بادئًا ذي بدء تحتل المرأة مكانتها البارزة في المجتمع كفاعل رئيس فيه تسير جنبًا إلى جنب الرجل لا تقل عنه في ذلك قيد أنملة، لقد وجدنا المرأة في عصرنا وقد نفضت عن كاهلها تاريخًا أليمًا من التصورات الخاطئة التي ظلت إلى الآن إرثًا أثيمًا في تاريخ البشرية جمعاء بمفكريها وساستها وإنسانها العادي، إننا نواجه اليوم – ونحن نحاول جاهدين أن ننفض عنها هذا الغبار – جحافل الظلم الذي تعرضت له، ولا زالت، نتيجة سذاجة الفكر حينًا والتفسيرات المشبوهة التي يطلقها بعض رجال الدين حول النص الديني الذي لا نظن أنه أهان المرأة قط في محيطه الإسلامي . ومن ثم تبدو المرأة في عصرنا الحالي محملة بأدران تاريخ مضى تبقى آثاره لا تزال ماثلة بصورتها القبيحة في عاداتنا وتقاليدنا نحوها، وهذه النظرة التي يرنو بها الرجل للمرأة في مجتمعات التخلف والتبعية لا تقوم على مستند ديني أو عقلي، وإنما كل ما تقوم عليه الإرث الموحش من هذه العادات والتقاليد . ومن ثم فإن قراءاتنا حول المرأة بين التصورات الفلسفية والتصورات الدينية ؛ لندرك من خلالها الأسباب التي صيغ من خلالها هذا التصور، إذ بالإمكان إدراك إلى أي مدى كان موقف الفلاسفة – خاصة القدماء منهم وبعض المحدثين أيضًا- مهينًا وغير آدمي البتة، فقد وقف كل من أفلاطون وأرسطو موقفًا لا ينم عن مفكرين اثنين ملآ الدنيا بفكرهما وعقلهما، كما أنه بالإمكان إدراك إلى أي مدى كان النص الديني بريئًا من تفسيرات مشبوهة ترسخ لمبدأ العبد والسيد بين المرأة والرجل . فلم يكن أفلاطون نصيرًا للمرأة كما يشاع، ولم تعبر كتاباته يومًا عن مساواتها بالرجل، وربما كان موضوع المرأة من الموضوعات القليلة التي لم يثر أفلاطون علي موقف اليونانيين القدماء منها، وإنما ارتضى الانصياع وراء العادة والمتوارث عن القوم، إذ لم يكن للمرأة في هذه العادة المتوارثة أن تتحدث في الأمور الحياتية والمشاركة الوطنية، تحقيقًا لنشوة الرجولة عند الذكور . ومن ثم فلم تنل المرأة مكانتها على مر العصور: لا في العصر الإغريقي ولا اليوناني ولا الروماني، كما أنها لم تنل هذه المكانة لا في التراث اليهودي أو التراث المسيحي، ورغم أن الإسلام أنصف المرأة – ومن ثم نعده ثورة على الأفكار المتوارثة ضد المرأة – فإن المسلمين في عصور تدهورهم لم ينصفوها كما أنصفها الإسلام في نصوصه المقدسة . إن رسل الله تعالى الذين أرسلوا بالأديان السماوية لم ينتقصوا المرأة حقها، بل بالأحرى كانوا عنوانًا في الدفاع عنها ضد المتوارث من العادات والتقاليد البالية، والمتأمل خاصة ًفي النصوص الإسلامية المقدسة يجد أن المرأة تأخذ حقوق الرجل نفسها إلا في أمرين ذكرهما القرآن: الميراث؛ حيث تأخذ نصف ميراث الرجل، والشهادة على المال ؛ حيث اشترط القرآن في عدم وجود رجلين للشهادة رجلاً وامرأتين، وعليه فإنها لها ما للرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجبات . أما ما ينسب للدين من تقليل من شأن المرأة فهو محض افتراء وتضليل، ألم يقل القديس بونافنتورا: إذا رأيتم المرأة فلا تحسبوا أنكم تشاهدون موجودا بشريا، بل ولا موجود ا متوحشا؛ لأن ما ترونه هو الشيطان نفسه. وإذا تكلمت فما تسمعونه هو فحيح الأفعى. أهذا القول من الدين ؟! أم أنه من التفسيرات المشبوهة لرجال الدين؟ ولكم نود أن يغير المجتمع الشرقي نظرته إلى المرأة، ويبتعد عن العادات والتقاليد التي أفقدت المجتمع نصف طاقته، إن التاريخ ليحدثنا عن نساء قدن الشرق في أحلك الظروف، فهذه بلقيس ملكة سبأ والتي تحدث عنها القرآن مادحًا فيها حكمتها وعقلها ومعالجتها للأمور، وهذه كليوباترا التي قادت مصر في عهد الفراعنة، وتلك شجرة الدر التي لولا حكمتها التي قادتها لتصريف الأمور لضاعت الدولة المصرية في عهد المماليك . إن نساء الشرق سبقن نساء الغرب في تولي قيادة الدولة وسياستها السياسة التي تسير بها إلى بر الأمان، فهاكم رئيسة البرازيل ورئيسة الأرجنتين؛ حيث تعدان نموذجين رائعين لقدرة المرأة على تولي رئاسة الدولة وتولي قيادتها . بما يعني أن العالم النسوي من حولنا بدأ يكسر الحواجز التي عوقت مسيرته عبر قرون ؛ لينطلق إلى آفاق رحبة من المشاركة في صناعة العالم من حوله بعد أن كان عالمًا ذكوريًا صرفًا . ومن ثم فإن على المرأة أن تصنع مستقبلها بيدها لا بيد غيرها، وظني أن صناعة المستقبل الذي ترنو إليه المرأة لن يكون إلا بتثقيف المرأة نفسها بنفسها، ولا يكون هذا التثقيف إلا قائمًا على اطلاع واسع من التعمق في فهم الواقع المعيش من حولها، إن المرأة في رهانها مع المستقبل مطالبة بأن تكسر الحواجز حتى تنتصر على غوائل الجهل الذي أراد لها أقوام – لم يراعوا منطقًا ولا دينًا - أن ترسف فيه حتى النخاع . فإلى المرأة مستقبلك بيدك أنت، سيرسمه قلمك أنت، فاجعلي من قلمك سلاحًا تواجهين به الماضي بكل أدرانه وآثامه، لتشرق شمسك في أرض لن يزرعها غيرك، فكوني على الدرب بتمسكك بحقك في الحياة واحرصي على عزتك التي كفلها لك دينك .