حينما وقعت الثورة الشعبية المباركة فى مصر فى 25 يناير 2011 فوجئ العالم بأسره بها ،وراح يتابعها عن كثب لحظة بلحظة،وعندما أسقطت تلك الثورة السلمية نظام الحكم السابق الذى كان راسخًا كالجبال الراسيات هلل العلم كله، وقال إنها ثورة عظيمة لشعب عظيم، سيتم تدريسها فى كتب التاريخ، وجاء عدد كبير من قادة العالم إلى ميدان التحرير وتجولوا فيه وتحدثوا مع الثوار وبعضهم أكل البطاطا المشوية ، والتقطوا الصور التذكارية،منهم على سبيل المثال السيد دافيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا ،والسيدة هيلارى كلينتون وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية ،وعدد من قادة وأعضاء الكونجرس الأمريكى. قال قادة الفكر الدينى والسياسى ، و" النُخبة" من السياسيين والإعلاميين فى مصر إنها " ثورة عظيمة لشعب عظيم". وعندما جاء الاستفتاء يوم 19 مارس 2011 على بعض التعديلات الدستورية ،هب المصريون عن بكرة أبيهم للتصويت و الإدلاء برأيهم ،بطريقة لم تشهدها مصر منذ ثورة 1952،وقال المصريون والعالم عن ذلك إنه "عرس ديمقراطى " أقامه" الشعب المصرى العظيم". ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب التى بدأت مرحلتها الأولى يوم 28 نوفمبر 2011،فخرج المصريون فرادى وجماعات لاختيار ممثليهم فى مجلس الشعب فى أول انتخابات حقيقية وجدية تحت إشراف قضائى كامل لأول مرة منذ ثورة 1952.راقب العالم كله سيرالانتخابات ،وكذلك منظمات المجتمع المدنى فى مصر و فى الخارج ،وأجمعوا على أنها أنزه انتخابات فى تاريخ مصر المعاصر وإن شابتها بعض التجاوزات البسيطة فى الدعاية الانتخابية من جميع الأحزاب ، وكرر المصريون والعالم وصفها بأنها "عرس ديمقراطى لشعب عظيم." ثم أُعلنت نتائج الانتخابات ،وجاء الإسلاميون إلى مجلس الشعب بأغلبية كبيرة ،اختارهم الشعب "العظيم " المحب للدين ويريد أن تحكمه الشريعة.. وفجأة قالت " نُخبة" من السياسيين والإعلاميين: لا شعب عظيم ولاحاجة !! تصوروا !! تغير رأيهم 180 درجة إلى الرأى المعاكس. هؤلاء لم تعجبهم نتائج الانتخابات رغم أنها كانت متوقعة ،انزعجوا من اختيار الشعب للمرشحين من التيارات الإسلامية ،كانوا يطالبون بالديمقراطية والاحتكام للصندوق ، فلما جاء الصندوق بالإسلاميين قالوا لا..!! وكان لسان حالهم يقول : مرحبا بالديمقراطية والاحتكام للصندوق بشرط ألا يأتى بالإسلاميين.!! فإذا قيل لهم : أليس الصندوق معبرا عن رأى "الشعب العظيم " قالوا : "نعم !!هذا البرلمان لايمثل الشعب المصرى",بما يعنى بمفهوم المخالفة أنه يمثل "الشعب المكسيكى "،ولعل ذلك يفسّرلنا ما كان يصدح به الفنان المصرى فى القرن السابق فى أغنيته الشهيرة التى غنّاها فى أحد الأفلام الكوميدية " مكسيكى يامّه ..مكسيكى ...!! ( واسمه حامد ولا أذكر باقى الاسم..رحمه الله " إذن هو كان فى مصر يعلن أن هويته مكسيكية وأن الشعب المصرى مكسيكى !! ثم خرج علينا بعض "" النُخبة" "فقالوا : "لا....هذا المجلس هو مجلس الغُطرة واللِحى والأذان فى القاعة الكبرى للمجلس أثناء انعقاد الجلسة العامة ..إنه مجلس "قندهار " أى إنه يمثل الشعب الأفغانى..!!" وذهب فريق ثالث إلى الجمع بين الرأيين السابقين فى تحديد جنسية الشعب الكائن بأرض مصر منعا من الخلاف ولتوحيد الأمة ،فقالوا إن الشعب الذى انتخب الإسلاميين هو شعب "أفغاسيكى " أى أفغانى على مكسيكى...!! وقالوا تعليلا لذلك إن الشعب المصرى "الذى لاهو عظيم ولا حاجة " شعب جاهل ومُغيّب "بضم الميم وتشديد الياء ".!! طيب جاهل وعرفناها ، فإذا قيل لهم : يعنى أيه "مُغيّب"؟ قالوا : "نعم ..إن المشايخ فى الجوامع خلّصُوا الموضوع، يعنى استخدموا الدين على المنابرفى الدعاء والدعاية للمرشحين الإسلاميين ، وفى ذلك استخدام للدين لتغييب العقل !!" ألا ترون أنهم يرددون نفس مقولة الشيوعى كارل ماكس : الدين أفيون الشعوب ؟ فيا جماهير الشعب "المصرى " العظيم اضحكوا معى على هؤلاء " النُخبة" من السياسيين والإعلاميين، فهم فى مصر من المضحكات التى قال عنها الشاعرأبو الطيب المتنبى رحمه الله (303ه -354 ه): وكمْ ذا بمصر من المُضْحِكات .. ولكنه ضحك كالبكا ولا تغضبوا ولا تحزنوا ممن وصفكم بأنكم جاهلون ومُغيًّبون ،فقد قال المتنبى أيضا : واذا أتتك مذمتى من ناقص .. فهى الشهادة لى أنى كامل وختاما نذكّرهؤلاء (الُنخبة ) بقول الله تعالى التالى ، عسى أن يتوبوا عن الإساءة للشعب المصرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإْيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الآية(11) سورة الحجرات صدق الله العظيم * كاتب المقال اللواء الدكتور عادل عفيفى رئيس حزب الأصالة وعضو مجلس الشعب