كشف محمد الأسواني أحد أقدم السجناء في عصر مبارك عن حجم الانتهاك الذي تعرض له جيل من الشباب المتدين ، وألقي بظلاله علي حجم الاستبداد والفساد الذي كان في المنظومة الأمنية . الأسواني روي مأساته هو وأسرته بالكامل حتي أصابه الشلل النصفي ، وتراكمت عليه الأسقام ، حاول الفرار أكثر من مرة من السجن بسبب التعذيب والاستهزاء به هو وزملاءه / حتي نجح بالفعل عام1988 من الهروب في سابقة تعد الأولي من نوعها في تاريخ السجون السياسية . إلا انه تم قتل زملائه خميس مسلم والرائد عصام القمري في عهد وزارة زكي بدر، وأعيد مرة أخري بعد 23يوماً إلي ليمان طره ليلقي أشد وأشرس أنواع القهر والتنكيل وإليكم تفاصيل هذه السنوات المرعبة في حياته : سجن بلا نهاية من الصعب علي السجين أن يتخيل نفسه باقي أمد الدهر في السجون والمعتقلات ، لو تخيل أحد أنه سوف يبقي ليموت داخل السجن لقاوم السجان حتي الموت ، هذا ينطبق علي حالت السجين،محمد محمود صالح الأسواني ،والذي يعد من أقدم السجناء السياسيين ، خلال الثلاثين عاماً الماضية . الأسواني قضي في المعتقل أكثر من ثلاثين عاماً ، وأفرج عنه منذ عدة أشهر بسب سوء حالته الصحية، من سجن العقرب (قلعة الموت ) ، الأسواني تاريخ من الصمود والتحدي . الأسواني مصاب بشلل نصفي أقعده تماماً عن الحركة ، قضي كعب داير في السجون المصرية من استقبال طره عام 1981إلي ليمان طره إلي الوادي الجديد إلي وادي النطرون إلي أبو زعبل الليمان . الأسواني وفي سابقة تعد الأولي من نوعها حكم علية في أثر من أربع قضايا ألاولي مقاومة سلطات عام 81وهروب من السجن عام 88 وتأسيس تنظيم عام 95من داخل السجون ، ثم إحراز مطبوعات عسكرية في نفس العام . اعتقلت عائلة الأسواني بالكامل عبر سنوات الرئيس المخلوع حسني مبارك من الوالد إلي السيدة كوثر محمد موسي وعلي شقيقته عبير و التي أشرف علي تعذيبها اللواء فادي الحبشي واللواء حلمي الجزار . السير عبر المسافات السدود تبدء قصة الأسواني وهو في ريعان الشباب فقد دخل السجن وهو شاب لم يتجاوز خمسة وعشرون عاما، كان يحمل في جوانحه طموح الشباب وتطلعاته وأفكاره ، كان وأصدقاء طفولته ، محمد صلاح عبد القادر(قتل في أفغانستان ) ، وصلاح السيد بيومي(حكم عليه بالمؤبد وأفرج عنه بعد قضائه خمسة وعشرون عاماً ) ، محمد سعد عثمان(قتل في سجن العقرب نتيجة للتعذيب الوحشي الذي مورس ضده ) من قاطني منطقة شبرا . دعاة السبعينيات وكانوا يترددون علي مساجد دعاة السبعينيات ، الشيخ عبد الحميد كشك ، والشيخ أحمد المحلاوي ، والشيخ عبد اللطيف المشتهري ، والشيخ عبد الله السماوي ، والشيخ حافظ سلامة ، وكان التزامهم الديني عامل من عوامل رصد أمن الدولة لهم . وربما لو تعاملت سلطات الأمن بطريقة أخري مع هؤلاء الشباب غير الطريقة المتبعة والمعروفة لما تطور الأمر ونتج عنه مثل هذه الويلات التي دفع ثمنها هؤلاء الشباب أولاً ، ثم عائلاتهم وأقاربهم ثانياً ، ثم المجتمع بأسره فيما بعد ثالثاً . لقد تم إلقاء القبض علي محمد الأسواني في عام 1981م بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات ،وتحديداً في 16/ أكتوبر ، واقتيد إلي سجن القلعة الشهير ، والذي كان به مقر مباحث أمن الدولة آنذاك ، وتم استجوابه بالطريقة المعروفة حيث الصعق بالكهرباء، والجلد والضرب المنظم المبرح علي الرأس والجلوس في مياه قذرة فترات كبيرة حتي يدلي باعترافات تفصيلية علي علاقاته بآخرين ودوره في تنظيم الجهاد . ولم يكتفي جهاز مباحث أمن الدولة بذلك الأمر بل تعدي الأمران قبض علي والده الكفيف محمود الأسواني ، ووالدته الكفيفة السيدة كوثر ، وشقيقة طارق الأسواني ، وشقيقته الصغيرة أنذاك عبير الأسواني ، وتم اقتيادهم إلي مقر مباحث أمن الدولة في لاظوغلي، وتعرضهم للضرب والتعذيب والإهانة النفسية والبدنية ، ليلقي ذلك بظلاله علي ملامح شخصية الأسواني وجميع من أحاط به سواء من أقاربه من الدرجة الأولي حتي الدرجة الخامسة ،أو أصدقائه . كل ذلك دفعة لتخطيط للهروب من السجن فيما بعد لتفادي التعذيب والإهانة ، وتم إلحاق الرجل بقرار الإتهام في قضية تنظيم الجهاد الشهيرة عام 1981ليحكم عليه بالسجن المؤبد خمسة وعشرون عاماً ، وينتقل