها المحاكم المصرية، وتحقق فيها نيابات أمن الدولة. لكن م.ب. الذي صمم على رواية قصته الشخصية وتمنى علينا أن ننشرها ربما يكون بداية طريق المعرفة والكشف، عن هذا العمل الخطير.