"منهج الإمام في تفسير القرآن الكريم"، هو العنوان الذي دارت حوله ندوة المحور الرئيسي بمعرض الكتاب، وتحدث فيه الدكتور عبدالفتاح عبدالغني، أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والدكتور سالم السكري، حول ما قام به محمد عبده من جهود في تفسير القرآن الكريم، والأسس التي يجب أن تكون متواجدة في شخصية من يقدم على تلك الخطوة. وأكد "عبدالغني"، أن اختيار الإمام محمد عبده هذا العام كشخصية للمعرض يعد بحق نموذجّا نيرّا في هذه المرحلة الدقيقة التي ينادى فيها بتطوير الخطاب الديني لأن فكره يمثل شعاعّا كاشفّا أمام من يضعون خططهم لهذا التطوير باعتباره من كبار المجددين وأبرزهم في العصر الحديث، حيث جاء في فترة زعم فيها البعض أن باب الاجتهاد قد أغلق وأنه لا أمل في التجديد، واقتصر الباحثون على التقليد للسابقين ويأتي التالي فينقل عن السابق ولا يتجرأ شخص على نقد ما ينقله أو يزيد فهمّا للناس لهداية القرآن الكريم والذي جعله الله شفاء لنا من كل أمراضنا النفسية والجسمانية. واستعرض سيرة حياة الإمام وعلاقته بأستاذه جمال الدين الأفغاني وسفره إلى الغرب ومنهجه الذي يقوم على الاعتدال والوسطية ومدى جهده في عملية تفسير القرآن الكريم قائلا: ولد الإمام سنة 1849 بقرية محل نصر بالبحيرة ونشأ في أسرة عرفت بمقاومتها لظلم الحكام وتضحيتها من أجل الحق والواجب تلقى دروسه في الجامع الأحمدي في طنطا وهجر الدراسة بسبب أساليبها الصعبة ورفض والده وأعاده إلى الدراسة ودخل الأزهر. اتصل الإمام بأستاذه جمال الدين الأفغاني واقترب من فلسفته التجديدية التنويرية المنضبطة بقواعد اللغة وقوانين الشرع وبدأ يكتب في الصحف مقالاته ومنها جريدة الأهرام التي كان من رواد الكتابة فيها، ونفي من مصر وحددت إقامته في قريته وعاد للعمل ليصير محررّا في مجلة الوقائع، ثم حكم عليه بالسجن في ثورة عرابي، وعكف على البحث والتجديد من خلال تأملاته وأصدر مع الأغاني مجلة العروة الوثقى. وأضاف: الإمام له منهج في فهم النصوص الشرعية فالناظر فيما تركه من تراث فكري يراه قد تبنى مركزّا وسطّا بين الإفراط والتفريط والملائمة بين التراث والتجديد والتقريب بين الأصالة والمعاصرة ومواجهة تيار التغريب، وكان يعرف أنهم يقصدون إبعاد أصالة الأمة وذوبانها حتى تصبح ممسوخة شوهاء. وقال: "واجه الإمام أنصار الأفكار المتشددة التي عرفت بالجمود والتقليد وبدأ يحث طلابه على التفكير واحترام العقل وإصلاح أساليب اللغة ويرد على هؤلاء الذين يروجون لفكر السلة الدينية، قائلّا: ليس في الإسلام سلطة دينية والخليفة في الإسلام حاكم مدني سواء أتى بطريقة البيعة أو الاقتراع المباشر وهو الانتخاب". وتابع: "الإسلام دين وشرح عبادة وسرور عقيدة وأخلاق ووجود الأحكام الشرعية لا توجد إلا إذا وجدت سلطة تقوم بتطبيقها". وأشار إلى أن المتأمل في هذا الكلام يتجلى له كأن الإمام يعيش بيننا ويرد على الفئة المنحرفة