القتل حرام.. والقاتل في النار.. و«داعش» ملعون النبى محمد أمر بإطعام الأسرى والإحسان إليهم ولعن من أهانهم الإسلام وضع جريمة القتل في المرتبة الأولى بعد الشِّرك بالله المسيح حذّر أتباعه من فرض الدين بالقوة وأمرهم بترك المجتمع الرافض رغم محاولات الإرهابيين والمتطرفين في كل زمان ومكان تبرير جرائمهم الشنيعة بالنصوص المقدسة -لا سيما نصوص القرآن والسنة- فإن استقراء هذه النصوص في سياقها وفهم مدلولها ومقصودها من خلال قائلها يبين بما لا يدع مجالًا للشك أن المتطرفين يلوون أعناق النصوص تارةً ويبترونها على طريقة «لا تقربوا الصَلاة» و«ويل للمُصلين» تارةً أخرى، ليرتكبوا أبشع وأفظع الجرائم التي عرفتها الإنسانية. ولعل ما يُطالعنا به تنظيم الدولة الإسلامية المزعوم «داعش» من جرائم كل يوم يدفعنا إلى استقراء هذه النصوص للكشف عن خبث ومكر هؤلاء الجهلاء، وفضح انتمائهم إلى الصهيونية العالمية من خلال استقراء النصوص المقدسة عند اليهود، وتبرئة الإسلام والمسيحية من هذه الجرائم الشنيعة. إن حفظ الدين والأنفس وحماية الأعراض والحفاظ على العقل والنسل من مقاصد الدين الإسلامى، التي أكدها، صيانة للأمة وحفاظًا على الأفراد والمجتمعات من أخطار الجرائم المُدمرة، كما يتفق مع الفطرة السوية والغريزة الإنسانية. ووضع الإسلام جريمة القتل في المَرتبة الأولى بعد الشرك بالله، كما ورد في سورة الفرقان، حينما ذكر الله صفات عباد الرحمن قائلًا: «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا». وجعل القرآن للقاتل أربع عقوبات، من بينها دخول جهنم، وغضب الله عليه، ولعنته، والعذاب العظيم، كما في الآية «39» من سورة النساء يقول: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا». وقد يقول قائل إن هذا في حق النفس المؤمنة فقط، ولكن القرآن يرد عليه في الآية «32» من سورة المائدة بتحريم قتل أي نفس مهما كانت ديانتها، حيث يقول تعالى: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»، وهو بذلك يوضح أن قتل النفس -أي نفس- تساوى عند الله قتل الناس جميعًا، ما دامت هذه النفس لا تستحق القتل. النبى محمد صلى الله عليه وسلم جعل جريمة القتل من المُوبقات السبع التي تلقى بصاحبها في نار جهنم حيث قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، وذكر منها: «قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق». وقال كما في صحيح البخارى: «لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا»، ونهى أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا بعد موته قائلًا: «ألا لا ترجعوا بعدى كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض». وأوضح أن قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا، وأن أهل السماء والأرض لو اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار، ولم يكتف بتحريم القتل والتحذير منه فقط، وإنما حرم الإعانة عليه صيانةً للنفوس فقال: «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبٌ بين عينيه: آيس من رحمة الله»، وقال النبى: «لا يُشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدرى لعل الشيطان ينزعُ في يده فيقع في حفرة من النار». كما نهى الإسلام عن مجرد ترويع المسلمين وتخويف الآمنين، مشيرًا إلى أن ذلك يوجب لعنة الملائكة فيقول: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهى وإن كان أخاه لأمه وأبيه»، وفى حديث آخر: «من أخاف مؤمنًا كان حقًا على الله أن لا يُؤمنه من الفزاع يوم القيامة»، وحرم على الإنسان قتل نفسه كما حرم عليه قتل غيره، قائلًا: «من قتل نفسه بشىء عُذب به يوم القيامة». وعن معاملة الأسرى من الكفار في حالة الحرب، فقد ضرب القرآن أروع الأمثلة في التعامل مع هؤلاء الذين يظهرون في حالة ضعف بعد تمكن المسلمين منهم وتجريدهم من سلاحهم، فلم يفعل معهم النبى محمد صلى الله عليه وسلم عشر معشار ما فعله الدواعش مع أسراهم الذين هم ليسوا كفارًا وليسوا محاربين لهم أصلًا. وأمر القرآن بإطعام الأسرى كما في سورة الإنسان حينما وصف الأبرار قائلًا: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9)»، ولم يكن الأسير حين نزلت الآية إلا من المشركين، ولا يمكن أن يكون الأسير مسلمًا بحال من الأحوال مثلما تفعل داعش حينما تأسر المسلمين وتقتلهم. وحين أسر المسلمون سبعين أسيرًا من مشركى قريش ومن معهم في