في الكتاب الصادر عن دار «كنوز»، «قذاف الدم يتحدث.. نصف قرن مع القذافى»، والذي أعده الكاتب عبدالستار حتيتة، يسبح الكاتب مع قذاف الدم في رحلة طويلة يروى من خلالها الكثير من الأسرار، والخبايا التي كانت بينه وبين العقيد الليبى الراحل معمر القذافى، وغيرها من أسرار الدولة الليبية، وهو الكتاب الذي بلغ 303 صفحات من القطع الكبير. يتحدث قذاف الدم منذ بداية الكتاب طارحًا سؤاله الأهم، وهو: لماذا يتحدث اليوم، ثم لا يلبث أن يطرح الإجابة عن تساؤله المهم الذي طرحه، ليؤكد قائلا: عندما أتحدث اليوم عن المرحلة التي عشتها مع الأخ معمر، فإننى أعلم أن هناك كثيرًا من الزملاء الآخرين لديهم حقائق أخرى، وللأسف أرشيف الدولة الليبية سُرق، وحُرق، ونُهب، والكثير من المراجع لم يعد موجودا، ولذلك يجب أن نغذى تاريخ ليبيا بالحقائق، والأمور التي كنت طرفًا فيها، كما أن هناك حقائق عديدة لا يعرفها الكثيرون، حتى من المقربين لمعمر نفسه، لأن التعامل معه ومع من يرسلنى لهم من الزعماء والقادة كان مباشرا، ولم أكن أحمل رسائل معمر إلا للرؤساء وزعماء الدول، وبشكل شخصي، أي أن معظم لقاءاتى لا يحضرها أحد مع الرؤساء الآخرين، وكثير منها كان غير مُعلن أيضًا. وبعد سقوط النظام في ليبيا في 2011 فأقام قذاف الدم في مصر، وحاولت العديد من الدول الأوروبية إقناعه برئاسة المجلس الانتقالى الذي كان يتولى إدارة الانتفاضة المسلحة وتنسيق عمليات قصف حلف الناتو على ليبيا، وهو ما رفضه رفضا قاطعا، لدرجة أن المندوب الأوروبي شعر بالحرج، وخرج من بيته في القاهرة قبل أن يكمل شرب فنجان القهوة، كما دفعت جماعة الإخوان الليبية مليارى دولار من خزانة الدولة لجماعة الإخوان المصرية؛ من أجل تسليمه لها في أكبر صفقة في التاريخ تتعلق بتسليم لاجئ سياسي، إلا أن الصفقة فشلت، بالتزامن مع خسارة الإخوان في البلدين للتأييد الشعبى والسلطة. وهنا يحكى قذاف الدم عن عائلته باعتباره ابن عم معمر القذافى، وكيف كانت نشأتهما منذ الصغر، وأن أسرته قد نزحت هروبا من الإيطاليين في بداية القرن الماضى إلى صحراء تشادالجنوبية، وهو الوقت الذي لم يكن القذافى قد ولد فيه بعد، وكيف استقرت العائلة هناك في صحراء سرت الجنوبية، ثم انتقل إلى الحديث عن الفترة المبكرة من حياة القذافى والتي كان فيها طالبا، حيث انتقل إلى «سبها»؛ لاستكمال دراسته، وتحدث طويلا عن السمات الشخصية للقذافى وكيف كان خجولا، منطويا دائما على نفسه، يحب القراءة، والاستماع إلى المذياع، لاسيما إذاعة صوت العرب المصرية. ويتحدث قذاف الدم عنه في صباه حيث كان يستمع إلى العديد من حركات التحرر لاسيما المناضل الإفريقى باتريس لومومبا، الذي كان أول رئيس وزراء منتخب للكونغو أثناء الاحتلال البلجيكى لبلاده، والذي جرى إعدامه 1961م، ومن هنا قاد القذافى العديد من المظاهرات مع زملائه من الطلاب ضد معسكرات الاحتلال في بلاده؛ ولذلك أُطلق عليه لقب «قائد الاضطرابات»؛ الأمر الذي أدى إلى أن المجلس التنفيذى لولاية «فزان» قرر منعه من الدراسة أو الإقامة فيها، فانتقل إلى طرابلس من أجل استكمال دراسته الثانوية هناك، وبعد تخرج معمر في الكلية الحربية، حاول تكوين تشكيل الضباط الأحرار من أجل القضاء على النظام القائم، وإحداث ثورة حقيقية تُحرر ليبيا مما هي فيه، وبالفعل تمت الثورة في الفاتح من سبتمبر 1969م، وهنا يؤكد قذاف الدم أن القذافى لم يكن يرغب في حركة انقلابية، بل كان يرغب في ثورة حقيقية؛ وهو الأمر الذي أدى إلى الكثير من الخلافات بعد قيام الثورة بينه وبين الكثير من الضباط؛ ولذلك أكد لهم أنه لم يقم بانقلاب لكى يحكم لا هو ولا زملاؤه، فلقد كانت لديهم مهمة، وانتهت هذه المهمة، وهنا لم يقتنع الضباط الذين كانوا معه بذلك؛ فلقد استشعروا أنهم قاموا بعمل جبار من دون أن يحصلوا على المكافأة التي يستحقونها؛ ولذلك كان القذافى شديد القسوة معهم جميعا، وأعادهم إلى معسكراتهم، أو ألقى بهم داخل السجون. وأكد أن مشكلة الحرب الليبية المصرية على الحدود، أو التوترات التي حدثت بين الجانبين كانت بسبب سوء الفهم، وأن المصريين كان لديهم تصور غريب عن رغبة القذافى