من الجانبين سواء من يريدون إبعاد الإسلام عن ساحة العمل والفرقة الكهنوتية. وقال: اهتم محمد عبده بالإصلاح وأنصف المرأة ولا تغيب عنا سورة النساء والتي يمثل اسمها الروح العام وحسبك هنا أن أسوق لك بعض من فهمه المستقيم. واستطرد: يلوم الإمام على المفسرين من غفلوا عن الهدف الذي من أجله أنزل القرآن والإكثار من أمور يخرج بالكثيرين من الكتاب الإلهي ولهذا يراه قد قسم التفسير قسمين أحدهما تفسير جاف مبعد عن الله وهدايات الكتاب وهو ما يقصد به تعريف الألفاظ وإعراب الجمل، قال هذا لا ينبغي أن يسمى تفسير، بل درب من التدرب في الفنون المتنوعة كالنحو وعلم الاشتقاق. ثانيهما: ذهاب المفسر وبيان حكمة التشريع على الوجه الذي يجذب الأرواح ليتحقق فيه معنى قوله "هدى ورحمة" وهذا هو القول الذي أرمي إليه في معنى التفسير. وأوضح عبدالغني: من المتشددين من يتهم الأزهر أنه ميع الشرعية مجاملة للحداثيين، وأقول: الأزهر هو حامي الشريعة المدافع عنها الم يقل الله لنا جعلناكم أمة وسطا وسيظل الأزهر يربي أبناءه على هذا الفكر النير جامع بين الأصالة والتجديد وجامع للتراث. وتابع: البحوث العلمية خير شاهد على ذلك من يذهب إلى أقسام التفسير يجد العجب في تنقية الكتب التي لا تحتاج إلا إلى طباعة لتوزع على الناس وأن يترجم هذا الفكر بلغات متعددة حتى يقرأ غيرنا ما عليه ديننا من وسطية واعتدال ليعرف الناس قدر الإسلام. وقال: أسوق كلامًا للأستاذ الإمام في هذا النموذج الذي يتعلق بقضية الربا يقول: ويحتج أكلة أموال الناس بالباطل الذين ينقطعون بأناس اتكاليين يدعون أنهم انقطعوا عن الحياة تاركين الأعمال النافعة فلا يتعلمون علمًا ولا يجاهدون في سبيل الله وليس فيهم صفة من الصفات ويأكلون بدينهم، وكذلك فإن الإسلام يبين لنا أن الإيثار لا بد أن يقابل بالعفة وعزة النفس فحين ذهب المهاجرون إلى المدينة وجدوا إيثارًا من الأنصار حتى أن البعض منهم عرض على إخوانهم تطليق زوجاتهم ليتزوجوا منهم ولكن المهاجرين قابلوا ذلك بالعفة.. بارك الله لكم في أموالكم وبيوتكم دلونا على السوق. ويرد الإمام على هذه الخزعبلات: هذه أوهام فإن المسلمين في هذه الأيام لا يحكمون الدين في أعمالهم ومكاسبهم ولو حكموه ما استدانوا بالربا وجعلوا أموالهم غنائم لغيرهم.. ألم تسبقنا جميع الأمم إلى إتقان الصناعة والتجارة والزراعة فلماذا لا نتقنها؟ أن ديننا يدعونا إلى أن نسبق الأمم في الإتقان. المسلمون في الأغلب نبذوا دينهم فلم يبق عندهم إلا عادات وتقاليد أخذوها بالوراثة فمن يدعي أن الدين عائق للترقي قصد عكس القضية وهذا من عدم البصيرة والتأمل الصادق لحال الأمة. إن أثر الربا فينا لا يمكننا أن نزيله في مئات السنين ولو قمنا باستخدام ديننا لوقينا أنفسنا من الفقر، هذا هو فكر الإمام والنماذج على ذلك كثيرة. وأشار إلى أن الخليفة في الإسلام حاكم مدنى سواء أتى بطريق البيعة من أهل الحل والعقد الممثلين