جلس الرايق أفندي كعادته يحتسي شاي العصاري وهو يبرم في شاربه على مقهى جلال البو واضعًا رجل على رجل، وقد اختفى وجهه خلف كوفيه صوف وطاقية أخفت شعره المدهون بالفازلين متدثرًا في بالطو صوف ولا استالين في زمانه متحصنًا به من موجة البرد التي تضرب البلاد وعلى مقربة منه جلس أصدقاء المقهى قشوش أفندي وأبو الحمد أفندي.. وعلى غير العادة جلس حسونة الراصد الذي يعمل في هيئة الأرصاد الجوية وقد تهافت رواد المقهى عليه في السلام والكلام معه والسؤال عن أحوال الطقس وتقلباته. وما إن رأه الرايق أفندي حتى صاح أيوه ياسي حسونة شايفك قاعد نافش ريشك علينا تقلش محافظ شرم الشيخ في عز الشتا. حسونة: إيه يا عم الرايق مستكتر علينا يومين الناس تسأل فيه وتيجي تكلمني وتستفسر وتتقصى مني وتطلب ودي وتحاسب لي على المشاريب دول يا دوب هما يومين في الشتا وأسبوع في الصيف وبعد كده بخ يا محترم.. عامة الناس ولا بتسأل فيه ولا بتعبرني ايكش بس بتوع المطار وبتوع الموانئ هما اللي مداومين علينا بالتليفونات طول السنة. الرايق أفندي: ماشي يا عم حسونة قلي هو إنت طول السنة بتعمل إيه كده وفهمني بسلامتك. يرد حسونة وقد انتفخت وجنتاه واحمرت فبان توهجهما رغم برودة الجو: حقك تسأل ما هو اللي ميعرفش يقول عدس أنا الراصد يا رايق أفندي اللي بشوف الريح رايحة فين وجاية منين أنا اللي بفهم السحاب وهي طايرة بقف في عز البرد أقيس سرعة الريح بجهازي وأعرف أد إيه نزل مطر عشان أعرف المطر ده هيكفي نروي الزرع عشان يخضر ويطرح عشان تاكل منهم البهايم ولا المطر مش هيكفي البهايم يا رايق أفندي فاهم البهااااايم. الرايق: الموضوع بتاع المطر ده مهم قوي كده دي المطرة بتنزل تغزق الدنيا وتزفلط الشوارع، تعملها بِرك. حسونة: أيوه من حقك تتريق ما انت بتشرب من زير مفتوح قصدي من نهر النيل مش عايش في الصحرا ولا عارف إن نقطة المطر ليها ألف حساب وحساب ومن غيرها الناس تهج والزرع يموت وكل من له كبد يطفش. ويرد الرايق وقد لسعه كلام حسونة أكثر من العاصفة: عندك حقك. وبعد ثواني من الصمت بينهما قطعها قشقوش أفندي بحديثه بعد لسعة سريعة: بس اقلك يا حسونة موجة البرد دي رغم صعوبتها لكنها فايدة لناس وناس ماهو انت شايف بتوع البطاطا والدرة المشوي شغالين الله ينور وكمان اللي بيبيعوا جونيات وطواقي صوف بقوا أكتر من بياعين عصير القصب أهي سبوبة حلوة برضه للناس الغلابة وتلقيك انتوا برضه يا بتوع الأرصاد هتعملوا لكم سبوبة حلوة من موجة الحر دي يعني تلقيكم خدتوا بدل عاصفة وبدل صقيع وبدل رطوبة. يرد حسونة: وحياتك يا قشقوش بيه ما فيه ولا مليم زيادة بس كلام في سرك بيقولوا إنهم هيعملوا لنا سبوبة نسترزق منها هيخصصوا رقم مختصر كده زي 0900 تتصل بيه يديك درجات الحرارة ويقلك تلبس إيه وتقلع إيه وانت خارج من بيتكم وكمان هيبقي فيه رقم تشترك فيه توصلك النشرة الجوية فيه على موبايلك كل يوم. وفي نفس واحد قال معظم مَن في المقهى هتكون بكام في اليوم. ورد حسونة ب30 قرش في اليوم بس.. وأخذ يتمتم: يا فرج الله السبوبة اشتغلت.