غزوة بدر أحسن إليهم النبى محمد وأمر بالإحسان إليهم، فامتثل الصحابة أمره أحسن ما يكون الامتثال كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: «أمر رسول الله أصحابه يوم بدر أن يُكرموا الأسارى، فكانوا يُقَدِّمُونهم على أنفسهم عند الغداء». وكان من هدى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قد يمن على الأسير بلا مقابل وقال يوم بدر «لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى -يعنى الأسرى- لتركتهم له» أي لو شفع فيهم المطعم بن عدى الذي كان من سادات قريش ومات على الكفر ولكن كانت له يد على النبى صلى الله عليه وسلم فيقول لو شفع في الأسرى لأطلقتهم إكرامًا له بلا مقابل، مكافأة له على حسن صنيعه. وكان ينهى عن إلحاق الأذى الجسدى بالأسير فإنه لما نقض بنو قريظة العهد وخانوا الله ورسوله وأعانوا العدو على المسلمين حكم فيهم سعد بحكم الله أن يقتل رجالهم، فجمعوا لضرب أعناقهم جزاء وفاقًا، فحصل أن بعض المسلمين ضرب رجلًا من اليهود على أنفه فأرعفه -حدث له نزيف- فاشتكى إلى النبى، فقال: «أحسنوا إسارهم وقيّلوهم -أي مكنوهم من القيلولة- واسقوهم، حتّى يبردوا، فتقتلوا من بقى، لا تجمعوا عليهم حرّ الشّمس وحرّ السّلاح». فقَتَل النبى صلى الله عليه وسلم رجال بنى قريظة، وقَتَل بعض أسرى بدر، النضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط، وقتل في أحد أبا عزة الجمحى، وذلك لشدة أذاهم وخطرهم على الإسلام وأهله. ولم يكتف إكرام الإسلام للأسرى على مجرد إطعام الطعام والشراب فقط، وإنما امتد ليشمل الكسوة والملابس، فكان النبى محمد صلى الله عليه وسلم يكسو الأسرى فيحسن كسوتهم، روى البخارى «أنه لمَّا كان يوم بدرٍ أُتِىَ بأسارى، وأُتِىَ بالعبَّاس، ولم يكن عليه ثوبٌ فنظر النبى له قميصًا فوجدوا قميص عبد اللَّه بن أبيٍّ يَقْدُرُ عليه فكساه النبى إيَّاه»، وروى عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل رجلًا إلى مكة يشترى ثيابًا يكسو بها سبى هوازن، فلم يفعل مثلما تفعل داعش المجرمة التي تكسوهم ثياب الإعدام لإذلالهم وإهانتهم. وأطلق النبى سراح ثمامة بن أثال بعد أن ربطه في سارية مسجد، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، معلنًا إسلامه من حسن معاملة النبى له، فقال: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إلى، والله ما كان من دين أبغضَ إلى من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلى، والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلى». وكما كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عن إلحاق الأذى الجسدى بالأسرى كان أيضًا ينهى عن الإيذاء النفسى، فقد أتاه أبو أُسَيْدٍ الأنصارى بسبى من البحرين فَصُفُّوا، فقام رسول الله، فنظر إليهم، فإذا امرأة تبكى، فقال: «ما يُبْكِيكَ؟» فقالت: بِيعَ ابنى في بنى عبس، فقال رسول الله لأبى أُسيد: «فلتأتينى به كما بعته». فركب أبو أسيد فجاء به، فقال النبى «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة». وعلى الرغم من استدلال داعش المجرمة بفتاوى ابن تيمية فإنه لما قدم التتار وأسروا كثيرًا من المسلمين ومن النصارى سعى ابن تيمية في إخراج الأسرى من اليهود والنصارى، كما سعى في إخراج الأسرى من المسلمين يقول: «وقد عرف النصارى كلهم أنى لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى وأطلقهم غازان وخاطبت مولاى فيهم فسمح بإطلاق المسلمين، قال لى: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس فهؤلاء لا يطلقون، فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، فإنا نفتكهم ولا ندع أسيرًا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة، وأطلقنا من النصارى من شاء الله، فهذا عملنا وإحساننا والجزاء على الله، وكذلك السبى الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحد إحساننا ورحمتنا ورأفتنا بهم». هذا موقف شيخ الإسلام من أسرى اليهود والنصارى في يد التتار، فأين من يحرق مسلمًا حيًّا ويتلذذ بذلك ثم يدهس جثته بمعدة ثقيلة ويذبح المختلفين معه في العقيدة رغم أنهم لم يحاربوه، ويخرج من مشهد ذبحهم فيلمًا يعرضه على العالم. وأمر النبى أبا ذر بإطعام الأسرى وكسوتهم قائلًا: «إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأعِينُوهُمْ». وعند استقراء النصوص المقدسة لأناجيل العهد