للشعب أو عن طريق الانتخاب من عامة الشعب، منوهّا إلى أن الإمام محمد عبده كانت له نظرة في الإصلاح التعليمي والإصلاح التربوى والاهتمام بحقوق المرأة. في حين أكد الدكتور سالم السكري، أن هناك مجموعة من مؤلفات التفسير للإمام محمد عبده، مضيفًا أنه بالرغم من قلة هذه الآيات التي فسرها الإمام، إلا أن دوره بالغ وفعال في تفسير كتاب الله. وقال: "ما تركه الإمام قليل ولكنه كثير المعاني والدلالات، وقد تأثر به الكثير من الأئمة، من بينهم محمد رشيد رضا، والذي كان يشير في كتاباته عن فضل الإمام عليه. وأشار إلى الدراسات التي تناولت تفسيرات الإمام، والذي كان أهمها في كتاب محمد رشيد رضا، مختزلا مقدمته المقتبسة من الإمام الراحل، وعنوانها "المقدمة المقتبسة من الإمام بالمعنى والإيضاح"، والتي تستطيع من خلال صفحاتها العشر أن تفهم وتعي تفسيرات الأمام. أما المقدمة الثانية، فهي ل(حسين الذهبي)، وزير الأوقاف السابق، والذي تحدث في أشهر كتبه (التفسير والمفسرون) عن منهج الإمام، إضافة إلى الدكتور(محمد البهي)، والذي كان من تلامذة الإمام، وقد تناول في كتابه (الفكر الإسلامي الحديث) تفسيرًا موجزًا للإمام. وعن آخر الدراسات، قال السكري: إن آخر دراسة تناولت محمد عبده كانت ل (عبدالله عبدالرحيم) في كتاب (الإمام محمد عبده ومنهجه في التفسير)، حيث وضع تفسيره خلال سطور (الوحدة الموضوعية في التفسير)، والتي يفسر من خلالها وحدة الموضوع وعلاقته بفهم القرآن، وفهمه لوقائع الحياة ونظريات العلم الحديث. كان السكري بدأ حديثه قاءلا: نحن نتحدث في هذه الجلسة عن الجانب التفسيري في فكر الإمام محمد عبده وهناك ندوات أقيمت في فكر الإمام محمد عبده وقبل أن أتحدث عن جانب آخر من جوانب العظمة في فكر الإمام، استأذنكم أن آخذ بأيديكم في فهم معنى التفسير وأهميته فتفسير كتاب الله تعالى ليس بالأمر الهين فالتفسيير أدواته وعلومه ولا يجب أن يقدم أحد على تفسير كتاب الله إلا لو كان ملمّا بجملة المعارف التي تؤهله لتفسير كتاب الله. وتابع: "التفسير له تعريفات كثيرة تدور حول بيان معاني كلام الله تعالى بقدر الطاقة البشرية والتفسير هدفه إظهار إعجاز القرآن الكريم وهداياته وإرشاداته وهذا الهدف هو الذي جعله الإمام محمد عبده نصب عينيه حين كان يفسر كلام الله سبحانه وتعالى". وقال: "التفسير التحليلي تقوم بتدريسه في الجامعات أما التفسير الذي تبناه الإمام فيغلب عليه الجانب الموضوعي الاجتماعي فهو الذي يذهب إليه أو نحتاج إليه في التفسير الذي يراد إذاعته على الناس، وهذا التفسير يربط الآيات القرآنية بأحوال الله فنوصل للناس الرسالة التي يهدف إليها القرآن الكريم". وأضاف: "هناك أدعياء على العلم يتجرأون على كتاب الله سبحانه وتعالى يجلس أحدهم في مسجد ويفسر كتاب الله وليس لديه من الأدوات والعلوم ما يمكنه من التفسير وبيّن الله تعالى أنه من الكبائر أن يقول المرء على الله ما لم يعلم".