ماذا يعني أن يقوم ألف عالم من المسلمين السوريين ،" قومة رجل واحد"، بتوقيعاتهم الصريحة، ويطالبون الأزهر الشريف بإسقاط " مشيخة" الشيخ أحمد بدر الدين حسون، مفتي سوريا ورئيس مجلس الإفتاء الأعلى بها ؟؟ معناها أن " السيل بلغ الزبا"، وأن محطات الصد لم تعد قادرة على مواجهة الهدير الجارف المتمثل في غليان النفوس ضد من يحاول أن يخرب الدين باسم الدين ، أو يقف ضد مشاعر المسلمين، وهو إمام من أئمة المسلمين، وقدوة لهم في السلوك والدين؟ الخطوة الجريئة وغير المسبوقة يقودها مدير المكتب الإعلامي لمفتى الجمهورية السورية الشيخ عبد الجليل السعيد، الذي أعلن انشقاقه عن النظام السوري مؤخراً.. واتضحت له شمس الحقيقة، فقرر ألا يغالط نفسه، و أن ينسحب عن المفتي ومكتبه ويتخلى عن منصبه الإعلامي، و وأن ينحاز للثوار الأحرار، وأن يؤثر العدل والحق ، على شيخه ومفتي دياره.. فجزاه الله خيرا. وهذا ذكرني بمقولة المشرف على صفحة الشيخ السوري الشهير أيضا ( رمضان البوطي)، على "الفيس بوك"، الذي تركه وانضم للثوار قائلا بكل صراحة مع النفس:" أحب شيخي نعم، لكن أحب العدل أكثر". إن الألف عالم من المسلمين بحق، من علماء سوريا أدركوا أن واجبهم الديني يقتضي فعل شيء ضد مفتي سوريا الذي باع دينه، وضحى بواجبه الديني، مقابل استرضاء النظام السوري، الذي يقتل البشر ويهدم الحجر ولا يبقي لصاحب الحق حقا ولا يذر، واستبدل "الذي هو أدني بالذي هو خير". نخبة من " علماء الألفية السورية"، يمثلونهم ويحملون توقيعاتهم؛ لمقابلة شيخ الأزهر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، لعرض طلبهم -الذي يعتبر الأول من نوعه- والمتمثل في إسقاط لقب "مشيخة" مفتي سوريا وسحب الشهادة الأزهرية التي يحملها. السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: هل يستطيع الأزهر أن يلبي طلب الألف عالم، باعتبار أن مفتي سوريا أزهري قديم وخريج الجامعة الأزهرية العريقة، وهم يرون أن من العار أن يكون أزهري وإن -كان سوريا- راضيا عن ظلم الظالمين واستبداد المستبدين، ونظام "الأسديين"، بل ومشاركا في تثبيت أركانه والدفاع عنه واستغلال سلطته الدينية في ذلك أيما استغلال.. في وقت يقوم الأزهر بشيخه ورجالاته في مصر بالمشاركة الفعلية في التعبير عن الاستياء من ظلم النظام البائد ومشاركة الشعب آلامه وآماله، واستنكار بل تجريم وتحريم الدماء التي سفكت من أبناء الشعب ولا تزال تسفك، يوما بعد يوم بكميات غزيرة وأعداد غفيرة؟؟ ويتفرع من السؤال السابق سؤال ثان: هل يحق لشيخ الأزهر الآن أن يصدر قرارا ينص بسحب الشهادة الأزهرية من مفتي سوريا وإن كانت في اللغة العربية ، كما يدعي البعض- وان كانت سيرته الذاتية تشير إلى أنه نال درجة الدكتوراه من "جامعة الدراسات الإسلامية" بدرجة امتياز في الفقه الشافعي، ولم تذكر السيرة مكان هذه الجامعة التي فشلت في العثور على موقعها، وتشير السيرة أيضا أنه نال درجة الدكتوراه الفخرية على كلمته في البرلمان الأوروبي (وحدة الإله – وحدة الحضارة – ووحدة الإنسان) من جامعة" سونان كاليجاكا – جوكجاكرتا". لكن الأسئلة التترى التي تزاحم عقلي الآن يغلب عليها سؤال جوهري: لماذا ينحاز مفتي سوريا للنظام بعد أن أشيع أنه ضده، وانه وقف في بداية الأمر مستنكرا فعله وجرائمه؟؟؟ هل كان لمقتل ابن المفتي( سارية حسون) على أيدي مجهولين في حلب، إشعال نار الحقد على الشعب السوري كله، فانحاز للنظام كله، ومشى معه على طول الخط- ظالما أو مظلوما-، وأيده ونصره وباركه في كل ما يقوم به ضد الشعب البريء. هل هي نزعة شيعية أخفاها المفتي العام ثم ظهرت في أقواله وأفعاله وسلوكه، وتعرضه للسيدة عائشة رضي الله عنها ، وتسهيله لنشر" الحوزات" الشيعية في سوريا حتى وصلت إلى أكثر من مائة حسينية في دمشق وحدها ، في الوقت الذي يتم فيه التضييق على المعاهد الشرعية وتكميم أفواه علماء وشيوخ السنة ؟ وكما تعلمون جميعا أن هذه النزعة الشيعية هي التي تغلب على الرئيس السوري بشار الأسد، وينطلق في حربه على شعبه من أهل السنة المسالمين، كما فعلها أبوه حافظ الأسد من قبل، وقتل ثلاثة ألف مسلم من أبناء حلب في يوم واحد؟ إن أشد ما استفزني عن مفتي سورية أنه التقى في مقر وزارة الأوقاف السورية وفداً أكاديميا أمريكياً من جامعة "جورج ميسون" يرأسه البروفيسور والناشط "مارك جوبن" رئيس المركز العالمي للأديان والدبلوماسية وفض النزاعات بواشنطن، وخاطب المفتي السوري الوفد الأمريكي بقوله: حملنا المسيحية للعالم وحافظنا على اليهودية في العالم، أمرنا الإسلام بالمحافظة على المسيحية واليهودية، وأضاف: لو طلب مني نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، أن أكفر بالمسيحية أو باليهودية لكفرت بمحمد..وتابع المفتي: لو أن محمدا أمرني بقتل الناس لقلت له أنت لست نبيا". وهي المقولة التي استفزت الشيخ القرضاوي كثيرا فانتقد فيها المفتي السوري في برنامج على قناة الجزيرة واعتبر هذا تطاولا على حقائق الدين، ولوح بأن "التعدي على الحقائق إرضاء لأهواء الآخرين هو نفاق واتباع للهوى.."، وكلام كثير قاله ، لم يبق له فيه ولم يذر . ومما يستفزك عن سماحة المفتي أيضا الدعاء للرئيس الأسد على المنبر وتبرئته مما يفعل ضد الشعب بل تخطئة للشعب السوري كله . ومما يستفزك أيضا دعوته عدم إدخال الدين في السياسة، في إشارة إلى إقصاء علماء الإسلام عن الساحة السياسية، وهي الدعوة التي لاقت قبولا رائجا من الساسة في العالم العربي كله، مما جعل الدين محصورا في دورات المياه لا يعنيه من أمر الدنيا شيء سوى الوضوء والغسل والاستنجاء والحيض والنفاس.. وهي مقولة باطلة أثبت علماء الإسلام الكرام في مصر وفي غيرها أن الدين قادر على تحريك الأحداث وإلباس الدنيا كلها ومعتركاتها في شؤونها السلمية والحربية لباس الدين من منطلق أن الدين هو قانون الله في الأرض للإنسان خليفة الله في الأرض. ومما يستفزك أيضا للمفتي السوري مقولته الساذجة أن بشار يريد ترك الرئاسة والعودة لطب العيون في خلط واضح تملق مكشوف للنظام القائم القاتم وبإذن الله البائد كما بادت أنظمة من سبقوه وقلدوه وكانوا على نهجه في الظلم والفساد والإفساد في الأرض. بعد كل هذه الأقوال والأفعال والسلوكيات من المفتي السوري، ألا يحق لعلماء عاصمة الخلافة الإسلامية الأموية( سوريا) أن يطالبوا بسحب الصفة الدينية عن مفتيهم وأن يلجؤوا للأزهر باعتباره المرجعية الإسلامية الكبرى في الفصل في تلك القضية؟ ثم ألا يحق للأزهر أن يلبي مطالبهم ويحقق رغبتهم، حتى لا يلوث الدين من يمثل الدين، باسم الدين وينطلي ذلك على البسطاء والأميين والعاميين أتمنى من فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، أن يعطي هذه القضية حقها وقدرها وأن يقول فيها القول الفصل؛ حتى لا أقف على رجلي صارخا" بعلو صوتي" كما صرخ الشاعر العالم الغيور على دينه وأمته من فعل بعض علماء أمته فقال: ( يا وجوه الناس يا علماء البلد// من يصلح الملح إذا الملح فسد) ؟ [email protected]