الجديد نجد أن المسيحية نهت عن قتل الأبرياء، وحذرت من ذلك في أكثر من موضع، بألفاظ صريحة وواضحة لا تحتمل التأويل، ففى إنجيل متى (5: 21) كان من بين تعاليم المسيح في موعظته التي ألقاها على الجبل وهى بمثابة دستور المسيحية قال: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ». فالمسيح عليه السلام أتى بشريعة المحبة وعهد السلام، وحرم القتل مطلقا في كلامه، مؤكدًا أن من يقتل ليس له حياة أبدية ومصيره جهنم وليس من المسيح، لأنه لم ينفذ وصاياه، ومن يؤمن بالمسيح لا بد أن يعمل بوصاياه والتي من بينها ما جاء في إنجيل متى (19: 18): (قَالَ لَهُ: «أَيَّةَ الْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ»، ومن الوصايا أيضًا ما ورد في إنجيل لوقا (18: 20) حيث يقول: «أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، وتكرر مثل ذلك أو قريب منه في إنجيل مرقص (10: 19) حينما قال: «أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». وفى رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية (13: 9) قال: «لأَنَّ لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِى مَجْمُوعَةٌ فِى هذِهِ الْكَلِمَةِ: أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»، كما ورد في رسالة يعقوب الرسول النهى عن القتل في قوله: «لأَنَّ الَّذِى قَالَ: لاَ تَزْنِ، قَالَ أَيْضًا: لاَ تَقْتُلْ. فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ» (2: 11). هذه هي المسيحية بنصوصها التي تحرم القتل، فهى تنهى عن القتل، لأن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة، أي لا يرث ملكوت الله حسبما جاء في رسالة يوحنا الرسول الأولى (3: 15) حيث قال: «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ». ونهى المسيح عن القتل، حيث قال لبطرس حينما استل سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، وهو ما حكاه إنجيل متى (26: 52): «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!»، ثم قام بلمس أذن رئيس الكهنة فبرأت بإذن الله. ومصير القاتل في المسيحية أن يقتل كما قتل، ليكون الجزاء من جنس العمل، مثلما جاء في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى (13: 10): «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْيًا، فَإِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِالسَّيْفِ، فَيَنْبَغِى أَنْ يُقْتَلَ بِالسَّيْفِ. هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ». وعلى الرغم من وجود بعض الآيات التي تنسب إلى المسيح عليه السلام في إنجيل متى وفيها إشارة إلى القتل، مثل: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّى جِئْتُ لأُلْقِىَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِىَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا» (متى 10: 34)، إلا أن الفهم الصحيح لهذا الكلام يجب أن يكون في سياقه بالجمع بين كلام المسيح، لأنه كما هو معلوم لا يوجد ناسخ ومنسوخ في كلامه، فقد قال في إنجيل لوقا (12: 15): «أَتَظُنُّونَ أَنِّى جِئْتُ لأُعْطِىَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا». فهو لم يقصد السيف المادى وإلا ما قال لبطرس رد سيفك إلى مكانه، والسياق يقول إن السيف سيكون في يد أعداء المسيح ليقتلوا به أتباعه الذين يبشرون به في البلاد، بعد أن تتسبب دعوتهم في التفريق بين الأسرة الواحدة بسبب إيمان بعض أفراد الأسرة وكفر البعض الآخر. كما أن منهج المسيح وأتباعه لم يكن فرض الدين أو العقيدة على الناس بالقوة، بل أوصى تلاميذه أن يخرجوا من المكان إذا طلب منهم المجتمع ذلك، حيث قال لهم في إنجيل متى (10: 11- 14): «وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ دَخَلْتُمُوهَا فَافْحَصُوا مَنْ فِيهَا مُسْتَحِقٌ، وَأَقِيمُوا هُنَاكَ حَتَّى تَخْرُجُوا، وَحِينَ تَدْخُلُونَ الْبَيْتَ سَلِّمُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقًّا فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَلْيَرْجعْ سَلاَمُكُمْ إِلَيْكُمْ، وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ»، فالمسيح هنا يأمر رسله أنهم إذا رفض الناس دعوتهم المصحوبة بالأدلة والبرهان الإلهى، فعليهم أن يتركوا المكان في هدوء، وهو ما لا تفهمه «داعش» من قريب أو بعيد. من النسخة الورقية