لم تكفِ الإيرادات التي جبتها السلطة الفلسطينية خلال النصف الأول من العام الجاري، لتغطية نفقاتها خلال نفس الفترة، أبرزها تغطية فاتورة رواتب موظفي القطاع الحكومي البالغة نحو 130 مليون دولار شهرياً، لتعاني عجزاً بلغ 800 مليون دولار خلال الشهور الستة من العام الجاري . وأظهرت البيانات المالية للسلطة خلال النصف الأول من العام الحالي أن إجمالي صافي الإيرادات بلغ حتى نهاية يونيو نحو 4.07 مليار شيكل (1.12 مليار دولار)، فيما وصلت نفقاتها خلال نفس الفترة أكثر من 6.55 مليار شيكل (1.92 مليار دولار ( ومما ساعد السلطة على تجاوز الأزمة في عجز موازنتها الدعم والمساعدات المالية التي قدمتها لها الدول المانحة كالسعودية والجزائر وعمان والولايات المتحدةالأمريكية، وبعض المنح على شكل مشاريع تنموية جاري تنفيذها في مناطق الضفة الغربية . ولولا تحسين جباية الضرائب وتوسيعها أفقياً، إضافة إلى رفع ضريبة القيمة المضافة، لوقعت السلطة في أزمة مالية شبيهة بتلك التي عانت منها نهاية العام الماضي حتى شهر فبراير من العام الجاري، بحسب مدير عام الموازنة في وزارة المالية الفلسطينية فريد غنام . وأضاف، إن الوزارة بالتعاون مع عدد من الدول قامت بعقد دورات لموظفي الضرائب بهدف تحسين وتوسيع الجباية أفقياً في السوق الفلسطينية، “,”كما كان للاجتماعات التي عقدت مع الجانب الإسرائيلي أثراً إيجابياً في زيادة حجم إيرادات المقاصة التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة .“,”. وبلغ حجم الإيرادات الضريبية خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 1.15 مليار شيكل (324 مليون دولار)، مقابل نحو 957 مليون شيكل (270 مليون دولار) خلال نفس الفترة من العام المنصرم، بزيادة وصلت إلى 54 مليون دولار . أما إيرادات المقاصة (الضرائب والجمارك التي تجبيها إسرائيل من الواردات الأجنبية إلى فلسطين عبر الحدود الدولية) فقد بلغت خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري 2.81 مليار شيكل (791 مليون دولار)، مقابل 2.75 مليار شيكل (774 مليون دولار)، بزيادة 17 مليون دولار . من جهته اعتبر الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة بيرزيت د. نصر عبد الكريم إنه من الأولى على السلطة الفلسطينية أن تعتمد في إيراداتها على القطاعات الإنتاجية، لأن الضرائب وأموال المقاصة خاصة سوف تنقطع عند أي ارتباك سياسي مع إسرائيل . وقال إن القطاعات الإنتاجية الفلسطينية عاجزة بشكل كبير، وهذا الأمر بدا واضحاً في الميزان التجاري، “,”حيث تصل الواردات لأكثر من ثمانية أضعاف الصادرات، كما أن الإيرادات الحكومية من القطاعات الإنتاجية لا تذكر . وفي قراءة للبيانات المالية الصادرة عن وزارة المالية للأعوام الماضية، فإن أكثر من 80٪ من موازنة السلطة التي تزيد عن 3.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية قادمة من الدول المانحة والإيرادات الضريبية التي تجنيها من المستوردين والمواطنين والتجار . يذكر أن ترتيب فلسطين في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي للعام 2012 جاء في المرتبة 134 من أصل 182 دولة، بسبب الصعوبات التي تضعها أمام أي استثمارات جديدة . وبحسب محللين اقتصاديين، فإن قرار الحكومة الفلسطينية الأخير ممثلاً بوزارتي المالية والاقتصاد القاضي برفع الجمارك على البضائع الأجنبية بنسبة تصل إلى 35٪ يهدف إلى تحقيق إيرادات إضافية للخزينة الخاوية، وليس لدعم المنتج المحلي في السوق الفلسطينية . بينما رأى آخرون خلال لقاءات مناقشة مشروع الموازنة مطلع العام الحالي، أنه حتى لو كان الهدف هو دعم المنتج المحلي، إلا أن الضرائب العالية المفروضة على الشركات والمصانع، ستؤدي إلى تحقيق إيرادات إضافية للخزينة، وذلك على حساب المستهلك الذي سيتحمل ارتفاع أسعار هذه السلع . ويتفق أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة النجاح الوطنية د. باسم مكحول، خلال لقاء سابق لوكالة الأناضول مع حديث عبد الكريم، قائلاً إن السلطة الفلسطينية منذ إنشائها تلجأ إلى الخيار الأسهل والطريق الأسرع لتحقيق إيرادات، وهو زيادة الضرائب والجمارك . ومضى قائلا إن التراجع الواضح في القطاعات الزراعية والصناعية وخلال سنوات ما بعد أوسلو سببه فرض قيود عليها عبر زيادة الضرائب حيناً، وإهمالها حيناً آخر، “,”كما حصل مع القطاع الزراعي الذي كانت أهميته النسبة للناتج المحلي تشكل 32٪، واليوم أصبح لا يتجاوز 5 %“,”. الاناضول