في تفجير السد العالي، بينما كان الليبيون لديهم تصور أن المصريين يرغبون في غزو ليبيا، ولكن بمعاونة الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين»، وتدخل الرئيس الفلسطينى عرفات، تم إنهاء الأمر بسلام، كما لعبت المفاوضات التي قام بها قذاف الدم مع السادات في قرية «ميت أبو الكوم» الكثير من الأهمية لإنهاء هذا الاحتقان. ولعل حديث الرجل عن صفقة طائرات الميراج الفرنسية التي توسطت فيها ليبيا من أجل شراء أسلحة فرنسية للجيش المصرى عن طريق مستتر كانت من أهم أحاديث الرجل الذي أوضح أن مصر عجزت عن توفير السلاح الأوربي، الذي كانت ترغبه لحربها مع إسرائيل، إلا أن ليبيا حملت على كاهلها مهمة توفير هذا السلاح للمصريين، ولم ينس الحديث عن التوترات التي حدثت بين مبارك والقذافى بسبب قمة «غزو الكويت» التي غضب فيها القذافى كثيرا وكادت العلاقات الليبية المصرية تنتهى تماما بسبب هذه القمة، ولكن قذاف الدم كان له الكثير من الفضل في إنهاء هذه الأزمة. وأوضح قذاف الدم سبب الخلافات التي بدأت بين معمر وبين جميع الدول الأوروبية بداية بفرنسا والعلاقة الشائكة بين نيكولا ساركوزي، وبين الرئيس الليبي، وأن سببها هو دعم ليبيا للكثير من الحركات الثورية ضد الوجود الفرنسى في أفريقيا خاصة في تشاد، كما توترت العلاقة بين ليبيا وكل دول أوروبا بسبب برنامجها النووى الذي كانت تعزم في إنشائه، ووجود صواريخ عابرة للقارات. وهنا يوضح قذاف الدم نقطة مهمة من نقاط الخلاف التاريخية التي كانت مثار التساؤل الدائم، وهى وقوف ليبيا الدائم خلف إيران ضد العراق أثناء الحرب العراقيةالإيرانية، وهنا يؤكد أن هذا الأمر كان بسبب أن الليبيين كانوا يرون أنهم شركاء في الثورة الإيرانية التي قامت بزعامة الخومينى 1979م، فهم من دعموا الثورة الإيرانية ودربوا الآلاف على هذه الثورة، كما أكد أن ليبيا هي الدولة الوحيدة التي قطعت العلاقة بشاه إيران حين احتل الجزر الثلاث الإماراتية، وأن ليبيا هي الدولة التي أممت شركات النفط الإنجليزية فيها عقابا لها على تسليم الجزر لإيران، وحين قامت الثورة الإيرانية تحولت إيران من شرطى المنطقة، ومن دولة معادية للدول العربية والإسلامية، إلى دولة أغلقت السفارة الإسرائيلية، وفتحت السفارة الفلسطينية، وقدمت الدعم السخى للمقاومة، وبدت مع ليبيا في خندق واحد، كما تحدث عن وقوف ليبيا إلى جانب جون قارانق وحركته في جنوب السودان، وهى الحركة التي كانت ترغب في الحفاظ على وحدة السودان وعدم الانفصال، كذلك عن علاقة معمر باللبنانيين، وكيف وقفوا إلى جانبهم في الحفاظ على أراضيهم ضد العدو الصهيونى. تحدث قذاف الدم عن الوجود الإخوانى في مصر، وكيف أنهم كانوا يدعونه ويلتقون به أيام مهدى عاكف، ثم تحدث عن المليارى دولار التي دفعها إخوان ليبيا لإخوان مصر في عهد مرسي من أجل تسليمه للإخوان في ليبيا، وإلقائه في سجن طرة لمدة ثمانية شهور كاملة، كما أكد أن سيف الإسلام ابن القذافى الذي كان يرأس جمعية حقوقية، والذي رغب أن يرد الحقوق إلى الآخرين جمع الجماعات الإسلامية التي كانت مرفوضة ومطرودة من ليبيا من أجل هذه الحقوق، وأنهم أقسموا على القرآن ألا يخونوه، ولا ينقلبوا عليه، لكنهم بعد أحداث ثورة ليبيا استطاعوا التمكن من مقدرات الدولة الليبية، ومن ثم يكونوا قوة عظمى داخلها. أوضح قذاف الدم أن القذافى لم يقل يوما إنه رئيس دولة، ولم يعترف بهذا، وأن هذا اللقب كان يثير الكثير من الغضب لديه، كما أنه لم يمارس مهام الرئيس في يوم من الأيام، بل كان دائما ما يعطى توجيهات، بينما تقوم الأجهزة المتخصصة في الدولة بالقيام بمهامها؛ ولذلك فأى ظلم لا يمكن نسبته إلى القذافى بقدر نسبته إلى من قاموا بتسيير شئون الدولة؛ ولذلك تحدث بالتفصيل عن الكثير من محاولات الاغتيال الموجهة لمعمر، وكيف نجا منها. كتاب «قذاف الدم يتحدث.. نصف قرن مع القذافى» من الكتب المهمة التي أوضحت الكثير عن الرئيس الليبى معمر القذافى، والعديد من الأسرار والأمور الغامضة التي كانت محل تساؤل وفى حاجة لإجابات عنها، ومن ثم أوضح هذا الكتاب كل ما كان مسكوتا عنه من أمور. من النسخة الورقية