التعذيب من مقرات مباحث أمن الدولة إلي السجون والمعتقلات . الهروب الكبير لم يطق الأسواني مثل هذا التعامل الشرس وعلي طريقة فيلم الهروب الكبير: The Great Escape وهو فيلم أمريكي أنتج عام 1963 من إخراج وكتابة جون ستورجس عن كتاب لبول بريكهيل ، والمسلسل الأمريكي Prison Break ، يقوم هو وبعض رفاق السجن بالإعداد والتخطيط للهروب من السجن ، وتنجح المحاولة في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ السجون المصرية ويخرج محمد الأسواني وخميس مسلم وعصام القمري من السجن ليعيشوا في الحرية 21 يوماً ويتم تصفية عصام القمري وخميس مسلم ويلقي القبض علي الأسواني ويتم القبض علي أسرة الأسواني بأكملها. ويتم التحفظ علي عبير الأسواني ووالدتها في المنزل بشبرا ، ويقيم قيادات أمن الدولة معهم في المنزل لعدة أشهر متتالية . ويلقي القبض علي طارق الأسواني ، ويوضع في قرار الاتهام هو وعشرة آخرين في القضية التي عرفت إعلاميا علي غرار الفيلم الأمريكي الشهير ب الهروب الكبير ،ومن مفارقات القدر أن يتولي الدفاع عن محمد الأسواني وطارق الأسواني المستشار / عبد الغفار محمد القاضي الذي حكم علي قضية تنظيم الجهاد عام 81، لقناعته بالتعذيب الذي مورس ضد المتهمين فهو الذي حول ما يقرب من 60 ضابطا إلي محكمة الجنايات ، بسب اتهام المتهمين لهم بالتعذيب ، ليأخذوا جميعا براءة من القضية. أما بخصوص قضية الهروب فقد برئت المحكمة ساحة جميع المتهمين فيما عدي محمد الأسواني الذي حكم عليه بالسجن أثني عشر سنة أضافية علي حكمه موزعة علي سبع سنوات هروب ، وخمس سنوات مقاومة سلطات . ويتم أعادة اعتقال شقيقه لمدة سبعة عشر عاما متتالية ، ليفرج عنه مع جموع الذين أيدوا مبادرات وقف العنف ويترك البلاد باحثا عن مصدر رزق ومكان أرحب وأوسع في فترة ما قبل الثورة . العقرب والبوابة الزرقاء كل ذلك لم يعجب سلطات الأمن فإمعاناً في إذلال أمثال الأسواني فقد تم فتح سجون جديدة بمواصفات مختلفة ، وبمناطق نائية ليتم السيطرة علي المعتقلين فيها وإجهادهم نفسيا ومعنويا ، وإجهاد ذويهم ماديا ، ولأنه من معتادي الهروب تم ترحيله إلي سجن العقرب (سجن فتح خصيصاً لمواجهة محاولات الهروب وهو سجن شديد الحراسة )وتم إيداع محمد الأسواني به. ليتم إلقاء القبض فيما بعد علي مجموعات طلائع الفتح ، وخاصة الجزء الخامس ، مجموعة عين شمس والتي كانت مسئولة عن كفالة المعتقلين السياسيين وذويهم ، ليتم الزج بهم في القضية بحجة أمداد معلومات عسكرية لهم بخطابات من داخل السجن للخارج ليحكم عليه مرة ثالثة بالسجن عشر سنوات ، لتصل جملة أحكام الرجل إلي 47عاما كلها من داخل السجن، في سابقة قانونية فريد لم تعرفها الحالة السياسية المصرية. الخروج الغير أمن ورغم أن مصر موقعة علي الإعلان العالمي للحقوق الإنسان عام 1972والذي يقر ألا يجلس السجين في السجن مهما كانت أحكامه أكثر من 20عاما متصلة ، جلس الرجل حتي تاريخه ما يقرب من 31عاما متصلة ، أصيب خلالها بأمراض مضاعفة فضلاً عن انه مصاب بشلل نصفي كامل نتيجة لوجود جلطة دماغية أصيب بها بعد الاعتداء الوحشي الذي شهده سجن العقرب بعد محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك عام 1995، والذي جامله أجهزة الأمن وقامت بتصوير المعتقلين السياسيين وهم يضربون في جميع السجون ليرها الرئيس مبارك ، للتأكيد على أنهم يسيطرون علي مجمل الأوضاع في الداخل والخارج . لعبت السيدة عبير الأسواني دورا كبيرا بعد رحيل والدتها السيدة كوثر محمد موسي في تبني قضية الأسواني فمن سجن إلي أخر ومن مؤتمر تعرض فيه قضية شقيقها إلي مؤتمر ، ومن مقرات أمن الدولة إلي النيابة العامة ومكتب النائب العام ، حملت عبير الأسواني معاناة الأسواني الكبير والصغير . حتي صدر قرار من المجلس العسكري بالإفراج عنه ، ،فقد أكدت تقرير الطب الشرعي ما حملته أسرته إلي الرأي لأنه مريض ويحتاج للرعاية صحية كبيرة حيث بلغ من العمر55 سنة ،ومصاب بشلل نصفي نتيجة جلطة دماغية وحالته الصحية سيئة جداً، تقدمت الأسرة بأكثر من بلاغ للنائب العام والمجلس العسكري والسيد عصام شرف ليتم الإفراج عنه في أسرع وقت مثل باقي زملائه وأقرانه ممن أفرج عنهم في الأسابيع السابقة .